الطناحي :ماذا فعل بعد فَصلِه ليُصبح مُدربًا لمنتخب الناشئين في سويسرا

حوارات – التلغراف : في ظاهر الأمر، لا يزيد الأمر عن قصة حب عادية بين شاب مصري وطالبة سويسرية نقلت محمد الطناحي من بورسعيد إلى جنيف ليؤسس أسرة وينخرط في الحياة العملية ويُمارس هوايته الرياضية في سويسرا، لكن تفاصيل الحكاية تروي في حقيقة الأمر مسار شاب عرف كيف يُواجه صعوبات الحياة وخيباتها لينطلق مجددا مستفيدا من الفرص المتاحة ومجتهدا في تطوير قدراته والإرتقاء بمستوى كفاءته لينخرط بكل ثقة في الأوساط المهنية والرياضية السويسرية التي لا مجال للتهاون أو التراخي فيها.

بعد فصله من كلية التربية الرياضية بجامعة قناة السويس التي قضى فيها عامين بسبب عدم مواظبته على حضور المحاضرات العملية (بحكم انشغاله باللعب ضمن فريق الهوكي باتحاد الشرطة الرياضي، فضلاً عن اللعب ضمن منتخب مصر للناشئين)، لم ييأس الشاب محمد يوسف محمد الطناحي، ابن مدينة بورسعيد البالغ من العمر اليوم 42 سنة ولم يستسلم..  وبعد شهرين من العلاج من الإكتئاب الذي أصابه، لتبخر حلمه الأول، وبمساعدة نفسية قوية من أسرته، حول مساره للدراسة بالمعهد الفني التجاري ببورسعيد ليتخرج منه بعد عامين.

إثر ذلك، قام بإطلاق “إنترنت كافيه” بفضل مبلغ بسيط اقترضه، واستمر المشروع ناجحًا لمدة عامين حيث كان يدر عليه دخلا محترما يكفي لسداد مصاريفه إلى جانب الراتب الذي كان يتقاضاه من اللعب ضمن فريق الهوكي التابع لنادي الشرطة.

في الأثناء، ساعده تحدثه بالإنجليزية في الحصول على فرصة عمل بأحد المنتجعات السياحية بمدينة الغردقة جنوب البلاد، وأتاحت له طبيعة عمله الإحتكاك بالسياح الأجانب وإجادة لغة شكسبير. وفي عام 2008، تقابل الشاب المصري محمد يوسف محمد الطناحي، مع عائلة سويسرية، تتكون من أب وأم وابنتين، في فندق بالأقصر، ولفتت إحداهما نظره حيث كانت تدرس علم المصريات بجامعة جنيف وصارت بينهما قصة حب.. وبعد أن عادوا إلى بلادهم التحق بهم.

تزوج الطناحي، من الفتاة السويسرية، وأنجب منها طفلة، عمرها الآن 3 سنوات، وبدأ رحلة الكفاح، فتعلم اللغة الفرنسية، وحصل على شهادة بإجادتها، وعمل في مجال السياحة العلاجية، ولم ينس خلال هذه الرحلة هوايته القديمة، أي لعبة الهوكي، فمارسها في البداية بشكل أسبوعي كهواية، ثم انتظم في التدريبات واكتسب لياقة المبارايات ثم لعب لموسميْن في الفريق الأول بنادي ستاد لوزانرابط خارجي، وبعدها اتجه إلى عالم التدريب.

ظل الشاب الذي مارس رياضة الهوكي هاويًا بمصر يجتهد ويتعلم أصول وقواعد التدريب، حتى حصل على الجنسية السويسرية في عام 2017، وصار حاليًا مدربًا بالأكاديمية السويسرية للهوكي، وعضوًا برابطة المدربين القوميين للإتحاد السويسري، فضلاً عن عضويته بمجلس إدارة فريق HCLCرابط خارجي للهوكي بمدينة “رول” Rolle في كانتون فُو، ومدربًا للفريق في الوقت نفسه.

في البداية، كيف سافرت إلى سويسرا؟

بعد حصولي على دبلوم المعهد الفني التجاري ببورسعيد، وأثناء زيارتي لمدينة الغردقة، السياحية، مع أحد أصدقائي، لقضاء عدة أّيام، عُرِّضَ عليّ العمل داخل إحدى المنتجعات السياحية، فوافقت، وتسلمت العمل، وظللت به 8 سنوات، اكتسبت خلالها خبرات جيّدة، إضافة إلى تكوين شبكة علاقات قوية في مصر وخارجها، وكانت طبيعة عملي تقتضي التعامل المباشر مع السياح الأجانب، وقد ساعدني هذا العمل على إجادة اللغة الإنجليزية. وأثناء عملي في فندق سوڤتيل الأقصر، وبالتحديد في عام 2008، تقابلت مع عائلة سويسرية، تتكون من أب وأم وابنتين، لفتت إحداهما نظري، حيث كانت تدرس علم المصريات في جامعة جنيف وصارت بيننا قصة حب، وعندما عادوا إلى سويسرا، قررتُ السفر إليها للإقتران بها وبالفعل تم الزواج وصار لديّ منها اليوم طفلة عمرها ثلاث سنوات.

