يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

وصلت الام امام بوابة المدرسة فى الوقت المحدد بالظبط … كانت الليلة هى ليلة اجتماع اولياء الامور بالمعلمين حيث سيتمكنون من تبادل الحديث مع كل معلم على حدى وجهاً لوجه ، لمتابعة ومناقشة تقدم ابنه اًو ابنته فى الدراسة حتى الان …. فقد مر على التحاق الطلاب بالسنة الدراسية الجديدة ما يقرب من ثلاثة اشهر فى المدرسة الألماني الدولية ….

وكانت الام قد قررت ان تركز على ابنتها الوسطى هذه المرة ، امتثالاً لرغبة ابنتها الكبرى التى رأت انه من غير الضروري ان تقابل والدتها اى من المعلمين اليوم ، نظراً لحقيقة انها تحدثت اليهم منذ فترة وجيزة …

وعليه فقد دخلت الام ، وقد ركزت كلياً على ابنتها الطالبة فى الصف الاول الثانوى !!!

ولأن ابنتها كانت مرتبة و محددة مثلها تماماً ، فقد نجحت فى حجز مواعيد متتالية مع جميع المدرسين بحيث لا تستغرق الام وقتاً طويلاً فى المدرسة …..

وعليه فقد قابلت الام جميع المعلمين فى غضون ساعة تقريباً دون ان تواجه اى عناء اًو صعوبة ….

“والله برافو عليكى يا بنتى ، جدعة ، أروبة انتى وواعية وظبطتى المواعيد تمام …. حاسة بأمك ” هكذا حدثت الام نفسها ….

استمعت لكل ملاحظاتهم بعناية فائقة ، فهذه طبيعتها حين يتعلق الامر بأولادها …. رغم انشغالها بعملها ومتطلباته الا ان اولادها كانوا ولا يزالوا وسوف يبقوا أولوية لا جدال ولا نقاش عليها !!!

اجمع الكل ، على أنها تلميذة نجيبة ، ذكية ، ملتزمة ، لديها احساس عالى بالمسئولية والواجب ….

“طلعالى …. حبيبة أمها … ربنا يحفظها ويحميها ” وعلت وجه الام ابتسامة فخر واعتزاز ….

لم يؤرقها سوى شئ واحد ، اجمع عليه الكل مرة أخرى وهو انه وبالرغم من تفوق ابنتها الا انها قليلة الكلام داخل الفصل ونادراً ما ترفع يدها اًو تبادر بالإجابة عن سؤال …. رغم يقينهم أنها تعرف الإجابة ، الا انها تتردد كثيراً وتفضل الصمت …. الشئ الذى يغضبهم أحياناً كثيرة !!!!

“مممممم ، انا عارفه السبب … طلعالى وانا صغيرة نسخة منى” وبدأت الام فى تفسير الأسباب وراء هذا السلوك …

عادت الى البيت ، وقد عقدت العزم على التحدث الى ابنتها الليلة …. فالموضوع لا يحتمل التأجيل …. بدأت تستجمع الكلام وتذكرت كيف انها تعلمت فى عملها ان تعطى الآخرين نقد بناء، او بالأصح رأى بناء …

“حبيبة مامى … تعالى عايزاكى”

“خير يا مامى … ايه … هتهزق !!” وضحكت على استحياء ..

“لا طبعاً يا حبيبتى … تعالى جنب مامى “

وأشارت اليها لتجلس بجانبها فى الفراش …

“انا فخورة وفرحانه بيكى ….. رفعتى راسى والله … بتتفتح نفسى كل ما اروح المدرسة واسأل عليكى”

ابتسمت الابنة واحمر وجهها خجلاً وسعادة ….

“بجد يا مامى … قالوا ايه طيب !؟”

“قالوا عليكى ذكيه ، شاطرة ، جد ، ملتزمة ، مجتهدة ، وعارفه واجباتك كويس …. وقالولى نفسهم يسمعوا صوتك !!!!”

هنا ضحكت الابنة بصوت هادئ ، ضحكة يكسوها الدلال والرقة والعزوبة …

“هو انت مش بتسمعيهم صوتك ليه …. قصدى يعنى مش بتشاركى فى الفصل ليه … تاخدى وتدى معاهم … تجاوبى على سؤال … تسألى سؤال …. على الأقل تثبتيلهم انك بتتكلمى “

وهنا أخذت الام ابنتها فى أحضانها وظلت تمشط شعر ابنتها بأصابعها …

“انت عارفه انك نسخة منى فى كل حاجة … انا وانا صغيرة كنت زيك بالظبط … المدرسين كلهم يحبونى ويبقوا مستنين اجيب نمر حلوه فى المادة بتاعتهم …. وكنت زيك قليلة الكلام … وعشان انا كنت زيك … عارفه بالظبط ليه مش بتتكلمى”

رفعت الابنة رأسها من على كتف أمها ونظرت اليها بعينين تملأهما الدهشة

“احنا اصلنا محسوكين حبتين ، بندور على الكمال فى كل حاجة … حتى فى إجاباتنا … لو مش متاكدين ان الإجابة صح مليون المية مش بترد … بنخاف نغلط ، ولو غلطنا هنتكسف ولو انكسفنا هنزعل اوى …. “

” بالظبط يا مامى … “

“فهماكى صح !!”

“فهمانى اوى … عرفتى ازاى !؟”

“ما انا قلتلك انا شبهك … بصى يا حبيبتى … نصيحة واسمعيها منى … انا يمكن كنت زيك وانا صغيرة … لكن اتغيرت… كان لازم اتغير … الدنيا يا حبيبتى عبارة عّن سلسلة متواصلة من الاختيارات والمخاطر …. لو وقفنا قدامها كلها وخفنا منها ، وخفنا كل مرة من احتمال الفشل ، عمرنا ما هنوصل لاى مكان … هنفضل فى مكاننا محلك سر … الناس هتنط وتسبق وتعدى وتوصل واحنا واقفين محلك سر … ممكن طبعا ناخد خطوة ونقع … احتمال وارد جدا … لكن برضه وارد جداً ناخد الخطوة ونعدى لقدام …

مينفعش نقضى عمرنا خايفين نتكلم لا نغلط ، خايفين نمشى لا نقع ، خايفين نخاطر لا نخسر ، خايفين نجرب لنفشل …. مينفعش

يمكن هتتعلمى حاجات كتير فى المدرسة ، لكن عارفه ايه اكتر حاجة هتتعلمى منها !!!”

“ايه !؟”

“تجاربك واخطائك … الغلط اللى تقعى فى مرة صعب جداً تقعى فى تانى لانك هتكونى اتعلمتى منه درس عمرك ما هتنسيه …. اللى هتجاوبيه غلط انهارده ، بكره تجاوبيه صح … مش نهاية العالم حبيبتى … اغلطى وصلحى … عادى جداً

خالى عندك الشجاعة الكافية انك تواجهى احتمال الغلط … احتمال الفشل …. لان الشجاعة دى هى اللى هتقودك للنجاح ….”

“ممكن حضن يا مامى … انا بحبك اوى”

“وانا كمان بحبك … اوعدينى صوتك يجلجل كده …”

” هههههههه حاضر … صوتى هيجلجل”

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة 

يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

شكرا للتعليق على الموضوع