لماذا نريد معالجة الشيخوخة ؟

تقارير – التلغراف : مع تطوّر وسائل التكنولوجيا الحديثة وتطور العلوم المختلفة ، زادت فترة حياة الإنسان العادي بشكلٍ كبير. فلننظر إلى اليابان مثلاً، نجد أنّ معدل عمر الإنسان فيها حوالي 83.7 عاماً، تليها سويسرا عالمياً بمتوسط عمر يصل ل 83.4 عاماً، وتحلّ دولة الإمارات في المرتبة 43 بمتوسط عمر يصل إلى 77.1 سنة.  بينما في الدول الإفريقية والدول التي تطحنها الحروب وتعاني من اقتصاد ضعيف، يكون فيها متوسط العمر أقل بكثير ليصل إلى 50 عاماً فحسب.

في الولايات المتحدة، كان متوسط العمر المتوقع للرجل 46 عاماً في 1907، في 2015 يصل هذا المتوسط إلى 79 سنة، لكن كيف ارتفع هذا الرقم إلى ما يُقارب الضعف خلال 100 عام؟ لقد استطاعت البشرية خلال هذه الفترة مواجهة كثير من أسباب الوفيات، كأمراض القلب والحميات الخطيرة، وليس ببعيد ذكرى القاتل الفتّاك: فيروس الحمى الإسبانيّة، الذي قتل حوالي 50 مليون شخص في أنحاء العالم في سنةٍ واحدة!

ولم يزدد فقط خلال هذه الأعوام المائة عمر الإنسان، بل ارتفع معه أيضاً معدل ذكاء الفرد، فقد أظهرت دراسة  في 2015 أنّ هناك ارتباطاً بين مستوى الذكاء ومأمول الحياة المتوقع. لم تكن العلاقة سببية ، أيّ أنّه ليس بالضرورة أن يؤدي عيش حياة أطول لمستوى ذكاء أعلى أو العكس. لكن أكدت الدراسة على الارتباط بين المتغيرين ، وفعلاً من وجهة نظرٍ اقتصاديّة اجتماعية يمكننا أن نرى التأثير المتبادل بينهما، حيث أنّ امتلاك الفرد لمستوى ذكاء أعلى يمكنه من الإقدام على خياراتٍ صحيّة فيما يتعلق في أسلوب حياته وبالتالي زيادة احتمال عيشه لمدة أطول، وحسب الدراسة نفسها، فإنّ العوامل الجينية هي التي ساهمت بشكلٍ كبير في زيادة الترابط بين الاثنين : مستوى الذكاء ومأمول الحياة المتوقع.

إذاً في مائة عام ، ازداد الذكاء، وازداد العمر، وبالتأكيد حصل شيء غير مفاجئ فعلاً، فقد ازدادت نسبة ما يُسمى “أمراض الشيخوخة”، وقفزت نسب الأمراض القلبيّة وأمراض الزهايمر وباركنسون وداء السكري من النمط الثاني بشكلٍ خاص. وبدأ الأطباء مجهودهم بمحاولة علاج هذه الأمراض والعلل المختلفة، التي كان مصدرها الأساسي الشيخوخة، لكن لماذا إذاً لا نعالج “الشيخوخة” ذاتها؟

النقاش الأخلاقي لزيادة مأمول الحياة المتوقع ومحاربة الشيخوخة

في ورقةٍ بحثيّةٍ أخرى ، يناقش توم ماكي حججاً بجانب وضد الأدوية والطب المضاد للشيخوخة، فمن تلك الحجج التي تقف ضد محاربة الشيخوخة هي القول بأنّ معالجة الشيخوخة تُعتبر “تغييراً” لما هو طبيعي، وأنّها ستؤدي للزيادة السكانيّة بشكلٍ كبير، ومن الحجج التي تقف في صف هذه الأدوية هي التخلص من أمراض الشيخوخة، زيادة جودة الحياة بأن يبقى الشخص أكثر حيويةً ونشاطاً وصحة، كلّ ذلك إلى جانب الخبرة والحكمة المكتسبة من العيش لفترة أطول.

لكن ما هي الشيخوخة ؟

تُعرّف الشيخوخة بأنّها خسارة في النشاط وزيادة احتمال المعاناة والمرض والموت، وهي مرحلة يمكن اعتبارها “طبيعيّة” في مراحل عمر الإنسان بعد النضج، لكن هل يمكننا اعتبارها حالةً مرضيّة أو مرضاً طبياً؟ يختلف الخبراء هنا كثيراً، وهناك فرع طبي خاص بـ”أمراض الشيخوخة” يُعنى بالحالات المرضيّة التي تزداد فعلياً وتحدث بكثرة عندما يصل المرء لتلك المرحلة العمريّة المعيّنة. لكن لماذا تتضمن الشيخوخة هذه الأمراض؟

بتقدم العمر، تزداد التغييرات البنيويّة والجينيّة في الخلايا الجسمانية، ويقلّ معها عمر الخليّة الواحدة وتزداد قابليتها للإصابة بالأمراض المختلفة. فالشيخوخةٍ إذاً من حيث المبدأ مشابهة للسمنة المرضية، ألم الظهر وحتى الصداع، كلها تُعتبر مشاكل طبية تؤدي لإعاقة حياة الفرد اليومية بشكلٍ أو بآخر.

