عبير نافع يكتب: جدد خطة حياتك

بداية، أود أن أستهل المقال بالتهنئة بقدوم شهر رمضان الكريم مع تمنياتي القلبية لكم بكل خير وصحة وسعادة، وبأن يكون هذا الشهر الفضيل بداية خير وبركة ورخاء للعالم بأسره، ثم أوجه عنايتي إلى الرد على تساؤلكم الذي يتردد في أذهانكم: 《ما القصد من وراء شعار “جدد خطة حياتك”؟ 》ولكن قبلاً، سأمهد له بعد شرح إجمالي لطريقة وأسلوب حياتنا منذ نشأتنا حتى بداية عام ٢٠٢٠ ميلادية.

منذ مولدنا، بدأ الوالدان التفكير في كيفية تنشئتنا والإعداد لهذه المهمة مع التخطيط لتحقيق أحلامهم وأمالهم وطموحاتهم وفق رؤيتهم الخاصة لمستقبلنا، ونحن أيضاً، شغلتنا الحياة في التنفيذ والقيام بهذه المهام المكلفين بها  لبلوغ الغاية المنشودة وفق رؤيتهم التي رسخوها في عقولنا، ومهما بدت الأمور واضحة وسالكة في مسارها الطبيعي، فإن اعتراض بعض العوائق والمشاكل طريق حياتنا المصوب نحو الهدف لتعقينا عن استكماله قد يعكر صفونا لبعض الوقت، ولكنها لا تؤثر على طبيعة الحياة بأجمعها، فلم يقل أحد إن الحياة بِرُمَّتِها جنة، وهكذا هي الحياة التي نعلمها بحلوها ومرها، ومن ثم، فهي اختبارات موضوعة في حيز ضيق والتي نستطيع مواجهتها دائماً.

ومع حلول العام الجديد، استبشرنا خيراً بقدومه لإتمام مسيرتنا في تحقيق أحلامنا وطموحاتنا الخاصة بنا وبأجيالنا القادمة، إلا أن مشيئة الله سبحان وتعالى، كانت في اتجاه أخر معاكس لمفهومنا عن الحياة وكإنه أراد أن يبصرنا بحقيقة أخرى غائبة عنا، فنحن دوماً نجري ونلهث وراء أحلامنا دون توقف، حتى دون أن نلتقط أنفاسنا فتجاهلنا المثل القائل: 《اجري جري الوحوش، غير رزقك لن تحوش》لهذا أراد الله أن نعيد ترتيب حياتنا وأولوياتنا، بعد أن أصبحنا نرى حياتنا بمنظور مادي بحت، دون الإحساس بجمال الحياة ذاتها وجوهرها وروحها المتمثلة في أبسط الأشياء المتناثرة هنا وهناك، والتي لم نلتفت إليها بسبب وتيرة الحياة السريعة التي لا تدع لنا مجالاً أو فسحة لاستمتاع بها وإدراك قيمتها الخافية عنا، وكإنها أمر مسَلَّم به وطبيعي، بل ونتسابق وراء أشياء أخرى للبحث عن السعادة، وهي في متناول أيدينا ولكن لا نراها.

حتى تفاجأنا في يوم من الأيام، وفي بداية العام الجديد، بحدوث أمر جلل أصاب جميع بقاع الأرض، ألا وهو انتشار وباء في صورة فيروس أطلقوا عليه اسم “كورونا” أو “كوفيد ١٩”، وتكمن خطورة هذا الفيروس في إنه سريع العدوى بصورة مفجعة ويفضي إلى الموت السريع، فانقلبت حياتنا رأساً على عقب، بل توقفت تماماً الحياة التي اعتادناها، لقد كنا دائمي التذمر والشعور بالإحباط والاكتئاب عندما نخسر بعض الأشياء  أو لعدم قدرتنا على الاحتفاظ بها أو لعدم تمكنا من الحصول عليها، أو لإحساسنا بخلو حياتنا من الإثارة والمتعة التي ننشدها لامتلاك السعادة المبتغاة، ومن هنا جاءت الحكمة الإلهية في إعطاءنا درس عن قيمة الحياة ذاتها.

