فـِـي الطـَّرِيقِ إِلـَى الدَّجَاج “قِصَّةٌ قَصِيرةْ”

الشاعر والروائي: محسن  عبد المعطي

صَبـِيحَة َالأَحَدْ، مُنـْذ ُطـُلـُوعِ الـْفـَجـْرِ ،وَالنـِّسْوَة ُيَنـْتـَظِرْنَ قـُدُومَ الـْجَرَّارِ الزِّرَاعِي ،يَجُرُّ مَقـْطـُورَة َالـْقـِمَامَةِ وَ الـْجَرَّارُ لاَ يَجِيء عِنـْدَهُ إِجَازَة ٌ،وَالنـِّسَاءُ وَاقـِفـَاتٌ حَائـِرَاتٌ ،إِحْدَاهُنَّ وضـَعَتْ يـَدَهَا عَلَى خَدِّهَا مِنْ كـَثـْرَةِ الاِنـْتـِظـَارْ وَالـْحَاجُّ /عَبـْدُ الـْعَاطِي صَقـْر ،وَقـَفَ إِلـَى جِوَارِ الـْحَدِيدِ الـَّذِي اشْتـَرَاهُ لـِلـْبـِنـَاءِ ،سَأَلـَتْ إِحْدَى النـِّسْوَة ُ:مِنْ أَيْنَ أَتـَى بـِهَذَا الـْحَدِيدِ؟! أَجَابـَتـْهَا الأُخْرَى مِنْ فُلـُوسِ السُّعُودِيَّةِ ،ذَهَبَ ابـْنـُهُ الحَلَّاقُ أَحْمَدُ لـِلـْعَمَلِ بـِالـْمَمْلـَكـَةِ الـْعَرَبـِيَّة ِالسُّعُودِيَّةِ وَبـَعَثَ أَمْوَالا ًكـَثـِيرَة ً الـْحَاجُّ /عَبـْدُ الـْعَاطِي صَقـْر يَقِفُ كـَشُرْطِيِّ الـْمُرُورِ يُنـَظـِّمُ أَفـْوَاجَ النـَّاسِ الـَّتـِي أَتـَتْ مِنَ الأَزِقـَّةِ وَالحَوَاري لـِرَمْيِ الـْقـِمَامَةِ وَالـْحَاجَّة ُزَيْنَبُ مُرَادَه، تَجْلِسُ، تـَرْتـَدِي جِلـْبـَابـَهَا الأَسْمَرَ، تـَتـَنـَاجَى مَعَ أُمِّ حُسـْنـِي وَالدِّيكُ الشَرْكَسِي يُؤَذ ِّنُ عَلَى فـَتـَرَاتٍ كـُو كـُو كـُو، كـُو كـُو كـُو، وَكَأَنـَّهُ يُغَنـِّيهَا وَيُدَنـْدِنـُهَا وَيُلَحِّنـُهَا، وَامْرَأَة ُمَمْدُوحٍ قـَاعِدَة ٌبـِالـْفـِجْلِ وَالـْجَرْجِيرِ تُنـَادِي عَلَى رِزْقـِهَا وَحَمَاتـُهَا وَاقـِفـَة ٌتـَعُدُّ عَلـَيْهَا، مَرَّ وَلـَدٌ بِدَرَّاجَتـِهِ ،فـِيمَا كَانَ ابـْنُ مَمْدُوحٍ يَلـْعَبُ عَلَى حَدِيدِ عَبـْدِ الـْعَاطِي خَلـْفَ أُمِّهِ وَأَصْبَحَ عَبـْدُ الـْعَاطِي حَزِينـا ً عَلَى ضَيَاعِ رِزْقـِهِ لأَنـَّهُ أَتـَى بـِالـْخَسِّ قـَبْلَ الـْبَارِحَةِ وَلـَمْ يَبـِعْ مِنـْهُ شَيْئا ًوَنـَظَرْتُ لـَهُ فـَوَجَدْتـُهُ يَشْكُو بـَثـَّهُ وَحُزْنـَهُ إِلَى اللهِ وَالـْبـِنـْتُ مَرْيَمُ تـُطَيِّبُ خَاطِرَهُ بـِشِرَاء ِ خَسَّايَتـَيْنِ وتـَقـُولُ لـَهُ:لاَ تـَحْزَنْ يَا عَمُّ عَبـْدَ الـْعَاطِي الأَرْزَاقُ بـِيَدِ اللهِ وَلـَنْ يَضِيعَ مِنْ رِزْقِكَ شَيْءٌ، وَجَدْتُ عَائِلَةَ َالأَحْوَلِ، نـِسَاءً وَرِجَالا ًوَشَبَابا ً،يَسْعَوْنَ إِلَى رِزْقِهِمْ ،ذَاهِبـِينَ إِلَى حُقـُولـِهِمْ، يُنَاجُونَ رَبـَّهُمْ وَيَجْمَعُونَ الـْمَحْصُولَ،رَاجِينَ اللهَ أَنْ يُكـْثـِرَ لـَهُمْ فِي مَحْصُولِ الـْبـِسِلـَّةِ الـَّتِي هُمْ ذَاهِبُونَ لِجَمْعِهَا ، النـِّسْوَة ُ يَشْتـَرِينَ السِّرِيسَ وَالـْفـِجْلَ وَالـْجَرْجِيرَ وَالشَّبـَتَ وَالـْكـُسـْبـَرَة وَالـْكـُرُنـْبَ وَالـْبـَصَلَ الأَخْضَرَ،وَعَلَى غـَفـْلـَة ٍأَتـَى الـْجَرَّارِ، وَأَخَذَتْ كـُلُّ امْرَأَةٍ تـَسْتـَجْمِعُ قـُوَاهَا، وَتـُزَاحِمُ بِنـَفـْسِهَا وَتـُسَابـِقُ غَيْرَهَا لأَخْذِ دَوْرٍ أَمَامِيٍّ فِي طَابـُور ِالـْقـِمَامَةِ، لـِلـْوُصـُولِ إِلَى الـْجَرَّارِ وَحِينَ ذَاكَ انـْتـَفـَضَ عَامِلُ الـْجَرَّارِ يُوسُفُ السَّامُولـِي الشَّهِيرُ بـِشَطـَّة َ، وَصَاحَ:بـِالدَّوْرِ بـِالدَّوْرِ وَلـَكـِنَّ النـِّسَاءَ لاَ يَهَبْنَ شَيْئا ً،وَلاَ يَسْمَعْنَ شَيْئا ًلأَنَّ فِي آذَانـِهِنَّ وَقـْرا ً،وكـَأَنـَّهُنَّ(صُمٌ بـُكـْمٌ عُمْيٌ فـَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ) {سُورَة الـْبـَقـَرَةِ الآيَةُ ُ18}.

