السَّر “قصة قصيرة”

قرأت كتاب ” السّر” كما فعل الملايين غيري حول العالم. لكنني أحسست أن السيدة Rhonda Byrne كانت تفكر بي شخصياً حين كتبته.

تساءلت عما اذا كانت تعرفني من مكان ما.

هل التقينا؟ لا أذكر.

ربما في حياة سابقة؟ لا أذكر هذا الأمر ايضاً. أو ربما سنلتقي قريباً لشكرها على ما أنا في صدد الإقدام عليه.

حسناً. كانت الرؤية دائمة الوجود في داخلي، حتى قبل قراءة ” السّر”.

ربما تسألون بشيء من السخرية:” ولماذا لم تطبِّقها في السابق؟”.

الجواب بسيط : كانت تنقصني الجرأة.

نعم. لم أجرؤ على الطلب من الكون أشياء كثيرة. كنت سعيداً بما لديَّ، وإن لم يكن لديَّ الكثير. لم أعتقد يوماً أن الإنسان بحاجة إلى المزيد دوماً كي يكون سعيداً. لذا شعرت بالاكتفاء والسعادة.

هذه السعادة باتت اليوم كالزئبق في يومياتي.

كلما اعتقدت أنني أمسكت بها، لا أجد سوى الفراغ. وهذا ما جعلني تائهاً في البحث عنها، إلى أن وجدت ” السّر”.

الأمر بسيط إذاً، قلت في نفسي. ولطالما كان لديَّ حدس بهذا الخصوص.

كلُّ ما عليَّ أن أفعله هو التالي : أجلس في مكان هادىء، وهذا ليس متوافراً في غرفتي الصغيرة في الحي الشعبي الذي أقطن فيه، أبحث في داخلي عما أريده من الحياة، أفكر بشكل ايجابي بأن ما أريده سوف أحصل عليه، أبعث بتصورات مضيئة من حولي، أتخيَّل فيها نفسي وقد حصلت على ما أريد.

 وفي هذه اللحظة بالتحديد، تعمل كلُّ القوى الكونية لتلبية هذا الطلب !

إلى العمل إذاً ! كان أول شيء فعلته هو أنني ذهبت إلى مكان هادىء. طريق فرعية ألجأ إليها عادة لممارسة الرياضة. كانت خالية تماماً من أيِّ أثر للناس، فيما الضوء ينسحب من الأجواء أمام الليل الهابط باسترخاء.

جلست تحت شجرة زيتون صغيرة، وأجلت النظر في الخلاء. تذكّرت ما قيل عن بوذا حين جلس تحت شجرة التين الهندي، واستلهم كلَّ فلسفته ورؤياه من تلك الجلسة.

 بدا التشبيه محبباً إلى نفسي، وضخ فيَّ جرعة من التوقع والحماسة. لا بدَّ أن شيئاً سيحصل، همست في أعماقي. أنا هنا، ولا بدَّ أن يسمعني الكون هذه المرة.

راودتني فكرة سريعة. ” ماذا تقصد الكاتبة بالكون؟”. لم أقف عندها طويلاً. كان عليَّ أن ابدأ.

تنفَّست عميقاً، ورحت أبحث في داخلي عن السؤال. صحيح ! لم أفكر قبل أن آتي إلى هنا بالسؤال. ماذا عليَّ أن أسال الكون ؟ ماذا أريد؟

ماذا أريد لأكون سعيداً؟ أليس هذا ما أبحث عنه ؟ أليس هذا ما أفتقده ؟ بلى. السرُّ يقول إن عليَّ أن أكون إيجابياً وأطلب ما أريد.

وفجأة توقَّف فكري عن العمل، كأنه تعرَّض للتو لأزمة قلبية، واكتشفت أنه ليس لديَّ سؤال محدَّد.

لا أعرف ما أريد ! لم يقل لي أحد كيف أتخطى هذه الأزمة في وجودي، وإلا كيف عليَّ أن أطلب من الكون ما يسعدني.

