هالة مصطفى تكتب : أزمة الجزيرتين أم أزمتنا ؟

مازال موقع ” التلغراف ” يعرض كل الاراء عن قضية جزيرتى “تيران وصنافير ” واليوم نعرض لراى الدكتورة هالة مصطفى فى مقالها المنشور بجريدة الاهرام والذى جاء فية :

الأزمة التى فجرها الاتفاق بين الحكومتين المصرية والسعودية، بخصوص جزيرتى تيران وصنافير الواقعتين عند المدخل الجنوبى لخليج العقبة فى البحر الأحمر، وما صاحبها من حالة انقسام واستقطاب حادة فى المجتمع هى أزمة كاشفة لعديد من السلبيات التى تعترى حياتنا السياسية و ساحة النقاش العام، والتى تتجاوز الموضوع المباشر للجزيرتين ذاتهما.

لقد أصدرت الحكومة بيانا ومستندات توضح تاريخ الجزيرتين اللتين كانتا تحت الادارة المصرية منذ 1950 (أى بعد حرب 1948) بموافقة سعودية، الى أن احتلتهما اسرائيل فى 1967 مع استيلائها على سيناء حتى استرجعتهما مصر بعد انتصار 1973 واسترداد سيناء 1982. كما أشار نفس البيان إلى حقيقة التنازع على السيادة عليهما طوال الثمانينيات إلى أن صدر القرار الجمهورى رقم 27 لسنة 1990 بتحديد نقاط الأساس لقياس حدود المياه الاقليمية والمنطقة الخالصة لمصر، والذى بموجبه خرجتا تيران وصنافير منها، وأنه وطوال المدة المتبقية جرت مفاوضات لتسليمهما الى السعودية وشُكلت لجنة لتعيين الحدود فى 2010 إنتهت بالاتفاق الحالى (9 ابريل 2016).

إذن، ليس هناك ما يبرر التشكيك فى الدولة المصرية على هذه الخلفية، طالما لم تُقدم وثائق دامغة على الجانب الآخر المعترض على الاتفاق تُثبت العكس، وفى كل الأحوال ليس هذا ما يتوقف عنده المقال، لأن مثل هذه القضايا تحديدا لا تحتمل وجهات النظر ولا مجرد العواطف الوطنية، فالمسألة فى النهاية تحكمها حقائق وأدلة ملموسة وفقا لقواعد القانون الدولى. ولكن هذا لايمنع إبداء ملاحظات أساسية على المشهد برمته بعيدا عن تفصيلاته القانونية.

أولا : أخطات الحكومة ومعها الأجهزة المعنية فى الابقاء على سرية المفاوضات أوالاعلان عنها، حتى أن الرأى العام لم يكن يعلم أصلا أن هناك إعادة ترسيم للحدود البحرية، وأنها تعاملت مع ملف معروف سلفا أنه سيثير الكثير من الجدل، بمنطق بيروقراطى يقتصر على الفنيين والخبراء دون الأخذ فى الاعتبار أننا نعيش فى عصر مفتوح يستلزم الشفافية وليست الأساليب المغلقة القديمة التى تعتمد على المفاجأة أو الصدمة، فذلك يجافى أى عقلية أو منطق سياسى حديث.

ثانيا : أن هناك أزمة ثقة واضحة فى البرلمان الحالى، فلم ينتظره أحد للعب دور فى الأزمة، كونه الجهة المنوط بها التصديق على أية اتفاقيات من هذا النوع، بل بدا حضوره باهتا وهامشيا، وهى صفة تمتدد لكافة الشئون الأخرى.

ثالثا : إننا مازلنا نفتقد الى لغة الحوار رغم كثرة المنابر الاعلامية، فالصوت العالى والشجار هو الغالب دائما.

