محمد خضر يكتب : قضية الخلق بين القرآن الكريم والعلم الحديث (3)

الرسالة الثالثة تحت عنوان (نظرية الانفجار العظيم في القرآن الكريم)

قال تعالي في كتابه الكريم “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا” سورة الأنبياء, اختلف العلماء في نشأة الكون وهل أن الكون له بداية أو لا, حتى أتي علم الفلك الحديث و حسم المسألة تمامًا بنظرية الانفجار العظيم التي دلل عنها القرآن الكريم قبل 1400 سنة عرف العالم بداية الكون في علم الكون الفيزيائي الانفجار العظيم بأنه النظرية الأولى حول نشأة الكون وعرفها العالم الحديث قبل 50 عامًا, تفسر نظرية الانفجار العظيم أو الكبير الحالة الأولية التي كان عليها الكون و التطور الذي حدث للكون منذ الفلق إلى الآن، صاحب نظرية الانفجار الكبير هو العالم البلجيكي جورج لومتر.

حيث تقول تلك النظرية أن الكون كان حار شديد الكثافة فتمدد و تشير الدراسات الحديثة ان تلك اللحظة – لحظة التمدد – كانت قبل 13.8 مليار سنة و أنه عندما تمدد في المرة الأولى برد الكون في الثانية الأولى من عمر الكون درجة الحرارة تساوي 10 مليار درجة مئوية وأنتجت عددا من الجسيمات دون الذرية كالبروتونات و النيترونات و الإلكترونيات و لكن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكون المعادلات الكهربائية, نتج عن ذلك الانفجار ذرات الهليوم و الهيدروجين و قليل من الليثيوم حين إذ إلتئمت كل هذه الذرات بفعل الضغط والحرارة لتكون النجوم و المجرات من ثم تشكلت عناصر أثقل من خلال ما يعرف بالانصهار النجمي ( هو مصطلح يطلق على كافة التفاعلات التي تحدث بين النجوم).

شرحت نظرية الانفجار الكبير عددا كبيرا من الظواهر المرئية للإنسان منها الخلفية الإشعاعية للكون و البنية الضخمة للكون و فسرت تزايد المسافات بين المجرات و بعضها البعض يومًا بعد يوم فقد كانت المجرات في الماضي على مسافات قريبة من بعضها و فسرت القوانين الفيزيائية لحساب الكثافة و الحرارة في الماضي كيف كانت بالرغم من تفسير العالم لكثير من نظريات البداية إلا أن حال الكون في البداية ما زال مبهم على العلماء و غير مفهوم لا يزال في مجالات البحث.

 ان الباحثين مقتنعون اليوم تماماً أن هناك خيوط كونية تتواضع عليها المجرات، وهذه الخيوط تتباعد عن بعضها تماماً كما تتباعد خيوط النسيج, ولكن دعونا نقف لحظة عند قول الله تعالى: “أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” الأنبياء: 30.

(الرتق) في اللغة هو عكس (الفتق)، وفي معجم القاموس المحيط: فتقه أي شقَّه، وهاتين الكلمتين تُستخدمان مع النسيج، فعندما يمزق النسيج ويباعد بين خيوطه نقول (فتق الثوب)، والرتق هو العكس، أي جمع وضم هذا النسيج.

 وفي تفسير ابن كثير: ” أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا” أي كان الجميع متصلاً بعضُه ببعض، متلاصق متراكم بعضه فوق بعض في ابتداء الأمر, إذاً فهم ابن كثير من الآية أن الكون (السموات والأرض) كان عبارة عن مادة متلاصقة متقاربة من بعضها متراكمة فوق بعضها، وطبعاً هذا كان في بداية الخلق, ثم باعد الله بين السماء والأرض وفصل بينهما.

ولو تعمقنا فى اراء العلماء فى هذا الصدد سنجد انهم يتحدثون بدقة عما تحدث عنه ابن كثير, فهم يقولون إن الكون في بداية أمره كان عبارة عن مادة على شكل نسيج متقارب ومتراكم بعضه فوق بعض، ثم بدأت خيوط هذا النسيج تتباعد خلال بلايين السنين, والعجيب أنهم صوَّروا هذه العملية (أي عملية الفتق وتباعد خيوط النسيج) باستخدام السوبر كمبيوتر، ووصلوا إلى نتيجة شبه يقينية أن خيوط النسيج الكوني تتباعد عن بعضها باستمرار تماماً كما تتباعد خيوط القماش نتيجة تمزقه.

