شوقي العيسه يكتب : من الماضي ( 3 )

في اواسط السبعينيات اشتد التنافس بين التنظيمات في المخيم، واصبح كل تنظيم يكرس جهدا كبيرا  وخططا  لاستقطاب اعضاء جدد ، وخاصة الشعبية والشيوعيون، كان السباق بينهما على اشده ، كل ذلك رغم ان الصبغة العامة للانضمام للتنظيمات كانت بالتوريث، (كلكم على دين ابيه) ، فاذا كان الاب او الاخ الاكبر في تنظيم معين ، تجد كل الاخوة والاقارب ينضمون الى ذلك التنظيم ، في الاغلبية الساحقة من الحالات ، لذلك كان التنافس بالاساس على الافراد الذين اهاليهم غير منظمين ، وكان ان تركز على الشخص الاكثر ذكاءا او مالا او نشاطا في الاسرة وصاحب شخصية قوية، واذا نجحت في استقطابه فانك تكسب العائلة كلها ، بالجملة ، ولكن كان هناك بعض الحالات التي تشذ عن القاعدة، كأن يظهر بين الاخوة واحدا يريد ان يتيمز عن الاخرين فيختار تنظيما غير تنظيم الاسرة او العائلة ، واذا كان ذكيا وشخصيته قوية يبدأ التنافس داخل الاسرة ، ولذلك اصبحت تجد في الاسرة الواحدة ، مع مرور الوقت ، اشخاصا ينتمون لتنظيمات مختلفة ، الا ان الصورة العامة بقيت تحافظ على نفسها ، في ذلك الوقت مثلا ، كان الشخص الذي اعتبر قائدا للشعبية وتبعه اخوته واقاربه ، له اخ اصبح قائدا في فتح ، وكذلك فان احد قادة فتح وكان الاكثر تميزا وذكاء بينهم نصف اخوته انضموا للشعبية ، وفي عائلتنا في النصف الثاني من السبعينات ترك احد ابناء العمومة وكان ناشطا بارزا مع الشيوعيين تركهم وانضم للشعبية وتبعه كل اخوته ، وانضمت احدى صبايا العائلة للديموقراطية رغم ان الجبهة الديموقراطية كانت الاضعف بين التنظيمات الاربعة في المخيم ، وفي مرحلة لاحقة انضمت اسرة من العائلة بذكورها واناثها الى فتح واصبحت الكبرى بينهن قائدة في فتح ، الا ان الصبغة العامة للعائلة بقيت شيوعية . وكان في المخيم وجود لتنظيمات اخرى مثل جبهة النضال وان بشكل محدود، ولوحظ كذلك ان كثيرا من ابناء الاقليات ، اي العائلات قليلة العدد او ان عدد اللاجئين من بلدهم الاصلي في المخيم قليلا ، اصبحوا يبحثون عن تنظيم قوي يضمهم وينشطون من خلاله مما يقوي وضعهم ومكانتهم ويشكل حماية وعزوة لهم في المخيم . وكان ملاحظا في ذلك الوقت ان كثيرا من نشطاء التنظيمات المختلفة البارزين كانوا في وقت ما في الستينات وبداية السبعينيات مع الشيوعيين ثم انتقلوا الى تنظيماتهم ، وكأن الحزب شكل معبرا او (كوريدورا) يمر منه النشطاء مما يعني ان خللا ما كان في الحزب واساليب عمله وقيادته. التنافس الاشد في النصف الثاني من عقد السبيعنات وخاصة بين الشعبية والشيوعيين كان على الفوز في انتخابات مركز الشباب (النادي) . في كل الاحوال كان المخيم يعيش مدا ثوريا غير مسبوق وكان الاحتكاك مع جنود الاحتلال والمستوطنين بشكل يومي ، وساعد على ذلك موقع المخيم ، حيث الشارع الذي يمر امام المخيم كان الوحيد الذي يربط بين القدس والخليل او لنقل بين وسط وشمال الضفة وجنوبها ، وكانت مدرستي وكالة الغوث تقعان على الشارع مباشرة ، وكان طلاب المرحلة الاعدادية يشاهدون ما يجري من احتكاكات ورجم حجارة وموليتوف على الجيش باستمرار ، واصبح هؤلاء الطلاب يشاركون وكل منهم يبحث عن تنظيم ينشط من خلاله ، ومن اطرف قصص تلك الفترة ، قصة اختياراحد اصدقائي الحاليين لتنظيمه ، اثناء المرحلة الاعدادية في السبعينيات، يقول كنت من جيل ابن عمك الصغير اخر العنقود ، وكان ابن عمي وقتها يعتبر نفسه شيوعيا بحكم الوراثة ، رغم انه لم يكن يعرف عن الشيوعية وقتها سوى بعض العناوين والشعارات العامة ، يقول صديقي بدأت اتقرب منه واصادقه ، وفي احد الايام دعاني للغداء في بيته مع شخصين اخرين ، وكان الغداء كثيرا من الخبز مع علبة لبن شمينت وعلبة سردين (هذا قبل ان تنتشر اشاعة قوية في المخيم بان اكل اللبن والسردين معا يسمم الشخص وصدقناها مع اننا كنا نأكلهما كثيرا ولم نتسمم ) ، يقول : فقلت باسم الله الرحمن الرحيم ووضعت اللقمة في فمي ، فصرخ بي ابن عمك الله لا يعطيه عافية ، يجب ان تقول باسم الفلاح الذي حرث الارض وباسم الفلاح الذي زرع وباسم الفلاح الذي حصد وباسم الذي طحن والذي خبز والعامل الذي صنع الخ……، فوقفت اللقمة في زوري ، وفكرت اذا تليت كل هذه المقطوعة يكونوا قد قضوا على السردين والشمينت ، وسابقى جائعا دائما ، لان كل الموائد عليها كثير من الافواه وقليل من الطعام ، فقررت ان لا اصبح شيوعيا ، وبدأت ابحث عن تنظيم اخر، وكنت احب الدبكة واطمح ان اصبح (لويحا ) اي قائدا لفرقة دبكة ، وكان لدى الشعبية فرقة دبكة مميزة فذهبت اليهم ، ولكني لم اعجب المدرب وكرهني ولم يعد هناك املا ان اصبح لويح الفرقة او حتى دبيكا عاديا فيها فتركتهم ، وذهبت الى فتح ، وفتح صدرها واسع يتسع لاي كان ، يقول كنت انا ومن معي في المجموعة متعجلين ونريد القيام بعمل مسلح ، الا ان فتح كانت تعتبر اننا ما نزال صغارا ومن المبكر القيام بذلك ، فقمت انا ومن معي بمراقبة احد قادة فتح وعرفنا اين يخبئ البندقية وسرقناها واطلقنا النار على سيارة اسرائيلية ، وقبض علينا وقضيت خمس سنوات في السجن .

اما انا عندما كان عمري اربعة عشر عاما فقد ارتكبت اخطر حماقة في حياتي والتي كادت تودي بحياة ابن خالي الذي يصغرني بعدة سنوات ، وتلك قصة اخرى .

وللحديث بقية ……….

تابعونا كل جمعة ( الجزء الرابع )

اقرأ للكاتب سلسلة مقالات من الماضى :

من الماضي ( 1 )

من الماضي ( 2 )

شكرا للتعليق على الموضوع