محمد النقلى يكتب :إصطباحه ( هل ” الأحرار ” كانوا .. أحراراً ؟ ) الحصاد ( 6 – الاخيرة )

 أشرنا فيما أشرنا إليه ..  إلى إن ” القراءةُ في التاريخ ” .. تختلف تماماً عن ” قراءة التاريخ ” .. وأوضحنا .. إن الوصول لأبعد نقطه في إستشرافنا للمستقبل .. لن تكون إلا بقدر تبصُرنا في التاريخ .. وفي سبيلنا لذلك .. لسنا بصدد إصدار أحكام تاريخيه لتجريم أو تمجيد أشخاص أو مؤسسات ، وإنما نحاول هنا عرض وتحليل أحداثاً .. سجلها التاريخ .. وأدت إلى ما أدت اليه ، ونحياه اليوم ، وسنحياه غداً .. إذا لم نستخلص دروس ذلك التاريخ ، و.. نعيها .

 لن نخوض كثيراً فيما حدث بعد 1956 .. تلك السنه التي خرج منها “الأحرار” مزهوين بنصرٍ لم يتحقق .. ولكن .. لنعلم إلى أى مدى ذهب ” الأحرار” بمصر .. نسرد في عُجاله أحداثاً وقعت .. ووقف أمامها التاريخ عجباً .. من وحدةٍ لم يتوفر لها أى مقومات مع سوريا عام 1958 ، بل على حد وصف السيد/ حسين الشافعي .. ” أُستدرجت مصر لتلك الوحده “ ، وكان قرار الوحده “عاطفياً “.. وكان عبدالناصر ” متردداً “ لإقصى حد (الحلقه7 بتاريخ 6/11/1999 من برنامج شاهد على العصر) ، لتكون النتيجه الطبيعيه هى .. الإنفصال عام 1961 ، ليبدأ صراعاً على السلطه بين “الحُر”.. عبدالحكيم عامر .. و” الحُر ” جمال عبدالناصر ، وتستدرج مصر مرةً أخرى إلى حربٍ ليس لها ناقةً فيها ولاجمل ..اللهم إلا ..  إستعراض القوه ، وتأكيد زعامة ” عبدالناصر ” في المنطقه العربيه .. ومحاولة إستعادة ما فقده من “هيبه ” ضاعت بالإنفصال عن سوريا .. تلك الحرب التي أُطلق عليها ” فيتنام مصر ” أو ” المستنقع “.. إنها “حرب اليمن”.. لينتهي الأمر إلى .. كارثه .. إلى .. الإنكسار في 1967 ، لن نتحدث كثيراًعن تلك “الهزيمه العسكريه”.. فالكل يعلم تفاصيلها .. فما هى إلا  سيناريو متكرر من “الخطايا” العسكريه التي حدثت في 1956 .. تلك الهزيمه التي إخترع الأحرار لها تسميةً أخرى .. فأطلقوا عليها ” نكسه ” – وما أكثر نكسات “الحركه المباركه”.. مُنذ اليوم الأول –

  ولكن .. لنأتي إلى “الحصاد ” النهائي لحركة ” الأحرار ” لنتعرف على “الإرث” الذي خلفتهُ تلك الفتره 1952-1970 :

سياسياً .. المناخ العام في فترة ما قبل  يوليو 1952 ، وكذلك النظام السياسي كان ديمقراطيا رغم وجود إحتلال أجنبي ، بسبب وجود تعددية حزبية حقيقية وتداول للسلطة فتجد رئيس الحكومة هو المعني بالدولة رغم وجود ملك يتولي شئون البلاد ..  ” ملك مصر والسودان ” أما بعد 1952  تم القضاء على جميع الأحزاب التي كانت موجوده على الساحه السياسيه ، ومن ثم .. إنتهاء التعدديه ، وكذا الحكم المدني تماماً ، وبغير رجعه.. وإلى وقتنا هذا ، وتم إختزال الدوله .. والشعب .. في ” سلطة الفرد “.. القائد الملهم ، وتفكك وادي النيل ، و .. إنفصلت السودان !!