التفسير الحديث للآية, القرآن نزل قبل 1400 سنة ولا زال المسلمون يحاولون فهمه وتدبره واستخراج عجائبه، والقرآن مليء بالآيات الكونية، وهذه الآيات لا يجوز لنا أن نهملها بحجة أنه لا يجوز تفسيرها بالنظريات العلمية، لأن المؤمن مطلوب منه أن يتدبر القرآن باستمرار، وعندما يصل لآية كونية لا يجوز له أن يتجاوزها بل يتفكر فيها لأنها جزء من القرآن, فقد فسر علماؤنا في العصر الحديث هذه الآية على أنها تتحدث عن نظرية ” الانفجار العظيم ” , وملخصها أن الكون كان كتلة صغيرة ثم انفجر وتباعدت أجزاؤها ثم تشكلت الذرات ومنها تشكلت النجوم والمجرات والشمس والقمر والأرض كما هو الوضع عليه اليوم.

 نظرية الانفجار العظيم  صحيحة من حيث المبدأ أي أن الكون كان كتلة واحدة ثم انفصلت أجزاؤها مشكلة المجرات والنجوم والكواكب، وهى فى مضمونها تثبت ان للكون خالق ومدبر ومنظم وقادر لان الانفجار لا يُنتج النظام الدقيق الذي نراه في الكون، بل الانفجار ينتج الفوضى والدمار, وايضا هذه النظرية لا تقول لنا من أين جاءت الكتلة الأولية؟ مَن الذي أحدث الانفجار؟ وكيف يمكن لانفجار عشوائي أن يخلق كوناً منظماً بهذه الدقة الفائقة؟, وهذا يعيدنا الى حقيقة وجود خالق قادر ومنظم وموجد, الله عز وجل هو الذى اوجد الكتلة وهو الذى امرها بالانفجار وهو الذى وضع القوانين الدقيقة للغاية والتى تحكم الكون وتحافظ عليه من الانهيار الى ان يشاء الله عز وجل ذلك.

وبعد الحديث عن نظرية الانفجار العظيم ننتقل الى النظرية التي تشرح بدقة شديدة وتؤكد بقوة نظرية الانفجار العظيم, لأنه بعدما تطور العلم وبدأ العلماء يتحدثون عن الخيوط العظمى، وأن هذه الخيوط من المادة كانت متماسكة وقريبة من بعضها في بداية نشوء الكون، ثم بدأت تتباعد وفق نظام محكم يعتبره العلماء من أعظم الظواهر الكونية، هذه النظرية الجديدة والتي هي أقرب للحقيقة اليقينية، لأنها مشاهدة، فالمجرات تم رصدها في الكون ووضعها على شبكة ثلاثية الأبعاد على الكمبيوتر العملاق، وطُلب منه أن يضع كل مجرة في مكانها فكانت المفاجأة للعلماء أنهم رأوا خيوطاً من المجرات تتشابك وتتباعد عن بعضها عبر بلايين السنين, ولذلك نستطيع أن نقول إن وجود هذه الخيوط الكونية المتقاربة في بداية الخلق هو الرتق الذي حدثنا عنه القرآن، وتباعد هذه الخيوط بنظام محكم هو الفتق، وهكذا يتحقق معنى الآية لغوياً وتفسيرياً.

ولكن كيف فهم ابن عباس هذه الآية الكريمة؟ يقول ابن عباس رضي الله عنه فى هذه الاية الكريمة فيما معناه: كانت السماء رتقاً لا تمطر، وكانت الأرض رتقاً لا تُنبت، ففتق الله السماء بالمطر، وفتق الله الأرض بالنبات وبالفعل ثبُت علمياً أن الأرض كانت في بداية خلقها ملتهبة لا تنبت، والغلاف الجوي لم يكن قد تشكل أي لا توجد أمطار، ثم تشكل الغلاف الجوي للأرض وتشكلت الغيوم وبدأت السماء تمطر، وبدأت الأرض تنبت بعد أن تبردت وتشكلت الجبال والأنهار والبحار, هذه عظمة القرآن أن كل إنسان يستطيع أن يفهمه حسب ثقافة عصره، ولا نجد أي تناقض في فهم كتاب الله تعالى وهذا ما حدثنا عنه القرآن بل أمرنا بالتدبر من أجله، يقول تعالى: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا” الاية 82 من سورة النساء.

