محمد النقلى يكتب: إصطباحه ” إفراطاً وتفريطاً و .. تطرفاً “

” إستأثر عثمان فأساء الأثرة .. وجزعتم فأسأتم الجزع “ .. هكذا وصف “علي بن أبي طالب” الفتنة الكبرى والتي حدثت في عهد “عثمان بن عفان” .. رضى الله عنهما وأرضاهما .. تلك الفتنة التي مازال يعاني منها , ليس العالم الإسلامي فحسب , بل العالم أجمع ..

( تلك المقدمه مقتبسه من إحدى مقالات المفكر السياسي د. مصطفى حجازى)

      قالها “علىٌّ” واصفاً إستئثار “عثمان” بالسلطه .. وهو مارآه أثرة وإستبداداً .. وقالها واصفاً رفض الناس سلوك “عثمان” وإنتفاضهم وجزعهم ضدهُ .. وضد ما إعتبروه ظلماً .. فكان الناس مابين مُفرِّط .. ومُفَرِّط .. كلاهما أساء .. من فرطوا حتى أفسدوا حكم عثمان .. ومن أفرطوا حتى قتلوه .

      ما من وصف يستقيم في تاريخ العرب والمسلمين .. وحتى يومنا هذا .. من ذلك الوصف والذي أوجزه ” علىٌّ ” بتلك المقوله , فعلى مر تاريخنا كعرب ومسلمين .. إلا قليلا .. كنا ومازلنا .. وسنظل مابين ” مستأثر يُسئ الأثرة ” .. وبين ” جازعٍ يُسئ الجزع ” .. إفراطاً أو تفريطا .ً

     يقول الله جل علاه في مُحكم آياته ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً .. “ (البقرة141) .. و إذا اتفقنا على إن كل مايشرعهُ الله يدخل في باب النعم على البشريه .. فكأن الله عز و جل في هذه الآية يريد أن ننتبه إلى انه أنعم علينا بأنه جعلنا أُمَّةً وسطا بين الأمم .. ومادام هناك ” وسطاً ” فلابد أن يكون هناك أطرافاً ليتحدد ذلك الوسط .. فذلك طرف .. ثم وسط .. ثم الطرف الآخر, وبذلك نعرف أن وسط الشئ هو منتصفه والذي يقع مابين الطرفين .. ولكن .. مامعنى ” أُمَّةً وَسَطاً ” ؟ تعني .. وسط في الإيمان والعقيده .. فهناك من أنكروا وجود إله .. وهناك من أسرفوا فعددوا الألهه .. وكلاهما مخطئ , أما من أقر بوجود ووحدانية الله فهو الذي يقف وسطاً بين هذا وذاك .

وإذا كان الأمر كذلك .. أى إذا كنا متفقين على إن الله قد أنعم على كل من يقف ” وسطاً ” .. فما بالكم بمن ليس “وسطاً” ويقف على الأطراف ؟! وللتقريب .. نقول .. هل الشيوعيه والتي تقف يساراً , قد إرتقت بشعوبها ؟ أبداً .. فقد بنت ما إدعته من إرتقاءات على الكذب والزيف .. ثم تراجعت إلى أن إنهارت تماماً .. وعلى الطرف الآخر .. الرأسماليه والتي تقف يميناً في طريقها هى الأخرى للإنهيار .. لماذا ؟ لأن كل منهما يقف بعيداً تماماً عن الوسط .

     أتفهم تماماً ذلك الصراع المستمر و الدائم بين ” الأطراف ” .. يميناً كان أو يساراً .. حيث لكلٍ أيدلوجيته المختلفه عن الآخر والمتناقضه معه .. بل سأذهب إلى أكثر من ذلك وأدعي بأني أتفهم .. إعتقاد كل طرف بأنه لن تستقيم أموره إلا بإضعاف الطرف الآخر أو إنهياره .. ولكن .. أن يكون هناك صراعاً وتناحراً وإقتتالاً بين أبناء “الأمه الوسط ” .. ذلك مالم أستطع فهمه أو تفهمه .. كيف لمن يعبدون نفس الإله , ويؤمنون بنفس النبى , ويقرأون نفس الكتاب , ويطوفون حول نفس الكعبه , ويقيمون نفس الصلاة , ويؤتون الزكاة … الخ , أن يتقاتلوا ويتناحروا فيما بينهم .. كيف ؟؟!!!

لم أجد إجابه لهذا التساؤل سوى .. أبداً .. لم نكن يوماً ” أُمَّةً وَسَطاً “ .. ولنشرح ذلك ..

