هيفاء العرب تكتب :ثروة الفكر الإنساني بين الفوضى والتنوع

ماذا نريد من هذا العالم؟ وما الذي يريده هو منّا؟

كيف نفهم “الثروة الإنسانية”، ثروة الفكر الإنساني، في عالم بات الحيز الأكبر منه افتراضيًا؟

ماذا يجب أن نقبل وماذا نرفض من هذا الكم الهائل من التنوع في الأفكار والمفاهيم والآراء؟

ثمّ كيف لنا أن نوازن بين ما نقبل وما نرفض؟ كيف نميز بين ما يفيدنا وما لا يفيدنا؟

التطور التكنولوجي قدّم للكثيرين نافذة على حرية التعبير، كما قدّم منصّة لثروة المواهب الإنسانية الفذة. لكنّ هذه النافذة “الدخيلة” على حياتنا تبدو مربكة أحيانًا، إذ تقدّم كمًّا من التنوع يصعب “هضمه”، وحريةً “تلوث” في بعض المواقع مبادئ الطبيعة وقوانينها، وجيلًا صاعدًا متفوّقًا في كل شيء، بحسب رأيه… و”متفوّق” أيضًا في “أناه”…

الفكر الإنساني ثروة بحد ذاته، وليس بالغريب أن يحمل التطور التكنولوجي دائرة لامتناهية من التنوع نابعة من هذه الثروة. ولكن للحؤول دون تحوّل هذا التنوع إلى فوضى لا بدّ من الارتكاز إلى مبادئ إنسانية تجعل كل تطوّر في خدمة إنسان الحاضر والمستقبل، في خدمة الأجيال كافة بحيث لا يدخل أي جيل في عزلة عن الآخر، أو في عزلة عن تداخل التطوّر التكنولوجي في تفاصيل الحياة اليومية كافة.

العلوم الإنسانية، علوم الإيزوتيريك قدّمت صورة شاملة للتطوّر الإنساني الحقّ. هذه الصورة توضح التطوّر في شقيه المادي واللامادي، التطور الذي يربط بين الظاهر المعلن والخفي اللامنظور، وبين الإنساني والبشري من منطلق الربط بين الأصل (الإنساني) والانعكاس (البشري)… فكل ما هو إنساني مؤسّس على مبادئ كونية، وهو جزء من منظومة التطور الإنساني الذي يشمل المادة واللامادة معًا. في المقابل كل ما هو بشري خاضع لتجربة الإنسان الأرضية التي قد تلتزم المبادئ الإنسانية حينًا وتتجاهلها أحيانًا… فعلوم الإيزوتيريك أوضحت في مؤلفاتها أن الأرض هي مدرسة الإنسان، وأنّ الغاية من حياة الأرض التعلّم في ظل ممارسة حرية الاختيار الفردية المقدّسة التي منحها الخالق لمخلوقه الخاص الإنسان…

التعمّق في فهم النفس البشرية وفي ادراك أبعاد مسار التطور الإنساني يكشف أنّ الفوضى تندرج في الجانب البشري للأفراد والمجتمعات، مقابل التنوع الخلاق الذي يعبّر عنه الجانب الإنساني في كل شيء. ذلك يعني أنّ تحويل الفوضى إلى تنوع ينطلق من ركيزة أساسية ألا وهي رفع كل ما هو بشري إلى صورته الإنسانية… ولكن كيف؟

كثيرة هي الاجابات التي قدّمتها علوم الإيزوتيريك بقلم مؤسّسها الدكتور جوزيف مجدلاني (ج ب م)، اضافة إلى مؤلّفات طلاب علوم الإيزوتيريك الذين تتلمذوا على يديه لسنوات عدة. هي اجابات يضيق المجال لحصرها في سياق هذا البحث، ولكن من أهم ما يمكن التركيز عليه للتقريب بين البشري والإنساني هو مواجهة أوجه التفكّك كافة لازالتها… التفكّك العائلي في المجتمعات، التفكّك الاجتماعي في الدول، من دون اهمال ما يعاني منه الفرد من تضعضع داخلي كسبب أساس لكل مظهر من مظاهر التفكّك الخارجي التي نعاني منها. العمل على هذا التفكّك يستوجب استدراك هدف وجود الإنسان على الأرض، ألا وهو التطور في الوعي. يليه تنظيم الحريات محليًا وعالميًا بحيث لا يتحوّل التحرّر إلى تشويه لأفكار الأجيال الناشئة، وهذه مسؤولية التنشئة العائلية الواعية والمربين…

لعل النظم الاجتماعية برمتها بحاجة إلى اعادة النظر في مبدأ الحريات التي تخدم تطوّر الإنسان، يقابلها تلك التي تمعن في ابعاده عن انسانيته. فثروة الفكر الإنساني مصدرها اللحمة، لحمة الكيان الإنساني المنبعث من الوحدة. بالتالي هذا الفكر لا يعبّر عن غناه ولا يطرح ثرواته في نطاق تعمّه الفوضى ويعاني من التفكك على أكثر من صعيد، لعلّنا بذلك نعمل في سبيل ثقافة جديدة هي ثقافة الإنسان التي تلغي مبدأ الاستهلاك والفوضى والتلوث الثقافي، إن صحّ التعبير. ثقافة ترتقي بالإنسان لاحترام كيانه كإنسان أولًا، احترام جذوره كأرقى المخلوقات في نظامنا الشمسي، واحترام هدف وجوده ألا وهو التطور في الوعي الذي يلغي الفوضى ويحفّز التنوع في ظل مبادئ يسعى الجميع إلى الاقتداء بها.

إنسان اليوم بحاجة إلى الاعتراف بهويته الإنسانية كي يحقّق النهضة الفعلية، نهضة إنسان العصر الجديد، فلا يعيد الكرّة ويقع في خطيئة أسلافه التي أدت إلى حدوث الطوفان الأكبر في تاريخ البشرية، والذي أودى بالحضارة الأرقى في تاريخ الأرض، حضارة الأتلنتيد.

ثروة الفكر الإنساني عظيمة من عظمة الإنسان، واخراج هذه الثروة إلى العلن يتطلّب منّا إعادة النظر في جملة أمور منها مفهوم الحرية الحقّ، خاصة تلك الحرية التي من شأنها أن تضعضع الأسس التي تقوم عليها العائلة في المجتمعات.

وختامًا لا بد من الاشارة إلى أنّ مؤلفات سلسلة علوم الإيزوتيرك فاقت المئة مؤلف في ثماني لغات حتى تاريخه، وهي تقدم بين طواياها كل ما يحتاجه إنسان اليوم للارتقاء من فوضى الأفكار إلى التنوع الفكري-الإنساني الخلاق.

المهندسة هيفاء العرب

كاتبة وباحثة في علوم الإيزوتيريك

شكرا للتعليق على الموضوع