خبراء: التصعيد الإسرائيلي السوري.. قواعد اشتباك جديدة لا تعني بالضرورة الحرب

أثار إسقاط طائرة حربية إسرائيلية من قبل الدفاعات الجوية السورية، مخاوف من احتمال تدهور الموقف باتجاه إشعال فتيل حرب شاملة، لكن محللين استراتيجيين يعتقدون أن ما جرى يأتي في سياق عملية ترسيم جديدة لقواعد الاشتباك وقدرة الردع، وإن كانت التوقعات تشي بأنّ تلك العملية قد تستغرق أياماً أو ربما أسابيع، ما لم يحدث خطأ في الحسابات يؤدي إلى تدهور كبير.

ويقول الخبير اللبناني في الشؤون الاستراتيجية حسام مطر، لوكالة “سبوتنيك” الروسية، إن “ما يجري انعكاس لمسار بدأ خلال الأسابيع الأخيرة، حيث برزت عملية إعادة ترسيم خطوط الردع من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، في ظل المتغيرات في الميدان السوري، لجهة قرب انتهاء الحرب الأهلية، واستعادة الدولة السورية قدراتها”.

ويشير مطر إلى أن “هذه المتغيرات، التي منحت سوريا وحلفاءها، هامشاً أكبر من الحركة، على المستوى الاستراتيجي، كانت بالنسبة إلى إسرائيل والولايات المتحدة تحوّلاً كبيراً، لا بد من أن يقترن برسم جديد لخطوط الاشتباك وقواعد الردع. وفي مقابل ذلك، فإنّ المحور المقابل رأى أن إسرائيل تمادت في تحركاتها، وبالتالي كان لا بد من عمل ما لكبح عدوانيتها”.

ويرى مطر أن إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية “لم يأت في سياق الرد الروتيني من قبل الدفاعات السورية على الطائرات المغيرة، فكثافة التصدّي السوري ونوعيته، يعكس وجود قرار سياسي لوضع حد للعدوانية الإسرائيلية”، لافتاً إلى أن “حملة القصف الإسرائيلية خلال تأتي في سياق محاولة رفض تغيير المعادلة، عبر القول إن إسرائيل لا تزال قادرة على رسم قواعد الاشتباك”.

ويشير مطر إلى أن “ما جرى اليوم (إسقاط الطائرة) رسالة قوية من سوريا وحلفائها، وسيدخل ضمن معادلات الردع المقبلة، وعنصراً مهماً من محددات السياسات الإسرائيلية في سوريا”، لافتاً في هذا الإطار إلى أن إسقاط طائرة الـ “إف 16” ينضوي على تطوّر “يتجاوز الدلالات المادية من حيث الأهمية، ويتمثل في ما شكله من صدمة للوعي الإسرائيلي، القائم على فكرة التفوّق الجوي غير القابل للمس”.

وحول التداعيات المترتبة على هذا التطوّر العسكري، يقول مطر “لا أعتقد أننا ذاهبون إلى حرب، بل إلى اشتباك قد يستمر أياماً أو ربما أسابيع، تُرسم من خلاله التوازنات وقواعد الاشتباك الجديدة”، لافتاً إلى أن المتوقع هو “اختبارات بالنار ستستمر إلى أن ترسو توازنات الحرب في سوريا، ولن تصل، على الأرجح إلى درجة الحرب الشاملة، لأن لا مصلحة لأحد في إشعالها”.

ومع ذلك، يقرّ مطر بدقّة الموقف، إذ يشير إلى أن “السيناريو المنطقي، قد يدخل فيه خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى اشتعال الحرب، وذلك في حال قام أحد الأطراف، سواء بقصد أو عين قصد، بأمر لا يمكن هضمه من قبل الطرف الآخر”.

