حصار قطر وتبعاته المحتملة على التجارة الألمانية

أصبحت دول الخليج أحد أهم شركاء ألمانيا في التجارة. ومع اتجاه الأزمة القطرية إلى مزيد من التصعيد تزداد المخاوف من تأثيراتها السلبية على الشركات الألمانية الناشطة في هذا الدول، ما هي أبرز هذه التأثيرات وتبعاتها المحتملة؟

تبدو ألمانيا في موقف لا تحسد عليه بين أطراف الأزمة القطرية- الخليجية المتجهة للتصعيد. ويعود السبب في ذلك إلى المصالح الاقتصادية والجيوسياسية القوية والمتشابكة مع هذه الأطراف وفي مقدمتها الإمارات والسعودية وقطر. فالإمارات وعلى سبيل المثال تستورد سنويا بضائع ألمانية بقيمة تزيد على 14 مليار دولار، في حين تصل قيمة الواردات السعودية من ألمانيا إلى حوالي 10 مليارات سنويا. أما قطر فأضحت سوقا هامة للبضائع الألمانية بفضل مشاريعها العملاقة وفي مقدمتها مونديال 2022، إضافة إلى أنها تستثمر في الشركات والمصارف الألمانية مثل فولكسفاغن وسيمنس و دويتشه بنك أكثر من 25 مليار دولار. وتعمل الآف الشركات الألمانية في هذه الدول لتقديم خدماتها ومنتجاتها إلى مختلف مناطق الشرق الأوسط. وتتركز أكثر من 1000 شركة منها  في الإمارات. أما صناعة السلاح الألمانية فتبيع سنويا معدات عسكرية وأمنية بمليارات اليورو لدول الخليج.

الحصار يحرك الدبلوماسية الألمانية

قوة المصالح الاقتصادية الألمانية مع أطراف الأزمة عكست الاهتمام الألماني القوي بها وبسبل حلها منذ اندلاعها. وهو الأمر الذي كان وراء زيارة وزير الخارجية الألمانية زيغمار غابرييل الأخيرة إلى السعودية والإمارات وقطر والكويت أوائل يوليو/ تموز الجاري 2017. خلال هذه الزيارة عدل الوزير أيضا لهجته التي مالت إلى الموقف القطري مع بداية الأزمة. وتمثل هذا التعديل في قوله من الدوحة إنّ لبلاده علاقات طيبة مع قطر ودول الخليج الأخرى وإنها لا تنحاز إلى أي طرف. كما شدد الوزير الذي تولى سابقا منصب وزير الاقتصاد والطاقة في حكومة المستشارة ميركل على الحوار لحل الأزمة. غير أن الحوار لا يبدو حاليا موضع تقدير من الدول الأربع المقاطعة لقطر بعد الرد القطري الرافض لمطالبها. ويتسبب الحصار البري والبحري والجوي الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على الإمارة الصغيرة حتى الآن بخسارة ملايين الدولارات يوميا  بسبب ارتفاع تكاليف النقل والتأمين. ولا تقتصر هذه الأضرار على قطر، بل تصيب الدول الأخرى ولو يشكل أقل كالإمارات التي تعد مركزا لترانزيت البضائع والأشخاص إلى السوق القطرية والأسواق المجاورة الأخرى.

ارتفاع تكاليف الشحن عشرة أضعاف

يصيب الحصار الحالي المفروض على قطر أيضا البضائع والخدمات الألمانية المتوجهة إليها عبر الإمارات والسعودية والبحرين ومصر. فبعد فرض الحصار يجب شحن هذه البضائع عبر طرق أخرى ما يعني مضاعفة تكاليف النقل والتأمين. وقد أقر وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بأن تكاليف الشحن إلى بلاده أرتفعت إلى عشرة أضعاف. وتزداد الخشية حاليا من اتجاه الأزمة إلى مزيد من التصعيد بشكل يدفع الدول المقاطعة إلى تشديد عقوباتها الاقتصادية على قطر بعد رفض الأخيرة لمطالبها التي تركز على وقف دعم التطرف والإرهاب وإغلاق قناة الجزيرة. ويبدو أن العقوبات الإضافية لا تقتصر على سحب ودائع الدول المقاطعة من المؤسسات والشركات القطرية ووقف التعامل مع عملتها، فالسفير الإماراتي في موسكو عمر غباش صرح لصحيفة الغارديان البريطانية بأن الأمر قد يصل إلى “فرض شروط على الشركاء التجاريين الأجانب بأن عليها الاختيار بين الدول المقاطعة وقطر في حال عدم قبول مطالب الدول المقاطعة”.

الأسواق البديلة صعبة المنال

يعني تشديد العقوبات على هذا النحو الذي يتم التهديد به من جملة ما يعني وضع عشرات الشركات الألمانية أمام خيارات مرة قد تؤدي إلى خسائر سنوية بالمليارات. وسيكون حجم هذه الخسائر أقسى على ألمانيا في حال طالت الأزمة واضطرت قطر إلى تسييل قسم من أصولها وأسهمها في الشركات ألمانية لتمويل مشاريعها. علاوة على تبعات ارتفاع أسعار النقل على مسار البضائع الألمانية واضطراب سعر الريال القطري والبورصات وارتباك مناخ الاستثمار في عموم منطقة الخليج. ومن هنا يرجح قيام ألمانيا ودول غربية أخرى ذات مصالح متقاربة مع الخليج بتكثيف جهودها لتجنب سيناريو استمرار العقوبات وتشديدها. عدا ذلك فإن على الشركات الألمانية  العاملة في دول الأزمة البحث عن بدائل في أسواق جديدة بعيدا عن منطقة الخليج رغم صعوبة إيجاد مثل هذه الأسواق في ظل المنافسة الشديدة من قبل الصين والهند وبلدان أخرى صاعدة.

DW

شكرا للتعليق على الموضوع