شوقي العيسه يكتب : من الماضي ( 4 )

ابن خالي ، كان الكل يعامله معاملة خاصة ، فهو جاء بعد اربع بنات وكان طفلا مبتسما دائما ، اضافة الى خوف الجميع من غضب والده الذي (رحمه الله) كان عصبي المزاج ويغضب بسرعة ، وكان أن مرض الطفل مرضا خطيرا ، تطلب نقله الى مستشفى هداسا الاسرائيلي لاجراء عملية جراحية في صدره ، وكانت كل العائلة تذهب لزيارته في المستشفى ، وخاصة لتلافي غضب والده . في المستشفى كان مسموحا لثلاثة اشخاص فقط الدخول للزيارة ويعطى لكل مريض ثلاث بطاقات يسمح لحاملها بالدخول ، كان عمري 14 عاما ، وكنت ارافقهم الى المستشفى وادخل ثم اجمع بطاقات من دخل واخرج بها لادخال اخرين بنفس البطاقات ، وكانت تحدث مشاكل كثيرة عندما يرى المسؤولون اكثر من ستة اشخاص في غرفة ابن خالي ، وكنت اتولى الترجمة ، حيث كنت من المتفوقين في المدرسة وخاصة في اللغة الانجليزية ، ولم يكن وقتها احد يجيد العبرية ، وفي احد الايام كنا ثمانية في المستشفى ، وعند المغادرة للعودة الى المخيم كانت المشكلة ان السيارة تتسع لسبعة فقط ، وكان خالاي الاثنين قد تأخرا على دوامهما والباقي نساء فقالت امي انت بتروح في الباص ، فرحت طبعا لان هذا يعني انني استطيع التسكع في شوارع القدس وحيدا، خاصة ان الجو صيفي ، تعرفون ماذا اقصد طبعا ، وهذا ما فعلت ، ثم استقليت باص ايجد لانتقل من القدس الغربية الى باب الخليل في الشرقية ، وفي الطريق صعد الى الباص ثلاث اجانب ، وسألوني ان كنت اعرف الانجليزية ، فاجبت بنعم طبعا ، ارادوا التأكد ان الباص الذي نحن فيه يوصل الى باب يافا ، ولم اكن اعرف ان باب الخليل بالانجليزية يسمى باب يافا ، فقلت لهم لا عليكم النزول والبحث عن باص اخر ، وعندما طلبوا من السائق انزالهم معتذرين لانهم يريدون الذهاب الى باب يافا ، تفاجأ السائق وقال انا ذاهب الى هناك ، فقالوا مشيرين الي هو قال لنا غير ذلك ، نظر السائق الي شزرا ورطن شيئا بالعبرية ، ثم فهم انني عربي من ردة فعلي فقال بالعربية وكان يهودي عراقي ، ايش انت ما تفهم ، لا تتدخل .

في اليوم الذي تقرر فيه خروج ابن خالي من المستشفى ، لم يستطع خالي الذهاب لسبب لا اتذكره الان ، فقال لي ، عليك الذهاب لاحضاره الى البيت ، خذ مصاري وبتوخذ تاكسي طلب وبيجيبه ، فكرت ان هذه فرصة لاحقق امنيتي بالركوب في الجيب الوحيد في المخيم وهو جيب قديم يملكه احد الاشخاص المتهورين ولم يكن للجيب ابواب او سقف ، وكان السائق ومن بجواره يضعون سلاسل (جنازير) بدل الابواب وفي الخلف لوح خشبي (دكيت) بدل الكراسي ، فذهبت اليه وفرح طبعا ان احدا يريد استخدامه وانه سيربح مالا ووافقت على المبلغ الذي طلبه ، قائلا بشرط ان تنزل الزجاج الامامي فوق غطاء الماتور ووافق، انطلقنا الى المستشفى واخرجنا ابن خالي المسكين الذي كان قد اجرى عملية جراحية في صدره قبل ايام ، ووضعته على اللوح الخشبي في الخلف ، للحقيقة قال السائق دعه يجلس مكانك ، فقلت لا يستطيع وادعيت ان الطبيب قال لي يجب ان يبقى ممددا ، اعتقد ان السائق لم يكن بعقله يومها واظن انه كان قد شرب شيئا ما، وانا في الطريق كنت اقول له باستمرار اسرع ، ويبدو ان عقلي انا كان في اجازة ذلك اليوم ، ابن خالي المسكين كان يأن ويتعذب ، وخاصة على المطبات ، سيارة الجيب كانت اخر ما يمكن ان تفكر به لنقل مريض في تلك الحال، عندما وصلنا الى الحارة في المخيم كان الجميع في الاستقبال ، ولاحظت ان خالي عندما رأى الجيب بدأ الشرر يتطاير من عينيه ، وكانت الكارثة ان ابن خالي المسكين كان في النزع الاخير ، وان مكان العملية قد انفتح والدم ينزف ، وكان في خطر حقيقي ، وبدأ الجميع بالصراخ ، فهربت وغادرت المخيم كله ، الله ستر لان سيارة اسعاف لوكالة الغوث كانت في مكان قريب واعادته الى المستشفى ، وبقيت مختفيا خارج المخيم الى ان تم التأكد من زوال الخطر على حياته ، لان خالي كان قد حلف اغلظ الايمان انه سيقطعني شقفا ، وبدأت الوساطات لمسامحتي ولكن دون فائدة ، واصبح لا مفر من تدخل خالي الذي يسكن في بيت لحم خارج المخيم ، ودائما كلمته تكون الاخيرة ولا احد يخالفه ، وهذا ما كان ، وعدت وعاش ابن خالي امد الله في عمره .

وللحديث بقية ……….

اقرأ للكاتب سلسلة من الماضى :

من الماضي ( 1 )

من الماضي ( 2 )

من الماضي ( 3 )

شكرا للتعليق على الموضوع