وحول دلالات تزامن هذا التصعيد مع الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون إلى الشرق الأوسط، يرى مطر أن “ما جرى خلال الفترة الماضية، كان محاولة مشتركة من إسرائيل والولايات المتحدة لرسم قواعد الاشتباك الجديدة، وهو ما شهدناه في دير الزور وتحريك ملف الكيميائي، فالهدف من كل تلك التحركات كان فرض أمر واقع جديد، تكون فيه للإسرائيليين والأمريكيين اليد العليا وحرية العمل في سوريا، وهو ما تصدّى له محور المقاومة، عبر ما جرى اليوم، والذي يعد بمثابة رسالة مضادة”.

ورداً على سؤال حول موقع روسيا من تلك التطورات، يشير مطر إلى أن “ثمة ضرورة للتفريق بين الموقف الروسي من الولايات المتحدة، والموقف الروسي من إسرائيل”.

ويوضح أنه “فيما يتعلق بالولايات المتحدة وتواجدها في الشمال السوري، نرى أن روسيا تتخذ خطوات جريئة في تقليص الحضور الأمريكي، وأما في الملف الإسرائيلي، فإنّها تقوم بدور الضابط لمستوى التوتر والتفاهمات، وتساعد على إيصال رسائل التبريد، والقيام بدور الوسيط، للوصول إلى تفاهمات تمنع تدهور الوضع، مع الحرص على عدم الإضرار بإسرائيل من جهة، وعدم تقويض الدولة السورية من جهة ثانية”.

من جهته، يقول الخبير اللبناني في الشؤون الاستراتيجية رياض عيد، في اتصال مع وكالة “سبوتنيك”، إن “إسقاط الطائرة الإسرائيلية بالمضادات الجوية السورية فوق فلسطين المحتلة يعتبر تطوّراً نوعياً في الحرب الدائرة بين إسرائيل، والولايات المتحدة من خلفها، وبين سوريا ومحور المقاومة، وروسيا من ورائهما”.

ويضيف عيد أن “أهمية هذا التطور تكمن في أن الطائرة الإسرائيلية لم تُسقَط بصواريخ (إس-300) أو (إس-400)، حتى لا تحمّل روسيا مسؤولية الأمر”، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن “روسيا قد تكون موافقة على هذا التصدّي”.

ويرى عيد أن “ما جرى يظهر أن سوريا ومحور المقاومة يسير نحو حسم الأمور في سوريا، ومنع التدخلات الإسرائيلية، ومن ورائها التدخلات الأمريكية”.

ويقول عيد إن “إسرائيل لم تكن لتجرؤ على تصعيد عملياتها ضد العمق السوري، لولا وجود ضوء أخضر أميركي، خصوصاً أن هذا التطوّر يأتي بعد الغارات الأميركية التي استهدفت دير الزور، والتي حاولت الولايات المتحدة من خلالها أن ترسم الخطوط الحمراء، لوقف اندفاعة الجيش السوري وتقدّمه باتجاه الحسم ضد القوى التكفيرية”.

ويعتبر عيد أن ما جرى هو “تطوّر نوعي” في الحرب، “فالولايات المتحدة أمام مفترق طرق، فإمّا أن ترتدع إسرائيل بعد ما جرى اليوم، وإمّا أن تكمل مخططاتها، فتتدحرج الأمور نحو مواجهة شاملة، لن تكون في صالح الأميركيين والإسرائيليين”.

ويشير عيد إلى أنه “برغم الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة في دير الزور، بقي موقفها تحت سقف المطالبة بتفاهمات مع روسيا، مع العلم بأن الموقف الروسي كان متقدماً جداً لجهة تحميل واشنطن مسؤولية دعمها للقوى الإرهابية، واتهامها بالسعي إلى تقسيم سوريا”.

ويعرب عيد عن اعتقاده بأنّ “ما جرى اليوم نقلة نوعية في مسار الحرب، ورسالة واضحة إلى الولايات المتحدة واسرائيل، مفادها أن قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط قد تغيرت”.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن “مقاتلة إف 16 إسرائيلية أسقطت بنيران سورية، فجر اليوم السبت، شمالي البلاد”، متابعا أن “أحد طياري المقاتلة الإسرائيلية أصيب بجروح خطرة أثناء إخلاء الطائرة”.

شكرا للتعليق على الموضوع