وكيف صارت حياتُك أول ما وطئت أقدامُك أرض سويسرا؟

كان عليّ أن أبدأ من الصفر، حتى أجد فرصة عمل مناسبة، داخل المجتمع السويسري، حتى لا أكون عالة على أسرتي، حيث بدأت حياتي في مدينة “ڤيڤي” Vevey، بتعلم اللغة الفرنسية، بهدف إجادتها والوصول إلى المستوى B2، والحصول على شهادة تؤهلني للعمل في مجال السياحة، فقد كنت أعلم جيّدا أن العمل في أوروبا، يتطلب شهادات دراسية، وشهادات خبرة من داخل البلد، الذي تقيم فيه، أو من إحدى دول الاتحاد الأوروبي، ولكي أستطيع أن أواصل مسيرتي في التعلم، عملت في بعض المطاعم بالمدينة، وقضيت هذه الفترة بين العمل والتعلم.

في عام 2015، وبعد ثلاث سنوات من الدراسة والتعلم، حصلت على شهادة إجادة اللغة الفرنسية، المستوى B2، وكان عليَّ في الخطوة التالية أن أتحصل على المعرفة بالسياحة العلاجية، في سويسرا، وبالفعل حصلت على الشهادة المطلوبة بعد فترة دراسة عملية ونظرية استمرت عامًا كاملاً، مما أهلني للحصول على فرصة عمل جيّدة في مجال تخصصي الجديد بعقد عمل يمتد لعدة سنوات مقبلة، وحاليًا أجهز لمشروع خاص أنتظر أن يبدأ عام 2020.

قبل الحوار أخبرتني أنك تهوى لعبة الهوكي.. فما قصتك معها؟

حبي لهذه اللعبة قديم، حيث كنت ألعب الهوكي في نادي المصري البورسعيدي، وعندما أنهيت دراستي الثانوية التحقت بكلية التربية الرياضية لأنمي مهاراتي وقدراتي في الهوكي، وبالفعل لعبت ضمن فريق الهوكي باتحاد الشرطة الرياضي، ونادي الزمالك، كما لعبت لمنتخب مصر للناشئين، واندمجت مع اللعبة، وكثر سفري من بلدتي بورسعيد، للعب مع الفريق في الدوري، ولحضور معسكرات الإعداد، في داخل مصر وخارجها، مما جعلني أهمل الكلية، فتم فصلي منها، بعدما أمضيت عامين بها، مما اضطرني لتحويل مساري التعليمي إلى المعهد الفني التجاري.

الطناحي يشرح خطة اللعب لعدد من لاعبي المنتخب السويسري للناشئين خلال إحدى الحصص التدريبية (swissinfo.ch)
الطناحي يشرح خطة اللعب لعدد من لاعبي المنتخب السويسري للناشئين خلال إحدى الحصص التدريبية (swissinfo.ch)

هل امتدت هوايتك لـ “الهوكي” إلى الأراضي السويسرية؟

بالتأكيد، فبعدما وصلت إلى سويسرا، وأثناء فترة تعلمي للغة الفرنسية، كنت أمارس هوايتي بلعب الهوكي، لبعض الوقت، في نادي ستاد لوزان stade lausanne، واستمر الأمر حتى لعبت للفريق الأول للنادي لموسمين، ثم اتجهت بعدها إلى التدريب، وشاءت الظروف أن يتم تخصيص مدينة رول Rolle لإدخال لعبة الهوكي بشكل رسمي. وكانت البداية من المدارس والصالات المغلقة لهذه المدارس، حتى صار هناك عددٌ كبير من اللاعبين واللاعبات، وتمت الموافقة على إنشاء ملعب للهوكي بعد عامين فقط من بداية المشروع، وكان هناك فريق عمل ممتاز، يعمل معي، بحرفية عالية.

وفي عام 2012، تم ترشيحي للعمل مع الاتحاد السويسري للهوكي، وتم إنشاء أكاديمية لناشئي الهوكي، وكان مشروعًا ممتازًا، ساهم في إنجاحه وجود فريق عمل منظم ومحترف لهذه اللعبة، ثم تم تعييني مدربًا للعبة بالإتحاد السويسري للهوكي.

وفي سبتمبر 2017، حصلت على الجنسية السويسرية، وأعمل حاليًا مدربًا بالأكاديمية السويسرية للهوكيرابط خارجي، وعضوًا برابطة المدربين القوميين للإتحاد السويسري، فضلاً عن كوني عضوًا بمجلس إدارة فريق HCLC للهوكي بمدينة رول Rolle (كانتون فو) ومدربًا للفريق في الوقت نفسه.

كيف تدربت على لعبة الهوكي في سويسرا؟

تدربت مع نادي ستاد لوزان، وقد واجهت في البداية تحديًا كبيرًا لكي أكون جاهزًا للعب مع الفريق الأول، لأني عندما وصلت إلى سويسرا كنت ألعب الهوكي من باب الترفيه يومًا واحدًا في الأسبوع مع فريق الرواد، ولكن بعد فترة طُلِبَ مني أن ألعب مع الفريق الأول، وأنا في سن الـخامسة والثلاثين، والمشكلة أني كنت متوقفًا عن لعب المبارايات منذ ثمانية أعوام، ومن ثم كانت لياقتي البدنية بعيدة عما هو مطلوب لخوض المبارايات، فكان أمامي تحد كبير يتمثل في الوصول إلى الجهوزية اللازمة واكتساب لياقة المبارايات.