في بادئ الأمر، لم نستوعب الرسالة الموجهة إلينا، لذا سيطر القلق والهلع على قلوبنا بل كاد أن يغشى علينا من هول المفاجأة، ثم تنبهنا بعد أن هدأت قلوبنا، فتراءى لنا مع الوقت ضرورة اكتشاف جمال الأشياء واللحظات التي قضيناها في الفترات السابقة ما قبل الكورونا، وافتقدناها بشدة بسبب الحظر لوجوب التباعد الاجتماعي حتى يؤدي غرض منع العدوى، ولإيقاف انتشار الفيروس مما يسهل القضاء عليه، وكنا نضع في اعتبارنا إن هذه اللحظات العابرة من الأمور المسَلَّم بها في حياتنا  وليست نعم وهبات منحها الله عز وجل لنا، حتى حُرِمنا منها في ظل العيش في أجواء الحظر الكلي او الحجر الصحي، وهي نعم كثيرة كالانطلاق والسفر والنزهات والرحلات ومقابلة الاصدقاء والصلاة في دور العبادة، بل وأيضا الاستراحة والجلوس، ولو لبضع دقائق،  في كافتيريا لارتشاف قهوة مع قطعة الحلوى، أمام مشهد الطبيعة الخلابة التي ننظر إليها من خلال نافذة المكان.

التلغراف تحاور الفنان أسامة عباس

من جانب أخر، الحظر والتزام البيت لفترات طويلة، أعاد الحياة لاجتماع الأسرة من جديد، تحت سقف واحد، وقضاء وقت ممتع داخل المنزل، بعد أن هجره كل فرد ليعيش حياته وفقاً لمراده ومزاجه الخاص، في انطلاقه المستمر خارج المنزل. حتى الطبيعة ذاتها، أخذت تتعافى من التلوث البيئي، وتسترد حيويتها وصفاءها ونضارتها، وكذلك طبقة الأوزون بدأت تتماثل للشفاء تدريجياً، وهي في طريقها إلى الإنغلاق الكلي للثقب، وهي من الأمور الجيدة التي يجب عدم إغفالها لأهميتها ولأنها في صالحنا في نهاية الأمر، للحفاظ على كوكب الأرض.

إذن، نحن جميعاً في حاجة ماسة إلى تجديد خطة حياتنا بالنظر إلى كل ما يحيط بنا من ظروف وتحديات وضرورة التكيف معها، كما يجب أن نتعلم تقدير النعم في أبسط الاشياء واستشعارها بين الحين والأخر، وأن نوزن الأمور ونضعها في نصابها الصحيح، وذلك بإضفاء الروح لجوهر حياتنا بأن نحياها كما ينبغي، وإعطاء فسحة بالوقوف أمام اللحظات الجميلة والانفراد بها لبعض الوقت، وليست فقط بالسعي الدؤوب المستمر دون توقف لتحقيق الأحلام والطموحات، كإننا في سباق محموم مع الزمن، كذلك احتياج الطبيعة إلى الراحة كل فترة، من سعار انطلاقنا في الحياة سعياً وراء طموحاتنا الخاصة بنا، تشكل ضرورة ملحة لاستعادة رونقها مما يجعلنا نعيد النظر في كيفية التعامل مع الطبيعة.

وفي نهاية الأمر، أختم قولي بإنه لكي يرحل الفيروس كورونا وقد أتم مهمته على كوكب الأرض، وجب علينا إقامة دعوة بإطلاق شعار “جدد خطة حياتك والزم بيتك”.

اقرأ للكاتبة

عبير نافع تكتب : ضرورة الثقة بالنفس

شكرا للتعليق على الموضوع