إقتصادياً ..  كان حجم الدين الخارجي في عام 1952 ( صفر) ، وفائض الاحتياطى الأجنبي 450 ألف جنيه إسترليني .. وعلى سبيل المثال .. وصل الاقتصاد المصري لذروته ، خصوصاً بعد وصول سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه إلي 25 قرشا ، والجنيه الذهبي بنحو 98 قرشا، ومعدلات البطالة لأقل من 0.2%، وارتفاع نسبة زراعة القطن والقمح المصري ( كان يطلق على مصر وقتها إنها سلة خبز العالم ) ووجود صناعات كالغزل والنسيج والحرير ، بالإضافه إلى البحث العلمي المتطور ، فضلاً عن إقراض الخزانة المصرية للمملكة البريطانية “ دولةالاحتلال ” وقتها، مبلغ 430 مليون جنيه استرلينى .. لم تستردها الدولة حتى تاريخه.  أما في عام 1970  .. أصبح حجم الدين الخارجي 1.7 مليار دولار ، وإرتفع سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه إلى 41 قرشاً ، و أصبح الجنيه الذهبي سعره 4 جنيهات مصريه!!

 عسكرياً ..  ” إنكسر” الجيش المصري في عهد ” الأحرار ” مرتين .. 1956 ، 1967 ، وضاعت سيناء بالكامل ، وضاعت معها ” هيبة ” الجندي المصري ، ومع سيناء .. ضاعت الجولان السوريه ، وغرب الأردن ، والضفه الغربيه والقطاع .. و .. لا عزاء !!

تحضرنا هنا واقعه تمثل قمة “الكوميديا السوداء”.. وتلك الواقعه تمثلت في مكالمه هاتفيه رصدتها المخابرات الإسرائيليه، وذلك في الساعات الأولى لحرب 1967 بين “الزعيم” جمال عبد الناصر و”الملك” حسين بن طلال .. عاهل الأردن ، يبحثان سوياً.. إمكانية إصدار بيان ” يدَّعوا” فيه .. إن الطائرات الأمريكيه والبريطانيه دخلت المعركه مع إسرائيل .. فيسأل عبدالناصر .. هل نقول أمريكا فقط أم .. أمريكا وبريطانيا ؟ فيرد الملك حسين ويقول له .. لأ .. امريكا وبريطانيا .. ليتساءل ” الزعيم ” .. وهل لبريطانيا حاملات طائرات في المتوسط ؟! يا الله .. “ملك”.. و”زعيم” يبحثان كيف يكذبان على الشعوب العربيه .. ليبررا ماحدث من مهزله !! .. و المأساة كل المأساة .. ليست في البحث عن كيفية ” الكذب والإدعاء “فحسب .. لا .. بل المأساة تمثلت في إن “الزعيم ” .. وهو في حالة حرب .. حرب .. هو الذي سعى ودعا إليها .. لايعلم من يحارب .. ولايعلم إن كان في “البحر المتوسط ” حاملات بريطانيه أم لا.. !!!! ألم أقل إنها أشبه “بالكوميديا السوداء”..  ومازالت إسرائيل إلى يومنا هذا تذيع تلك المكالمه الهاتفيه .. على سبيل التندُر ( من الممكن الإستماع إلى نص المكالمه على اليوتيوب)

         هكذا .. كان  ” إرث ” الأحرار .. لإجيال مابعد .. الأحرار ، وإذا كان ” فساد “ ما قبل ” أحرار” 1952 .. قد أفرز لنا جميع أعلامُنا في كل المجالات .. وأقول “كل” المجالات والذين هم على سبيل المثال وليس الحصر ..

– خضر التونى .. الربَّاع المصري الذى إنحنى له هتلر فى نهائى الدوره الاوليمبيه ببرلين عام 1936عند فوزه بالميداليه الذهبيه على حساب البطل الألماني .

– إسحق حلمي .. أول من عبر المانش

– عبداللطيف ابو هيف .. سباح القرن العشرين وعابر المانش 3مرات .