وَنـَظَرْتُ إِلـَيْهِمْ نـَظـْرَة َبـُؤْس ٍوَإِحْبَاطٍ تـَارَة ًأَنـْظـُرُ إِلَى َالـْقـِمَامَةِ وَوَضـْعِهَا وَشَكْلِهَا تـَارَة ًأَتـَفـَكـَّرُ فِي وَضـْعِ النـِّسْوَةِ وَسُوءِ حَظـِّهـِنَّ فـَالـْمْرْأَة ُ شَيْءٌ جَمِيلٌ وَمُقـَدَّسٌ،خَصَّصَ اللَّهُ لِلنـِّسَاءِ سُورَة ً فِي الـْقـُرْآن ِفَلاَ يَنـْبَغِي لـَهُنَّ أَنْ يُهِنَّ أَنـْفـُسَهُنَّ مُخْـتـَلِطـَاتٍ (بِالزِّبـَالـَةِ) كـَاخْتـِلاَطِ الزَّيْتِ بـِالـْمَاءِ ،وَرَجَعَ الشَّابُّ أَحْمَدُ بـِدَلـْوِهِ بـَعْدَ أَنْ أَفـْرَغَهُ مِنَ الـْقـِمَامَةِ ،كـُلُّ هَذَا أَتَى فِي بـُرْهَةٍ مِنَ الـْوَقـْتِ وَأَنـَا عَلَى سُلـَّمِ مَحَلِّ الْأُسْتـَاذِ / وَجْدِي الـْغُرَيِّبْ، الـْجَرَّارُ مَشَى بـِسُرْعَةٍ وَخَلـَّفَ الـْقـِمَامَة َ،فـَأَتـَتِ الـْعَنـْزَاتُ وَوَجَدَتْ رِزْقـَهَا يَنـْتـَظِرُهَا الـْعَنـْزَاتُ تـَلـْعَبـْنَ وَتـَأْكـُلـْنَ الـْبـَرْسِيمَ الـْمَرْمِيَّ عَلَى الأَرْضِ وَكـَذَلِكَ الـْوَرَقَ، رُبـَّمَا كـُنَّ جَائِعَاتٍ، تـَرَكـَتـْهُنَّ صَاحِبَتـُهُنَّ بـِلاَ زَادٍ وَلاَ مَاءٍ دَخَلـْتُ مَحَلَّ الْأُسْتـَاذِ /وَجْدِي الـْغُرَيِّبْ، بـَائِعِ الدَّوَاجِنِ ،حَيْثُ أَنـَّهُ يَتـَمَيَّزُ بِحُسْنِ الـْمُعَامَلـَةِ مَعَ الزَّبـَائِنِ ،كـَمَا يَتـَمَيَّزُ بِنـَظـَافـَةِ مَحَلِّهِ وَبـِضـَاعَتـِهِ ،فـَكُلُّ شُغْلِهِ الشَّاغِلِ النـَّظـَافـَة ُوَمُرَاقـَبـَة ُ اللهِ فِي الـْقـَوْلِ وَ فِي الـْفـِعْلِ، دَخَلـْتُ الـْمَحَلَّ فـَوَجَدَتُ أَجْمَلَ مَا رَأَتْ عَيْنِي، وَجَدَتُ الْأُسْتـَاذَ / وَجْدِي الـْغُرَيِّبْ جَالـِسا َعَلَى كـُرْسِيِّهِ وَأَمَامَهُ جِهَازُ اللابْتـُوبْ ،يُشَغِّلُ الرُّقـْيَة َالشَّرْعِيَّة َبـِصَوْتِ الشَّيْخِ/ مُحَمَّدْ جِبـْرِيلْ ،فَسَأَلـْتـُهُ: لِمَاذَا مُحَمَّدْ جِبـْرِيلْ؟!

قـَالَ لِي: لأِنـَّهُ إِمَامُ التـَّرَاوِيحِ، حَيْثُ أَنَّ صَوتـَهُ تـَنـْشَدُّ إِلـَيْهِ الـْقـُلـُوبُ ،فَطَلَبْتُ مِنَ الأسْتـَاذِ/ وَجْدِي دَجَاجَتـَيْنِ، فـَقـَالَ لـِي: لاَبـُدَّ أَنْ تـَجْلـِسَ وَتـَرْتـَاحَ أَوَّلا ًوَإِنـَّا لـِطَلـَبـِكَ لـَمُنـَفـِّذ ُونَ.

الشاعر والروائي: محسن عبد المعطي
الشاعر والروائي: محسن عبد المعطي

اقرأ ايضاً

اَلْقِطَّةُ..انْتِصَارْ “قِصَّةٌ قَصِيرةْ”

شكرا للتعليق على الموضوع