     بدايةً .. في عصر ماقبل الإسلام ” العصر الجاهلي ” لم تكن هناك حروب تُذكر قامت على أساس ديني .. كانت غالبية الحروب في الجزيره العربيه تنشُب على .. إما الإختلاف على الماء والمرعى لجفاف الصحراء وقلة الموارد .. أو تشتعل الحرب على أساس السلب والإغاره لأن ثقافة الغزاه قامت على أساس أن أرزاقهم في رماحهم .. أو تثور حرب بين خصمين طمعاً في الشهره والسياده .. وقد تقوم حروب لإسباب أخرى .. كإجارة المستجير أو حماية الجار أو الدفاع عن العرض ..أو الأخذ بالثأر … و هكذا , كان المجتمع ” الجاهلي ” يحترم حقوق الآخرين في عقيدتهم وإنتماءاتهم الدينيه والفكريه ، وكانت لكل قبيله رمزها في صنمها التي تعبده , حيث تروي كتب التاريخ إن عدد الأصنام في مكه بلغ حوالي 365 صنماً , وكانت القبائل العربيه تضعها حول الكعبه, وخصوصاً في مواسم التجاره ، ولم يخبرنا التاريخ إن هناك مصادمات أو خصومات قد وقعت بسبب التباين الديني .. أو بسبب كثرة وتنوع الأصنام أو الإنتماءات الفكريه .. بإيجاز .. لم نستدل على حدوث حروب ذات طابع ديني هدفها الأساسي إخضاع الآخر لمعتقد معين .

هكذا كان الحال في المجتمع ” الجاهلي ” .. أما مجتمعات مابعد نزول الإسلام وظهور ما سمى بالمذاهب الإسلاميه .. فحدث ولا حرج .. فلم يكن الإختلاف بين تلك المذاهب ( وبرغم إعترافنا بما قدمه لنا أصحاب تلك المذاهب من إنجازات فى الفقه والشريعه وعلوم القرآن والحديث والتفسير والإفتاء .. ألخ ) .. مجرد إختلاف فكري .. ولكن ما أنتجه ذلك الإختلاف من خلاف أدى إلى صراعات دمويه .. فتشكيك كل مذهب في المذاهب الأخرى وصل في بعض الأحيان إالى حد الإخراج من المله , وهذا ترتب عليه إنتاج حتمي للعداوه والفرقه بين أبناء ” الأمه الوسط ” وجعل بأسهم فيما بينهم ، ومازلنا نعاني من ذلك الأمر حتى يومنا هذا .. والأمثله على ذلك كثيره .. مع الأخذ في الإعتبار إننا لانهدف إلى إتهام طرف على حساب أطراف أخرى .. فكل الأطراف ساهمت في صناعة المأساة ..

– علماء الشافعية يحرمون زواج الشافعي من حنفية إلا بالقياس على الكتابية (جمعٌ من الفقهاء قال بكراهة الزواج من الكتابية وقسم آخر حرمها) ، أما الأحناف فيحرمون الصلاة خلف الشافعية .

– في سنة (469هجري) بعد الإقتتال العنيف بين الحنابلة والشافعية حاول نظام الملك حل المشكلة ، فقال رئيس الشافعية ( فأما هؤلاء فيزعمون إننا كفار ، ونحن نزعم ان من لايعتقد مانعتقده كان كافراً ، فأي صلح يكون بيننا ؟ )

– عندما سُئل الإمام أحمد عن الإمام مالك قال (حديث صحيح , ورأي ضعيف) أي إن رأيه لايؤخذ به .

– عن الإمام مالك ( إن أبا حنيفة كادَ الدين , ومن كاد الدين فليس له دين ) .

     هذا غيضٌ من فيض .. إذا كان هذا هو موروث الأمه الفقهي والثقافي .. فكيف نكون أُمّةً وَسَطاً ؟ ونتساءل .. أين ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله “ , وأين ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا ” , وأين ” ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم “ .. وأين .. وأين ؟؟

لا إجابه .. سوى .. لم نكن أبداً .. أُمّةً وَسَطاً .. ومن هذا الموروث تشكل وجداننا ، وتأسست ثقافتنا وبُنيت أفكارنا .. على أساس واحد فقط .. رفض الآخر .. وياليتَهُ توقف عند مجرد رفضه فقط ، ولكن .. إمتد إالى قتله أيضاً !!

ألست معي إننا .. ” إذا إستاثرنا .. نسئ الأثرة , وإذا جزعنا .. نسئ الجزع “

ألست معي إن هذا ليس إلا .. إفراطاً .. وتفريطاً .. وتطرفاً ؟؟

” إستقيموا يرحمكم الله “

بقلم : محمد علي النقلي

Elnokaly61@gmail.com

اقرأ للكاتب : 

إصطباحه “1977”

( هل ” الأحرار ” كانوا .. أحراراً ؟ )

شكرا للتعليق على الموضوع