قد يقول البعض أنّ دعم الأدوية المضادة للشيخوخة هو حرب ضد الطبيعة البشرية والكونيّة حتى، لكن تجلب هذه الحجة المزيد من الأسئلة بدلاً من الإجابة على السؤال البدئي.

إذا قبلنا بهذه الحجة فنحن نقبل بأنّ مجرد محاولتنا لعلاج أي مرضٍ آخر مشابه في الطبيعة للشيخوخة هي تحدٍ للطبيعة والثوابت الكونيّة، تخيّل معي عالماً لا نستطيع فيه علاج السرطان أو حتى تقليل معاناة أولئك الذين يعيشون مع الأمراض المزمنة، عالم مليء بالمعاناة والألم والحزن، ولا أعتقد فعلاً أن أحداً يريد مثل هذا العالم.

بل إن الإنسان بالبحث والرغبة في تحدي المشاكل التي تواجهه استطاع أن يتعاون مع الطبيعة حوله واستطاع أن يسخر هذه الطبيعة وقوانينها لخدمته، فنحن استطعنا التغلب على مشاكل الطاقة وحصلنا على الكهرباء، ولم يعد اليوم ينتهي بمجرد اختفاء الشمس، تخيّل حياة أولئك الذين يعيشون في الدول الإسكندنافيّة دون أي ضوء لمدة ستة أشهر!

لقد طوّرنا المضادات الحيويّة لحمايتنا من الجراثيم والميكروبات المختلفة، وطورنا اللقاحات كي لا نصاب بالأمراض، ودخلنا في حروب حقيقية ضد الإنفلونزا التي تسببت في موت ملايين الأشخاص في الماضي، بل وقضينا على عدة أمراض قاتلة ومعيقة للحياة كشلل الأطفال والجدري.

ونحن في هذا العصر المتطور ما زلنا نحاول حماية البشر من أمراض مثل السرطان وأمراض القلب والسكتات الدماغية، والأمراض التنكسية العصبيّة والزهايمر وباركنسون والكثير! كل تلك الأمراض تحدث بنسبةٍ أكبر وتحمل خطورةً أكبر عند كبار السن، فبمحاولتنا عكس آثار الشيخوخة ومنعها من الحصول ربما نكتشف علاجاتٍ لأمراض مختلفة، وبسبب هذه الجهود حصلنا على اختبارات تسمح لنا بتشخيص الزهايمر في مراحله المبكرة، وباستخدام الطب التجديدي استطعنا استخدام الخلايا الجذعية في محاولتنا لتأخير حدوث الزهايمر وباركنسون.

وهاهي الآن، إحدى أهم الشركات في العالم، جوجل سابقاً وألفابيت حالياً، خصصت جزءاً منها والمسمى “كاليكو” لمحاولة فهم عملية الشيخوخة بشكلٍ أفضل، ومساعدة البشر في عيش حياةٍ أطول وأكثر صحة، وبعكس موظفي ألفابيت الآخرين فإنّ موظفيّ كاليكو من الأطباء وعلماء الجينات والبيولوجيا الجزيئيّة، المهمتميّن بالشيخوخة وعكس آثارها والأمراض الخطيرة التي تأتي معها.

قام ” مرصد المستقبل ” بنشرالكثير من المقالات والأبحاث عن الشيخوخة والأدوية التي تعمل لتأخير آثارها والحماية من أمراضها، لكن كما يقول الكثيرون، التجربة خير برهان، فقد قامت شركة جينورث بتصميم بذلةٍ إلكترونيّة تستطيع بارتدائها مع جهاز الرأس المخصص محاكاة تأثير العمر على الجسد، من إضعاف للحركة والمفاصل، وإجهاد للعين واعتام العدسة.

لماذا قامت الشركة بذلك؟ لتحفيز الأشخاص والعوائل على التخطيط للرعاية الصحيّة طويلة الأمد والتفكير بأنفسهم في المستقبل، وربما لدعم المحاولات العلميّة والأبحاث في مجالي طب الشيخوخة والطب التجديدي أيضاً، كي نصل إلى يوم يستطيع فيه رجل عمره 90 عاماً المشاركة في سباق ركض!

شكرا للتعليق على الموضوع