هل هناك تناقض في القرآن؟ وهنا أود أن أتوقف معكم لأقول انه لا مشكلة إذا أخطأ مفسر في تفسير آية، لأن القرآن هو الحقيقة المطلقة التي لا تتغير، أما التفسير فهو يمثل فهم البشر للآية, وبما أن الناس يختلفون في مستوى فهمهم وبما أن العلم يتطور فلابد أن يكون هناك تطور في التفسير، وهذا لا يسيء للقرآن، بل يؤكد على أن هذا القرآن مناسب لكل عصر من العصور، لأنه لا يوجد كتاب على وجه الأرض غير القرآن الكريم يمكن تفسيره بشكل منطقي وبما يتفق مع العلم مهما تطور العلم, وفي هذا رد على من ينكر الإعجاز العلمي بحجة حرصه على القرآن، فالأخطاء التي تصدر من البشر تبقى للبشر، ويبقى القرآن منزهاً عن الخطأ, والمؤمن إذا اجتهد فأخطأ فله أجر بشرط أن يكون مخلصاً, وإذا اجتهد فأصاب فله أجران, وهذا يثبت أنه لا تناقض في القرآن ولا اختلاف، بل تعدد في التفاسير وتعدد في فهم النص القرآني، لأن القرآن نزل للبشر كافة.

وأقول بصفتي باحث في هذا العلم إن من يكتب في الإعجاز العلمي لا يجزم بأن تفسيره العلمي للآية هو الصواب المطلق، وحسب اعتقادي أن معظم كتاب الإعجاز العلمي يعرفون ذلك، ويدركون أن أبحاثهم هي اجتهادات وليست قرآناً.

القرآن مطلق وثابت ولكن التفسير يتغير حسب تطور العلم وهذا لا يسيء للقرآن أبداً، إلا أولئك الذين في قلوبهم زيغ ومرض فنجدهم يتتبعون أخطاء الباحثين بهدف التشكيك في كتاب الله تعالى، ولكن من عظمة القرآن أنه حدثنا عن أمثال هؤلاء قبل أربعة عشر قرناً.

 تأملوا معي هذا النص القرآني العظيم: “هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ” الاية 7 من سورة ال عمران, وقد يقول قائل: لماذا أنزل الله الآيات المتشابهات؟ هل ليضلنا عن الحق؟ أليس هذا ظلم للناس؟ إذاً لماذا يعذبهم؟ وأجيب بسؤال: هل تعرفون أحدث طريقة للامتحانات في الجامعات الأمريكية؟ إنها طريقة الإجابات المضللة, حيث يطرحون على الطالب سؤالاً ويضعون له أربع إجابات مضللة أي خاطئة وإجابة واحدة صحيحة، وعليه أن يختار، وهنا يظهر الطالب المجد من الطالب الكسول.

ولا أتوقع أن أحداً يقول إن الأساتذة فى الجامعة الامريكية يضلون الطلاب مع العلم ان الأساتذة يحاولون وضع الإجابات المضللة قدر الإمكان، لذلك يضعون عدة إجابات مضللة, ولكن الله تعالى وضع لنا طريقاً شديد الوضوح، ووفر علينا العناء والتفكير فأنزل هذا القرآن، وأمرنا أن نطبق ما فيه، فهل هذا إضلال أم هداية؟.

إن وجود وسائل الضلال مثل الشيطان والشر والشهوات هي أمور لابد منها، ليختبر الله صدق إيماننا به ومدى طاعتنا له, فالملحدون والمشككون ماذا يفعلون: (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) أما المؤمنون يقولون: (يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا). ولذلك ماذا قال تعالى بعد ذلك؟ لقد علمنا دعاء عظيماً ينبغي أن نكرره، فالله تعالى هنا كأنما يعطيك الإجابة الصحيحة ويلقنك ما ينبغي عليك قوله وفعله، ولذلك علمنا هذا الدعاء: ” رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ  ” رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ” الاية 8,9 من سورة آل عمران.

بعد أن بين لنا الله طريق الهدى وسخر لنا أسباب الهداية، علَّمنا كل شيء من خلال الكتاب والسنة، ووضح لنا طريق الشر ونهانا عن الفواحش وعن الضلال وحذرنا من الشيطان وأساليبه في الإغواء وأراد لنا الخير، فهل نسمي هذا إضلالاً أم نسميه هداية؟ تخيلوا معي لو أن طالباً في قاعة امتحان، جاءه الأستاذ وأعطاه الجواب الصحيح، وأصر الطالب على وضع الإجابة الخاطئة، فرسب في الامتحان، فماذا نسمي ذلك؟ ومن هنا الذي ظلم نفسه؟ هل نقول إن الأستاذ ظلم الطالب أم أن الطالب ظلم نفسه؟ هذا هو الله تعالى – ولله المثل الاعلى – يريد لنا الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فيا ربنا لا تؤاخذنا بظلم هؤلاء لأنفسهم، واجعلنا من عبادك الطائعين الفائزين في الدنيا والآخرة: ” رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ” الاية 53 من سورة ال عمران.

تابعونا : الرسالة الرابعة

شكرا للتعليق على الموضوع