ما هي المصاعب التي واجهتها خلال اللعب والتدريب في سويسرا؟

الحقيقة أنها مصاعب عدة، أبرزها وأهمها كان الوصول إلى القوة البدنية والجاهزية الفنية المطلوبة لخوض المبارايات، كما أن التواصل مع اللاعبين والمدربين، كان في البداية بالإنجليزية فقط، وقد تغلبت على هذا التحدي بعمل فترة إعداد خاصة، لمدة ثلاثة أشهر، تعلمت خلالها اللغة الإنجليزية.

صورة تجمع المدرب محمد الطناحي مع عدد من لاعبي منتخب الناشئين السويسري لرياضة الهوكي (swissinfo.ch)
صورة تجمع المدرب محمد الطناحي مع عدد من لاعبي منتخب الناشئين السويسري لرياضة الهوكي (swissinfo.ch)

وماذا تعلمت خلال ممارستك واحتكاكك بالآخرين في الهوكي؟

تعلمت أشياء كثيرة، أهمها: دقة التنظيم، واحترام الوقت، والإهتمام بإدخال برامج ترفيهية للأسر وأولياء أمور اللاعبين الناشئين، فضلاً عن الإحترام المتبادل لكل أفراد ومكونات منظومة اللعبة من إداريين ولاعبين ومدربين وأولياء أمور،… إلخ.

وماذا عن خصوصيات التدريب العملي؟

التدريب العملي للمدربين يُساعد على تطوير الأداء الفني والمهاري، وتحسين اللياقة البدنية، بالإضافة إلى اكتشاف طرق جديدة للعب للوصول بالبراعم والناشئين إلى الهدف المطلوب. لا يجب أن ننسى أيضا أن الوقت عاملٌ أساسيٌ لإنتاج لاعب قادر على تمثيل بلاده في المحافل الدولية.

ما تقييمك الشخصي لمناهج التدريب في سويسرا؟

مناهج التدريب في سويسرا، تعتمد على آخر ما توصل إليه العلم في عالم التدريب لجميع الفئات العمرية، فضلاً عن المستوى الممتاز من التعليم، إضافة إلى أن عملنا كمدربين يدفعنا للبحث عن الجديد في عالم التدريب، والإطلاع على أفضل طرق التدريب والأداء لعدد من المدارس العالمية المختلفة، وفي النهاية يترك لنا مساحة للإبداع.

وماذا عن علاقتك بأولياء أمور اللاعبين الناشئين؟

بحكم عملي كمدرب للناشئين، ولأن الكثير من أولياء الأمور يحضرون التدريبات، ويتابعون أبناءهم، لذا فإنني أكون حريصًا بعد انتهاء التدريبات على أن ألتقي بهم وأتبادل معهم أطراف الحديث حول أولادهم، في محاولة للتعرف على صفاتهم وعلى أفضل الطرق للتعامل معهم. وبالفعل، لمست منهم احترامًا كبيرًا حيث استطعنا أن نكَوِّنّ فريق عمل من بعض أولياء الأمور ومدربي الأندية ومسؤولي الإدارات مما ساهم في زيادة التفاهم والتعاون لمصلحة اللعبة والناشئين.

من خلال تجربتك، بماذا تنصح الشباب الراغب في الهجرة أو السفر إلى الخارج؟

أقول للشباب المصري والعربي عموما، إن السفر إلى الخارج ليس صعبًا، لكن التحدي الحقيقي يكمن في القدرة على تحقيق الأحلام والطموحات، ففي عالمنا اليوم الكثير من المعلومات على شبكة الإنترنت التي يمكن أن نستفيد منها دون الحاجة إلى الأشخاص، والإجابة على الأسئلة التي تدور في ذهن كل شاب موجودة على الإنترنت، وتستطيع أن تبدأ خطوة بخطوة، وكل ما تحتاجه هو تعلم اللغة، والإلمام بالإنترنت، والقدرة على البحث عما تحتاجه.

وعلى أي شاب يريد السفر إلى أوروبا عمومًا وإلى سويسرا على وجه الخصوص، أن يتعلم لغة البلد (6 أشهر-عمل)، ويتعرف علي إجراءات السفر والتحضير له (من سنة إلى سنتين)، ثم السفر كسياحة أولاً للتعرف علي عادات وتقاليد البلد وتكوين صداقات، أو العمل في مجال السياحة داخل مصر، للتعرف عن قرب على العادات والتقاليد، وإجادة اللغة، كما أن العمل في أي دولة بأوروبا، يستلزم الحصول على شهادة في المجال الذي تود أن تعمل به من داخل البلد الذي تريد أن تعيش فيه.

swissinfo.ch

حوار : همام سرحان

شكرا للتعليق على الموضوع