هل أطلب المال؟ عملاً جديدا؟ جولة حول العالم؟ منزل عند سفح جبال الألب؟ عشق جديد؟ إثارة لم أذقها قبلاً؟ شهرة ؟ سلطة ؟ اختبار روحي غير مسبوق ؟…

ما الذي يكمِّل نقصي ويملؤني ؟

ما الذي يجفِّف قلقي ومخاوفي؟

كيف أمحو وجوه العبث التي تختبىء خلف الأحداث الكبيرة؟

تراكمت الاسئلة في رأسي، وبدأ نفسي يضيق. وكأنَّ العتمة تواطأت مع هذه الفوضى، فاحتلت بلحظة الأفق من حولي.

رحت أجيل النظر ببعض المتنـزهين الذين لم ألمحهم قبلاً، وأسأل نفسي : ماذا يدور في رؤوسهم في هذه اللحظات؟

هل ما يشغلني يشغلهم؟

هل لدينا القلق نفسه؟ والرغبة نفسها؟ والفوضى نفسها في رؤوسنا؟

… ثم ظهر هو من بعيد. كلب صغير أبيض يهرول قرب صاحبته متلذِّذا بالنزهة والمكان.

راقبته قليلاً، قبل أن تضيىء فكرة لامعة في رأسي :

“لماذا لا أطلب من الكون أن يقترب مني هذا الكلب لأداعبه؟

إذا كان السرُّ يعمل، فلا حدود لخياراتنا. أريده أن يأتي صوبي الآن. هذه رغبتي، وقد عبَّرت عنها”.

بدأت أركِّز تفكيري على هذه الرغبة، وتخيلت الكلب يركض بحركة بطيئة صوبي ويرتمي في أحضاني. حتى أنني شعرت بلعابه فوق وجهي.

ظلَّ نظري محدِّقا بالكلب، وفكري يعمل على جذبه إليَّ. شعرت بقوة باطنية وحرارة تتمدَّد في شراييني، فأدركت أن شيئاً ما سيحصل.

كان الأمر أشبه بحلم يحصل في الحديقة الخلفية للوعي. وكقدر لا مفرَّ منه، بدأ الكلب يقطع خطواته الأخيرة صوبي، قبل أن يغلَّ برأسه في حضني، ويعمل أنفه في ملابسي.

انفجرت الحرارة في داخلي، وصرخت بصوت مسموع :” لقد نجح الأمر، السرُّ يعمل، والكون يلبي رغباتي!”.

صرخت بهذا وأنا أداعب الكلب كأنه عشيقتي. وجاءني صوت صاحبته التي لم أنتبه حتى إلى وجودها:

–  ” حتى كلبي الشقي يجدك ظريفاً!”.

–  ” أترين ؟ أجبتها. لقد تحقق الآن حدث سيقلب حياتي رأساً على عقب”.

–  ” وأتمنى أن يقلب حياتي أيضاً”، قالت.

–  ” الكون يلبي رغباتنا، قلت لها، اذا عرفنا كيف نطلبها بايجابية “.

–  ” لمحتك مراراً هنا، وكانت لدي رغبة بالتعرف اليك”.

–  ” شعرت أنه مدفوع صوبي، وكأنَّ قوة خارجية تجذبه، وهو لا يمتنع″.

–  ” لقد لفحتني هذه القوة أيضاً”.

–  ” الأمر مذهل ! أشبه بالعجائب”.

–  ” مذهل طبعاً”.

– ” سأبحث الآن عن السؤال الكبير : ماذا اريد من الكون لأكون سعيداً؟ بعدها سأدع السّر يعمل في حياتي “.

قال هذا، ونهض مستعجلاً الذهاب. لم تضف هي شيئاً. أعادت كلبها إليها ورحلت به بعيداً.

وكان هو في طريق عودته إلى المنزل ما زال مأخوذاً بالكلب، وكانت هي مأخوذة به.

حدَّق طويلاً بالكلب حتى أنه لم يرها ابداً، وكأنها خيال !

الكاتب والاديب سمير فرحات
الكاتب والاديب سمير فرحات

اقرا للكاتب : 

صانع الراقصات

شكرا للتعليق على الموضوع