هل التواصل مع الأوروبيين سيكلف السكان الأصليين في جويانا الفرنسية هويتهم الثقافية؟
لا تدَع المصافحة القوية للقائد الأشقر الطويل مجالا للشك بأن أكثر حدود الاتحاد الأوروبي غرابة، في عمق الغابات البرازيلية الاستوائية، في أيد أمينة.
ويترأس القائد، الذي يتحدث الفرنسية بنبرة روسية ولكن يقول إنه الآن فرنسي، وحدة من 30 جنديا من “الفيلق الأجنبي الفرنسي” المسئول عن أمن منطقة جويانا الفرنسية. ويفصل نهر أويابوك المنطقة الفرنسية، الواقعة ما وراء البحار، عن البرازيل.
ويطل النهر على “حديقة تيوميوكيوماك الوطنية” البرازيلية، التي تعد واحدة من أكبر محميات الغابات المطيرة في العالم، وتقارب مساحتها مساحة هولندا ويعيش فيها بضع مئات من السكان الأصليين من شعب الوايابي.
وعادة ما تكون التجمعات السكنية محظورة على الجانب البرازيلي من المنطقة الحدودية، باستثناء “فيلا برازيل” التي تواجه قرية “كاموبي” الفرنسية على الجانب الآخر.
وكان قد تم بناء القسم الأكبر من الـ 90 منزلا الموجودة في فيلا برازيل قبل تحول تيوميوكيوماك إلى حديقة وطنية عام 2002 وتستغرق الرحلة ثماني ساعات بالقارب للوصول للتجمع الذي يعيش فيه 300 شخص، ويمتاز التجمع بالأشكال المميزة لمتاجره الصغيرة وصالونات حلاقة الشعر في الأماكن المفتوحة والحانات وبيوت الدعارة والموسيقى الصاخبة.
ويَقبل أصحاب المتاجر في فيلا برازيل الدفع باليورو، وتعمل الهواتف الجوالة الأوروبية دون تكاليف تجوال.
ويتناقض الفقر النسبي وانقطاعات الكهرباء وسط مولدات توافر الكهرباء لساعات قليلة فقط خلال اليوم، في الجانب البرازيلي، مع المروج الأنيقة وإمدادات الكهرباء التي لا تنقطع على الجانب الفرنسي من الحدود.
يقول جوزيف شانيل عمدة كاموبي، من فوق أرجوحة خشبية، وتتدلى نظارات القراءة الخاصة به فوق صدره العاري :”وُلدت هنا وسأموت هنا”.
اسمه الحقيقي هو جوزيف تشانديه، إلا أن الفرنسيين بدأوا يسمونه شانيل، ربما نسبة لبيت الأزياء الفرنسي الشهير، وانتشر الاسم.
في أيام الأحد، يختفي شانيل مثله مثل الكثير من السكان المحليين ليحتسي خمور قصب السكر المحلي “كاشاكا”.
ومن بين 1800 هم عدد سكان كاموبي هناك نحو 800 من السكان الأصليين، كثيرون منهم من النساء البرازيليات عبرن النهر لوضع أطفالهن على الأراضي الفرنسية للحصول على البدل الأوروبي لإعانة الأطفال.
يوضح شانيل :”يحصلون على ما بين 400 إلى 1200 يورو (480 دولارا إلى 1400 دولار) بناء على عمرهن وعدد الأطفال”. كما يمكن أن تكون النساء مؤهلات للحصول على مزايا اجتماعية فرنسية أخرى.
وعادة ما تنفق النساء وأقاربهن أو غيرهم هذه البدلات في فيلا برازيل، الأرخص، على الكحول، أو الوقود بالنسبة لعمال مناجم الذهب غير القانونية، وكثيرون منهم يعملون في المنطقة. وعند الغروب، يجلس الوايابيون على طاولات مليئة بعلب البيرة الفارغة بينما يلعب الأطفال على الأرض.
تقول ماريجين، وهي فتاة من الوايابي تبلغ من العمر 16 عاما وتعيش على الجانب الفرنسي من الحدود، :”كثيرون يبدأون الشرب في سن الثالثة عشر”.
يقول شانيل إن إدمان الكحوليات منتشر جدا لدرجة أنه يثير القلق حتى في فرنسا. ويتردد أيضًا أن هناك معدلات انتحار عالية بين الوايابيين. وتدرس فرنسا توزيع أغذية وغيرها من المنافع بديلاًَ عن الأموال، “إلا أن هذا لم يحدث حتى الآن”.
وخلال استراحة خلال اللقاء معه، قام شانيل عن أرجوحته وتمشّى وهو يرتدي نعال البحر صوب منزل بناه على أعمدة لحمايته من المد العالي، وجرى حفيداه باتجاهه.
هل سيظلون في المنطقة، كما فعل هو؟ حتى إذا لم ينتقلوا إلى مدينة أكبر، فمن غير المؤكد تماما أنهم سيستطيعون حماية هويتهم الثقافية من السحق تحت وطأة تأثيرات الثقافة الغربية.
وتشكك ماريان ماييه، وهي فرنسية تدرّس لـ 270 طفلا في مدرسة ابتدائية في كاموبي، في أهمية المدرسة بالنسبة لطلابها.
وتضيف :”النظام المدرسي وُضِع من جانب المستعمرين الذين يريدون إجبار الوايابي الرحالة على الاستقرار”.
وتقول متخوفة :”إنهم يفقدون ثقافتهم، لغتهم، ينسون صناعة الفخار وكيف يصطادون الأسماك والحيوانات”.
الألمانية