– مصطفى مشرفه .. عالم الفيزياء الذى وصفوه ” إنيشتين العرب ” .. والذى قال عنه إنيشتين بأنه من أعظم علماء الفيزياء .

– سميره موسى .. أول عالمة ذره مصريه ، وأول معيده بجامعة فؤاد الأول .

– العقاد ، طه حسين ، توفيق الحكيم ، الشيخ متولى الشعراوى ،احمد شوقى ، حافظ إبراهيم ، احمد رامى ، رياض السنباطى ، عبدالوهاب ، أم كلثوم … الخ الخ الخ ، فبالله عليكم .. أخبرونا .. ماالذى أفرزه لنا ” صلاح “ .. الأحرار .

وأخيراُ .. هل وجدنا إجابة ذلك السؤال .. ” هل الأحرار كانوا .. أحراراً ؟ ” أقول .. بعد قراءتنا في تاريخ تلك الفتره .. نعم وجدناها ..

– “الحًر” .. لا يسلب حرية الآخرين .. سلبها “الأحرار”.. بالإعتقالات والأسر والقهر لكل من خالفهم في الرأى والإتجاه .. والخروج عن “الفلك”.. بحجة إنهم ثوره مضاده.

– “الحُر” .. من المستحيل أن يكون جاحداً .. فعلها “الأحرار” مع رفقاء الحركه والسلاح.

– “الحُر” .. لا يغتصب .. إغتصب “الأحرار”  أرضاً من مُلاكها.. بحجة “الإصلاح”.. ولم يقدموا بها أى ” صلاح”.

– “الحُر” .. لا ينتقم ولا يتشفى .. فعلوها “الأحرار” بلجان تصفية الإقطاع .

– “الحُر” .. لايكذب ولا يدَّعي ولا يزيف .. كذِب “الأحرار”على الشعب في 1956 .. وكذِبوا في البيانات العسكريه في الأيام الأولى لحرب 1967 .. زيفوا التاريخ .. وإنتهجوا في كل ذلك ماكان ينتجهه “جوبلز ” مسئول دعاية هتلر .

جاء ” أحرار 1952 “ وصنَّفوا لنا آفاتنا .. الفقر ، الجهل ، المرض .. وذهبوا .. وقد صارت آفاتنا .. الفقر ، الجهل ، المرض ، الكذب والإدعاء .

أما نحنُ .. فلا نلومنّ إلا أنفسنا .. نحنُ الذين إغتلنا حقنا وحلمنا بأيدينا .. نحن الذين قزَّمنا الدولة وإختزلناها في ” الفرد”.. نحنُ الذين غضضنا الطرف عن كل تلك الممارسات بحجة .. الإتحاد ، والنظام ، والعمل .. فلا كان هناك إتحاد ، ولا أى شئ إنتظم ، أما العمل .. فحدث .. ولا حرج .. نحنُ الذين كُنا .. وأصبحنا .. ، ولا يحضرني هنا سوى قول الحق تعالى .. فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ “ (الزخرف54)

أعلم أن كلامي هذا لن يعجب الكثيرين من كهنة المعبد ومن العامه والدهماء الذين إنساقوا كالقطيع وراء ما إدعوا بأنهم ” أحرار ” بدون أى تفكير أو تدبر .. فقط لإنها .. الشعارات الجوفاء والرنانه والتى كان من نتيجتها ضياع أُمه بكاملها  ..

آما آن لنا أن نُحطِم أصناماً .. صنعناها بأيدينا .. وعكفنا على عبادتها .. ومازلنا ؟!!

” آلا .. هل بلغت .. فاللهم إشهد “

” إستقيموا يرحمكم الله “

بقلم / محمدعلي النقلي

Elnokaly61@gmail.com

اقرأ باقى اجزاء المقال :

الحريه ( 1 )

الأحرار ( 2 )

سنوات االحلم .. والغوايه ( 3 )

إختزال الحُلم .. وتثبيت الأوتاد ( 4 )

إنجازات .. وتساؤلات ( 5 )

شكرا للتعليق على الموضوع