“الفرنسية”: أوباما يقترب من مغادرة البيت الأبيض وسط شعبية مرتفعة وإنجازات كبرى

ترتبط مكانة الرئيس الأمريكي باراك أوباما دوما في كتب التاريخ على قياس الآمال الكبرى التي أثارها انتخابه رئيسا في مساء من العام 2008 في الولايات المتحدة وخارجها، رغم الإنجازات الكبرى التي حققها وشعبيته التي وصلت إلى أقصى مستوياتها.

وتعكس جائزة نوبل السلام التي منحت له بعيد وصوله إلى البيت الأبيض هذه المفارقة، فقد كوفئ أول رئيس أمريكي أسود مسبقا على الزخم الذي أثاره، مقارنة بعدد من “عمالقة التاريخ” بحسب عبارته الذين كوفئوا على “أعمالهم”.

بابتسامة ما زالت على حالها، ووجه أنهكته ثماني سنوات في الرئاسة زادت من شيبه، يغادر أوباما المكتب البيضاوي في 20 يناير وسط شعبية في أقصى مستوياتها، على غرار ما جرى مع الرئيسين رونالد ريجان وبيل كلينتون في المرحلة نفسها.

مع بعض المسافة، ماذا يبقى من ولايتين على رأس القوة العظمى الأولى في العالم لهذا الرئيس ذي السيرة الخارجة عن المالوف المولود لأب كيني؟

عندما يحين وقت استخلاص النتائج يمكنه التأكيد على نجاحه في تجاوز أزمة اقتصادية قوية إلى حدود قصوى وفي الابتعاد عن المغامرات الحربية لسنوات رئاسة آل بوش وفي إحراز إنجازات دبلوماسية حقيقية على غرار الاتفاق بشأن ملف إيران النووي.

لكن حذره الذي يعتبره معارضوه لا مبالاة إزاء فوضى الأزمة السورية التي أدت إلى مقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين يلقي بظلال على سنواته في البيت الأبيض.

ومن المفارقات القاسية أن الرجل ذا الكاريزما الطاغية الذي نادى بتقريب الأمريكيين سيخلف رغما عنه بلدا تجتازه خطوط تصدع عميقة.

هذه الانقسامات سياسية بالطبع بين كتلتي الجمهوريين والديموقراطيين الذين باتوا عاجزين عن التحاور، ما يؤدي إلى حالات شلل للكونجرس تعلق عمل المؤسسات الديموقراطي.

كما أنها انقسامات عرقية، وعادت إلى الواجهة بزخم مفاجئ، فأوباما الذي حرص دوما على ألا يبدو بصورة رئيس للسود، ربما لم يكن الأفضل لقلب الأمور في هذا الملف رغم الآمال الكبرى التي علقتها عليه مجموعة السود الأمريكيين.

جاء تعلم التمرس في الحكم قاسيا على الرجل المبتدئ نسبيا في السياسة، الذي وعد بـ”تحويل الولايات المتحدة بصورة جوهرية” على وقع تكرار شعاره “نعم نستطيع”.

وهو يقر بعد أن وصل إلى الحكم في سن 47 عاما (عاما إضافيا على بيل كلينتون، وأربعة على جون ف. كينيدي) أنه أساء تقدير أثقال واشنطن، كما لم يسعه إلا التنديد بالعرقلة المنهجية التي نفذها الجمهوريون في الكونجرس على كامل مبادراته التشريعية تقريبا.

لكنه تمكن في عملية مؤلمة من انتزاع إقرار خطة إنعاش بقيمة 800 مليار دولار، كما نجح إثر معركة برلمانية طويلة في تمرير إصلاح تاريخي لنظام التأمين الصحي عرف بتسمية “أوباما كير”، حيثما فشل جميع أسلافه.

هذا ناهيك عن قتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في 2 مايو 2011 في عملية كوماندوس أمريكية في باكستان، الذي سيبقى من أبرز نقاط قوة رئاسته.

كذلك يُضاف إلى إنجازات الرئيس الأمريكي الـ44 التقارب مع كوبا الذي أعد في أعلى درجات السرية، بعد نصف قرن من التوتر العقيم بين البلدين الموروث من الحرب الباردة.

في عدد من الملفات على غرار المناخ، تعلم هذا الاختصاصي في القانون الدستوري التكيف وإبداء المرونة.

فمن الخيبة الهائلة في قمة كوبنهاجن في ديسمبر 209 استخلص أمرا مؤكدا هو ألا إنجاز سيحقق خارج محور مشترك أمريكي صيني، هذا المحور بالذات سيشكل لاحقا أساس نجاح اتفاق باريس الذي أبرم في آخر 2015.

من جهة أخرى، فشل أوباما في عدد من الملفات الأخرى، من الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني إلى معتقل جوانتانامو.

فبعد يومين على وصوله إلى السلطة وقع مرسوما لإغلاق المعتقل في كوبا في غضون عام، بعد ثماني سنوات ما زال المعتقل الذي بات رمزا للتجاوزات خارج إطار القانون التي طبعت حكم بوش موجودا رغم تقليص عدد معتقليه.

كذلك اضطر الرئيس أحيانا الى الإقرار بعجزه، كما حصل في ملف الأسلحة الفردية.

فمع توالي الاعتداءات الدامية من نيوتاون إلى تشارلستون وأورلاندو ودالاس لم يسع أوباما إلا التعبير عن استيائه، وقال: “كل هذا بلا أي جدوى على الإطلاق”، منددا بتكرار صيغة “إطلاق نار – غضب – ثم عودة إلى الوضع الراهن” التي أصبحت “روتينية” لدى المجتمع الأمريكي.

وفيما قد يثير “أستاذ القانون” فيه الإزعاج أحيانا فإن هدوءه وسط العاصفة يستدعي الاحترام، فمن برلين إلى سيلما (ألاباما) انطبعت خطاباته المصممة بدقة وعناية كبرى في الأذهان.

إضافة إلى كل ذلك، يتمتع أوباما بنوع من اللباقة والأناقة في ممارسة السلطة، حتى بإقرار خصومه، ساهم في تحسين صورة الولايات المتحدة حول العالم.

وفيما دعي الأمريكيون إلى الاختيار بين السرية والمواقف غير الواضحة لدى كلينتون، أو الإهانات والاستفزازات الصادرة عن ترامب، تبدو رئاسة باراك أوباما على نقيض مبهر وباتت تعتبر مرجعا.

أ ف ب

شكرا للتعليق على الموضوع