ضحايا الاستبداد في تونس يفضون أسرار “الحقبة السوداء”

فتحت تونس، في (17/11/2016)، صفحة تاريخية غير مسبوقة لانتهاكات تعود إلى حقبتي بن علي وبورقيبة، ليدلي ضحايا الاستبداد بشهاداتهم في العلن بعد صمت طال عقودا.

تابع ملايين التونسيين اعترافات مؤثرة لضحايا سردوا في جلسات علنية الانتهاكات والتعذيب، الذي تعرضوا له خلال فترة حكم الرئيسين التونسيين الأسبقين، في خطوة تحسب لمسار العدالة الانتقالية بعد 6 سنوات من عمر “ثورة الياسمين” التي أنهت 23 عاما من حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.

وفي إحدى الشهادات المؤثرة التي ألهبت مشاعر التونسيين، تحدث الباحث الأكاديمي سامي براهم عن فترة اعتقاله في بداية تولي بن علي الحكم، حيث تعرض لأنواع شتى من التعذيب. وعلى سبيل الذكر لا الحصر – التعذيب الجنسي في مبنى وزارة الداخلية؛ مشيرا إلى أن “جلاديه” تعمدوا إهانتهم باحتجازهم في مكان واحد وهم عراة.

اعتذِروا وسنغفر!

سامي براهم، الذي نال نصيبه من المهانة والخزي والتعذيب المعنوي والجسدي، توجه بنداء مؤثر إلى جلاديه بطلب الغفران، وأن يمثلوا أمام الهيئة ليقدموا تفسيراتهم ومبررات عن أفعالهم الشنيعة لتطوى صفحة سوداء من تاريخ تونس؛ لافتا في سياقه إلى أن هروب الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي نزل على قلبه “بردا وسلاما”.

وفي تعليق على شهادة سامي براهم، أعرب المعارض اليساري حمة الهمامي، عن تأثره الشديد بكلام سامي براهم حول أسلوب التعذيب الجنسي الذي تعرض له، مبينا في حديثه أن سامي تحدث عن جزء بسيط جدا من الفظائع داخل السجون التونسية بهدف تدمير “ذات” السجين، وفقًا لما ذكرته قناة “روسيا اليوم” الإخبارية.

وأضاف حمة الهمامي أن حضوره جلسة الاستماع لضحايا الاستبداد والدكتاتورية، أعاد إلى ذاكرته الحقبة السوداء، في إشارة إلى سنوات التعذيب التي طالته هو أيضًا في سنوات 1992 و1994 و2002.

وفي شهادة أخرى، قالت زوجة كمال المطماطي، الذي قتل في ولاية قابس جنوب البلاد، تحت التعذيب عام 1991، إنها علمت بموت زوجها بعد الثورة فقط، أي بعد 20 سنة من فقدانه.

أحد ضحايا الاستبداد في تونس
أحد ضحايا الاستبداد في تونس

كما تضمنت جلسات الاعتراف شهادات عائلات شبان سقطوا برصاص الأمن التونسي أثناء ثورة 14 يناير2011، وقدمت الأمهات إفاداتهن عن ملابسات مقتل أبنائهن، وشددن على نقل محاكمة القتلة من القضاء العسكري إلى محاكم مختصة بالعدالة الانتقالية.

ليلة استثنائية

من جانبه، قال عميد المحامين التونسيين، عامر المحرزي، إن جلسة الاستماع إلى ضحايا بن علي وبورقيبة تشكل علامة فارقة للتوصل إلى صلح حقيقي بين كل التونسيين، لكن ذلك يبقى مشروطا بحضور المذنبين والجلادين والإقرار بأخطائهم.

ورأى عميد المحامين أن جميع الشهادات التي قدمت، ليلة الخميس 17 نوفمبر، كانت مؤثرة؛ لأنها تضمنت شهادات حية على معاناة جزء من هذا الشعب.

وفي تقييم مماثل، أكد النائب التونسي نوفل الجمالي أن ليلة أمس كانت استثنائية وتاريخية في تونس في اتجاه الكشف عن الحقيقة للشعب التونسي الذي انتظر كثيرا لهذا الحدث.

وفي حديثها عن التجربة الرائدة في تونس، قالت رئيسة “هيئة الحقيقة والكرامة” سهام بن سدرين إن هذا الحدث يجب أن يكون درسا للأجيال المقبلة، وهو سيعزز صورة تونس في العالم كنموذج للمصالحة والتسامح.

هيئة الحقيقة والكرامة

هي هيئة دستورية تأسست بمقتضى قانون عدد 53 لسنة 2013، المؤرخ في 24 ديسمبر 2013، والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها، وتهدف إلى ضمان مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وتشرف الهيئة، التي تعدُّ إحدى ثمار الثورة التونسية، على تطبيق قانون العدالة الانتقالية للنظر فيما يتردد عن تجاوزات حقوق الإنسان بين 1 يوليو 1955 (تاريخ صدور القانون والاستقلال)، و24 ديسمبر 2013، ثم فترة حكم الحبيب بورقيبة (1957 – 1987)، تليها فترة رئاسة زين العابدين بن علي (1987- 2011)، وانتهاء بحكومة الترويكا (2011- 2013).

أهالي ضحايا الاستبداد في تونس
أهالي ضحايا الاستبداد في تونس

واستنادا إلى الفصل الثامن من قانون العدالة الانتقالية، الصادر في 2013، تتمثل الانتهاكات في القتل العمد أو الاغتصاب والعنف الجسدي والتعذيب والاختفاء القسري والإعدام من دون توفر ضمانات المحاكمة العادلة، إضافة إلى انتهاكات متعلقة بتزوير الانتخابات، وبالفساد المالي، والاعتداء على المال العام، والدفع إلى الهجرة الاضطرارية لأسباب سياسية.

وفي بلاغات سابقة من الهيئة، تشكل الانتهاكات الجنسية نسبة مهمة من الملفات، كما تمثل النساء جزءا كبيرا من الضحايا.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الهيئة لإقرار تعويض للضحايا، تصطدم الهيئة ببعض المشكلات والعراقيل المتمثلة في اقتراح مشروع قانون المصالحة الوطنية الذي يعفو عن بعض المتورطين في تهم الفساد المالي خلال حكم بن علي.

هذا، وستعقد جلسات علنية أخرى في 17 ديسمبر و14 يناير، وهما تاريخان يرمزان إلى اندلاع الثورة التونسية. ومن المنتظر أن تعقد جلسات مصالحة علنية يقدم خلالها مرتكبو الانتهاكات اعتذاراتهم.

ومما لا شك فيه أن الجلسات العلنية لضحايا عانوا “سنوات الجمر” – هي خطوة تتلمس طريقها نحو عدالة انتقالية ومحاسبة الجلادين، الذين مارسوا جرائم في حق جزء من الشعب التونسي، الذي انتفض ذات يوم من أجل الحرية والكرامة.

شكرا للتعليق على الموضوع