وليد فرح يكتب : هل سنصل الى ما نطمح اليه؟!
نطمح الى الكثير ونحصل على القليل… هذا هو حال لسان السواد الأعظم من الناس في عصرنا الحالي… يسعى المرء بجد وإجتهاد الى تحسين وضعه المالي والعائلي والصحي… لا يترك اي وسيلة أو مجال من دون محاولة الإستفادة منها لتحقيق مبتغاه… ومن ثم يعود ويُقيّم ما توصل اليه ليجد انه، بغض النظر عمّا قام بإنجازه، ما يزال بعيدًا عن ما يطمح اليه!!!
وإن سألنا أي شخص عمّا يريده في الحياة، ستقع الإجابة، مهما إختلفت أو تنوّعت، ضمن محاور ثلاثة أساسية وهي: السعادة، النجاح، والأمان!!! وإن قمنا بمراقبة كيفية سعيه للوصول الى ما يريد لوجدنا انه يسير في إتجاهات متعددة دونما تغذية أي من مستلزمات كل من السعادة والنجاح والأمان بما يتناسب ونوعية تكوينها كمن يحاول عبثًا شراء الحبّ بالمال!!! قد يستطيع المرء استرضاء الشريك من خلال المغريات الماديّة لكن سرعان ما تخبو شعلة الحبّ الزائف مع خمود الحصول على تلك المغريات!!!
هذه هي مشكلة إنسان العصر الراهن! يسعى الى إكتساب ما هو لامادي بالسبل الماديّة!!! فحتى الصحة وإن ارتبطت بالجسد يبقى الأساس في المعالجة نفسي لامادي!!! فكم من مرة ينصح الأطباء بالراحة النفسية للمريض كجزء لا يتجزأ من نجاح العلاج المطلوب. من هنا بات كل من السعادة والنجاح والأمان حالات يستوجب الوقوف عندها انما من منظار مختلف وبرؤيا اعمق من القشور التي تحيط بنا من كل حدب وصوب!
ثمة علم قديم – جديد يعرف بعلم الإيزويتريك (علم باطن الإنسان) وهو أول من بحث في الإنسان في بعديه المادي واللامادي بشكلٍ شامل (إن كلمة إيزوتيريك يونانية الأصل وتعني الخفي والخاص. وقد فسرتها موسوعة بريتانيكا البرطانية بعلوم النخبة. فيما فسرتها موسوعة لاروس الفرنسية بأنها العلوم التي يصعب تفسيرها على غير مستنيري العقول. اما العرب الأقدمون فقد فسروها بالعلوم المضنون بها على غير اهلها).
يوضح الإيزوتيريك بأنه مهما تألقت الإنجازات وإرتقت التطورات المادية فإنها لن تبلغ عمق الحقيقة الإنسانية ما دام الإنسان بعيدًا عن معرفة باطن نفسه. ومهما حاول المرء الوصول الى كل من السعادة والنجاح والأمان فإنه سيبقى يدور في دوامة التقلبات النفسية ما لم يعمل على وعي حقيقة ما يصبو اليه في العمق!
فالحقيقة الصارخة تؤكد أن كل شيء موجود داخل الإنسان… وما السعادة والنجاح والأمان سوى مستويات من التطور الباطني المبني على كل من المحبة، والوعي، والتطبيق العملي لكل ما تقدمه معرفة النفس من منهج حياتي يرتكز على التوازن بين مكوناتها كافة.
فبين الإنسان والحياة ترابط كامل… وبين الإنسان وأخيه الإنسان تفاعل في ادق التفاصيل وعى ذلك ام لم يعه بعد… وبين الإنسان ونفسه أبعاد وعي عليه اكتشافها كي يكتمل بحقيقة تكوينه وبُعد تواصله مع كل من الحياة وأخيه الإنسان…
لا شك في ان الإنسان قد تقدم في شتى المجالات التقنية والتكنولوجية ولكن الأهم الغوص في باطن نفسه حيث يكمن كل من الداء والدواء. فمن خلال معرفة النفس ندرك المسافة الفاصلة بين ما نحن عليه وما نصبو اليه. ولنتذكر قول سقراط “اعرف نفسك تعرف العالم والكون” وقول الإمام علي بن أبي طالب “أتحسب نفسك جرمٌ صغير وفيك إنطوى العالم الأكبر”.
وليد فرح – بيروت