“كان” هل يكافئ في نسخته السبعين إحدى المخرجات بالسعفة الذهبية؟

تتنافس أفلام لثلاث مخرجات على السعفة الذهبية في مهرجان كان 2017، وهي “نحو الضياء” لليابانية ناعومي كاوازي و”الفرائس″ للأمريكية صوفيا كوبولا و”لم تكن أبدا حقا هنا” للبريطانية لين رامسيه. فهل ستكرم الدورة الـ70 للمهرجان امرأة؟

  يحتفل مهرجان كان هذا العام بعيده السبعين، واستضاف في المناسبة العديد من المخرجين الذين ابتسم لهم الحظ وكانت أفلامهم هي العبارة السحرية “افتح يا سمسم” التي فتحت لهم أبواب سلم المجد مثل ديفيد لينش وكان لوتش وميكائيل هانيكه وناني موريتي وغيرهم من عمالقة السينما العالمية. بعد أن صعد كل هؤلاء الضيوف المرموقين مدرج قصر المهرجانات، لم يتردد العديد في انتقاد الصورة التذكارية على البساط الأحمر التي لا تظهر فيها سوى امرأة واحدة (جين كامبيون). فعلقت مثلا المخرجة سمون بيتون  “لو كنت مسؤولة عن الاتصال في هذا المهرجان لاستحيت من نشر الصورة”.

20

يشارك 19 فيلما في المسابقة الرسمية لمهرجان كان، ثلاثة منها فقط من إخراج نساء هن: ناعومي كاوازي وصوفيا كوبولا ولين رامسيه. فهل يغتنم كان رمزية مرور 70 سنة على انطلاقه فتكون السعفة الذهبية هذا العام من نصيب امرأة ؟ وهو سؤال لا نتعب من طرحه في كل دورة… فلم تحصل على هذه الجائزة في تاريخ المهرجان سوى النيوزيلاندية جين كامبيون عام 1993 عن فيلم “درس البيانو”، وحتى لما نالتها فكان ذلك بالتساوي مع المخرج الصيني شان كاغ عن “وداعا خليلتي”.

عرض فيلم “الفرائس” لصوفيا كوبولا خلال هذه الدورة، وهو يسعى إلى قلب زاوية نظر أفلام “رعاة البقر” (ويسترن) فيحولها إلى وجهة نظر النساء، ثم اعتماد أسلوب الإثارة والتحليل النفسي مع خلفية تاريخية للحرب الأهلية الأمريكية (1961-1965). ورأى البعض في هذه “الثورة” السردية التي يصير فيها الرجل في قبضة النساء، نزعة “نسوية”. لكننا لا نرى في الفيلم ما يؤهله للفوز بالسعفة.. للأسف مسبقا ! بل نقل أيضا لحسن الحظ أن لا تسند المكافأة وفق عدد الجميلات. يشار إلى أن الفيلم يحظى بكاستينغ من أكبر النجوم: كولين فاريل، نيكول كيدمان، إيل فانينغ، كريستان دونست… وأن كوبولا تشارك في المسابقة نحو السعفة الذهبية للمرة الثانية بعد “ماري أنطوانيت” عام 2006.

21

ويقتبس الفيلم من رواية لتوماس كولينان سبق وأن أخرجت سينمائيا عام 1971 في فيلم لدون سيغل من بطولة كلينت إيستوود. أما في نسخة 2017، فيتقمص كولين فاريل دور جندي من معسكر الأعداء، يصاب بجروح في الحرب فيلجأ إلى مدرسة داخلية تعيش فيها مجموعة من الفتيات وتديرها الغامضة مارتا (كيدمان).

بعد أن يضمدن جراحه ويأوينه، ينغلق المكان على “الفرائس” المفترضة وضيفهن. سرعان ما تشحن الأجواء بعداءات خطيرة بين الفتيات وغرائز جنسية… يتحول فيها الجندي إلى محل الرغبة والممنوعات. لكن تفشل كوبولا في شدنا على خط الإثارة، فمنذ أن يتخطى السيد “ماكبورني” باب المدرسة نفهم ما سيحصل ويخمد التشويق. فبين فتاة مغرية وأخرى مغفلة، بين واحدة صبيانية وأخرى خجولة، مع هيمنة كيدمان، لا تذهب المشاعر المختلفة التي تولد بشأن الجندي إلى حد خلق أزمة محورية أو قصوى.

من جهتها تقتبس أيضا البريطانية لين رامسيه فيلمها “لم تكن أبدا حقا هنا” من رواية لجوناتان آمس والتي تحمل نفس العنوان. على خلاف فيلم كوبولا، تعود هنا رامسيه إلى “فيلم الرجال”، عبر وجهة نظر البطل الذي يغوص في عالم الجريمة. اعتادت رامسيه، التي تشارك أيضا في المسابقة للرسمية للمرة الثانية، على إخراج أفلام تبعث على القلق، ففي 2011 صورت قصة مراهق مضطرب عقليا.

يبدأ “لم تكن حقا أبدا هنا” بعد أن اختطفت “نينا” ابنة سيناتور في الولايات المتحدة، يتكلف “جو” وهو جندي سابق، عنيف ومعذب النفس، مهمة البحث عنها. يجد “جو” نفسه مضطرا إلى إنقاذ الفتاة من شبكة دعارة، لكن الأمر معقد أكثر مما يبدو عليه. فوراء هذه الشبكة تقف رغبات سياسيين “يتبادلون” الفتيات. فيواجه جو العديد من العمليات الانتقامية ويعلق في نظام القتل والفساد فيدخل مرغما وسط دوامة عنف منقطعة النظير.

رغم قسوة العالم الذي تصوره رامسيه التي تجازف بالكاميرا وسط مراجع ثقيلة لأفلام الصعاليك، فهي لا تسقط في الابتذال وذلك عبر نجاحها في الإبقاء على مسافة مصنوعة من روح الفكاهة إضافة إلى “لمسة نسائية” تخفف من حدة الصور الصادمة لضربات المطرقة على الرأس والأمعاء والدماء والجثامين … فتتطرق المخرجة إلى علاقة “جو” بوالدته العجوز التي يعيش معها، ورقته الدفينة الراجعة إلى جروح الطفولة. النقطة المهمة الثانية هي أن رامسيه تضع مفتاح الخروج من الحلقة الجهنمية بين يدي الفتاة الصغيرة “نينا”. المرأة هي مستقبل الرجل ؟

22

أما ناعومي كاوازي التي تشاركت للمرة الرابعة في السباق نحو السعفة الذهبية (بعد 2003 و2007 و2014). ومن بين الأفلام “النسائية الثلاث، بيدو فيلمها “نحو الضياء” الأوفر حظا للفوز، فهو في غاية الشاعرية ويدور حول علاقة عاطفية تنشأ بين المصور ماسايا والفتاة ميساكو. يفقد ماسايا تدريجيا بصره، في حين تسجل ميساكو تعليقات صوتية للأفلام من أجل ضعيفي وفاقدي البصر. تتحول كاميرا كاوازي عينا تبحث عن الضياء وسط العتمة مفجرة كل الحواس.

فمَن مِن كاوازي وكوبولا ورامسيه يخلف كامبيون ويدخل تاريخ مهرجان كان بتبديد هيمنته الذكورية ؟

 مها بن عبد العظيم – فرنسا 24

شكرا للتعليق على الموضوع