رابعا : تزايد حالة الاحتقان السياسى، الذى يجعل قوى المعارضة بتنوع تياراتها (شخصيات عامة أو حزبية أو حركات سياسية خاصة من قطاعات الشباب) تلتقط أى قضية خلافية للتعبير عن مجمل إحباطاتها أو رفضها لبعض السياسات العامة، مما يفاقم من المشكلات الطارئة أو القضايا التى قد تكون – بحكم التعريف – خارج سياق مطالبها السياسية المباشرة، وهو أمر لابد من الالتفات اليه واحتوائه. أما الأخطر فهو سرعة توظيف الاخوان، مدفوعون بإحساس ثأرى – لا يخفونه – مع النظام، لاستغلال نفس القضايا لاشعال «ثورة غضب» جديدة كما يتمنون ويسعون.

خامسا : استمرار تجاهلنا لما تفرضه المعاهدات الدولية والاقليمية على الدولة من التزامات، بل والتعامل معها فى كل مرة تُثار، وكأنها اكتشاف جديد يستوجب إبداء الرأى والنقد.

 وهذا ينطبق على من عبر قولا أو كتابة عن «دهشته» أو «صدمته» من اطلاع مصر اسرائيل على التسوية الجارية للجزيرتين ، رغم أنه أمر مفروغ منه، لأنهما جزء من الترتيبات الأمنية المتضمنة فى اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية الموقعة فى 1979 والملاحق والبروتوكلات المرتبطة بها، والتى تنص وتضمن حرية الملاحة فى خليج العقبة، ودون ذلك يصبح الأمر وكأنه بمثابة اعلان حرب مثلما حدث فى 67 بإغلاق مضيق تيران، ولهذا السبب توجد عليهما قوات حفظ سلام دولية وقوة شرطية مصرية ذات تسليح خفيف.

 ولأن السعودية ستصبح ضمنيا طرفا ثالثا فى هذه الاتفاقيات بعد استلامها لهما فقد سارع وزير خارجيتها بالتصريح بالتزام بلاده بما التزمت به مصر.

وفارق كبير بين من لايزالون يرفضون هذه الاتفاقية لأسباب سياسية وأيديولوجية وبين الاعتراف بها كواقع وحقيقة قائمة.

سادسا : ما يتعلق بالعلاقات المصرية السعودية.

إذ على الرغم من الأبعاد السياسية المهمة لزيارة الملك سلمان لمصر، إلا أنه لم يتم التركيز سوى على جانبها الاقتصادى والاستثمارى، وهو ما فتح الباب للحديث عن الصفقات واختزال العلاقة عند هذا المستوى، بل وإعتبارها علاقة تبعية وفق ما ذهبت إليه بعض الآراء، رغم أن من ينظر الى الصورة الكلية للنظام الاقليمى لابد وأن يستنتج أنه لم يعد يعتمد على مبدأ القيادة الاقليمية الوحيدة او المنفردة، وأن توازنات القوى لم تعد تسمح بذلك، وإنما يعاد تشكيل التحالفات الاقليمية لمواجهة التحديات التى تمر بها المنطقة وفقا للمصالح والتوافق حول الملفات الاقليمية المفتوحة وهى كثيرة، من سوريا والعراق ولبنان إلى اليمن وليبيا والحرب على الارهاب خاصة تنظيم داعش فضلا عن تزايد النفوذ اليرانى وما يستتبعة من تفاقم ظاهرة الحروب بالوكالة، دون أن يعنى ذلك بالضرورة التطابق فى جميع المواقف أو وجهات النظر بين الدول المتحالفة فيما بينها.

 وهذا هو الاطار الأوسع لعلاقة مصر بالسعودية فى اللحظة الراهنة.

وبالاضافة إلى هذه الاعتبارات فإن حسابات القوة الشاملة لقدرات الدول لا تُقاس فقط بالمعيار الاقتصادى ودرجة الثراء فهناك القدرات العسكرية والموقع الاستراتيجى وحجم الدولة وتاريخها ودورها فى الحفاظ على استقرار وأمن الاقليم وغيرها، وهذه عوامل تعطى دائما ميزات نسبية لمختلف الدول بحيث تكون تكاملية فى حال تعاونها أو تحالفها مع بعضها البعض.

بإختصار، لكل من هذه الملاحظات قضية تثيرها تلقى بظلالها على أزمة الجزيرتين، ولكنها بالقطع تتعداها وربما هذا هو جوهر الموضوع.

شكرا للتعليق على الموضوع