منار الشوربجي تكتب : ضجة سياسية
من يتابع الإعلام الأميركي يعيش أجواء الأزمة الصاخبة التي تعانيها الحياة السياسية وشلت العمل السياسي في واشنطن هذه الأيام.
لكن ما نتابعه لا يعني بالضرورة أن تلك الأزمة تشكل بداية النهاية لترامب كما يقول بعض المعلقين الأميركيين في الصحافة وعلى الشاشات، إذ هي على الأرجح لم تتعد حدود العاصمة الأميركية.
فمنذ أن أقال الرئيس الأميركي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، تشهد واشنطن زلزالاً سياسياً غطى على ما عدا ذلك من الأخبار.
القضية لا تتعلق بالمرة بقانونية قرار ترامب وإنما بتبعات ذلك القرار، وصحيح أن مدة تولي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي حددها القانون عشر سنوات، إلا أن الرئيس، يحق له، قانوناً، إقالته قبل استكمال المدة وإن كانت مثل تلك الإقالة لها تبعاتها السياسية لا القانونية، كما هو الحال الآن مع دونالد ترامب.
الضجة التي واجهها البيت الأبيض عقب إقالة كومي ترجع لأمرين، أولهما أن البيت الأبيض عانى ارتباكاً شديداً في الإعلان عن سبب الإقالة.
بعد أن كانت الرواية الأولى تُرجع السبب للطريقة التي تناول بها كومي موضوع البريد الإلكتروني الخاص بحملة كلينتون، خرج عدد من مسؤولي البيت الأبيض، وعلى رأسهم نائب ترامب نفسه، مايك بنس، ليؤكدوا أن الرئيس أقال كومي بناء على توصية من نائب وزير العدل.
لكن سرعان ما أجرى ترامب نفسه حواراً تليفزيونياً، نفى فيه تلك الرواية، وأكد أنه اتخذ القرار بنفسه لا بناء على تلك التوصية وربما قبل أن تصله أصلاً.
لم يساعد على هدوء الزوبعة تلك التهديدات التي وجهها ترامب عبر حسابه على تويتر، فهو حذّر كومي من أن يدلي بأية تصريحات للإعلام، بينما هدد الإعلام بوقف المؤتمرات الصحفية اليومية للبيت الأبيض وأن يكتفي بإصدار بيان مكتوب يوزع على الصحفيين.
أما السبب الثاني وراء الضجة السياسية فهو أن الإقالة جاءت في وقت يجري فيه مكتب التحقيقات الفيدرالي، برئاسة كومي، تحقيقاً موسعاً يمس البيت الأبيض نفسه.
تبين خلال الأسابيع الأخيرة، خصوصا في شهادة كومي أمام الكونجرس قبل أيام من إقالته، أن التحقيق لا يتناول فقط النفوذ الروسي وإنما النفوذ الأجنبي عموماً على ترامب وفريقه، بعد أن تبين أن مايكل فلين، مستشار ترامب السابق، لم يكن قد أفصح في الوثائق الرسمية عن أموال كان قد تلقاها من تركيا لتمثيل مصالحها في الولايات المتحدة.
مما أثار الشكوك أيضا أنه تبين أن كومي كان قد طلب مؤخراً زيادة الموارد المالية لمكتب التحقيقات ليتم توجيهها خصيصاً للتحقيق الجاري.
إقالة كومي لها تبعاتها بالضرورة على مثل ذلك التحقيق، فرغم أن القائم بأعمال مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي قد أكد أمام الكونجرس أن التحقيق لن يتأثر بإقالة كومي، إلا أن القاصي والداني في واشنطن يعرف أن بقاء القائم بالأعمال في موقعه أمر مؤقت لحين تعيين ترامب مديراً جديداً للجهاز، والمدير الجديد بإمكانه تضييق نطاق التحقيق الجاري، وبإمكانه أيضا حل مجموعة العمل التي شكلها جيمس كومي وتتولى حالياً إجراء التحقيق.
أكثر من ذلك، فإن لجان الكونجرس التي تقوم بتحقيقاتها الخاصة في موضوع الدور الروسي أثناء الانتخابات الرئاسية.
من هنا لا ينتظر من المؤسسة التشريعية أن تشرع في تعيين محقق خاص مستقل، كما كان الحال مع كل من بيل كلينتون وريتشارد نيكسون.
لكن الأهم من كل ذلك، أن تلك الضجة المثارة لا تتخطى، على ما يبدو حدود واشنطن العاصمة. فالاستقطاب السياسي يتخطى النخبة السياسية ويمتد الأمر للرأي العام نفسه، فكما كان واضحاً عندما زار ترامب جامعة ليبرتي التابعة لليمين الديني.
فإن أنصار ترامب الذين أعطوه أصواتهم يشعرون بغضب بالغ إزاء الضجة التي تعيشها واشنطن منذ إقالة كومي ويرون أنها ضجة منحازة بالأساس ضد الرئيس الذي اختاروه ومصنوعة صنعاً من جانب الديمقراطيين لتقييد حرية حركته وإفشال مشاريعه السياسية.
الكثيرون من هؤلاء يؤمنون بأن التحقيق الجاري أصلاً بخصوص الدور الروسي هو إهدار لأموال دافع الضرائب على مسألة صنعها الديمقراطيون للتغطية على فشلهم في الفوز بالرئاسة.
أكثر من ذلك، فإن من لم يعطوا أصواتهم لترامب لم يتحولوا بعد لقوة ضاغطة، بل أن الكثيرين منهم، وخصوصاً من أيدوا هيلاري كلينتون، لا يعنيهم كومي بل يعتبرونه مسؤولاً عن فشل كلينتون وتولي ترامب الرئاسة لأنه قام قبل الانتخابات الرئاسية بأسابيع بالإعلان عن أن التحقيق بخصوص حملة كلينتون لم يغلق.
ما لم يكن هناك ضغط شعبي يدفع الجمهوريين بالكونغرس دفعاً لاتخاذ موقف مناهض لترامب ستظل الأجواء الصاخبة محدودة النطاق في تأثيرها على مستقبل ترامب.
د. منار الشوربجي
أستاذ مساعد العلوم السياسية. متخصصة في النظام السياسي الأمريكي
البيان – الامارات
اقرأ للكاتبة :
مفارقات في الانتخابات الفرنسية