(إيبوه).. وجهة تاريخية في ماليزيا تتميز مبانيها بلون الصفاء
عبدالله بوقس – كوالالمبور
بمبانيها القديمة التي تتميز بالأبيض لون الصفاء تشتهر (إيبوه) ثالث أكبر مدينة في ماليزيا كوجهة تاريخية بعد أن كانت في فترة من الفترات عاصمة لتعدين القصدير في ماليزيا، لأنها كانت أرضا غنية بالمعادن اجتذبت العديد من التجار الأوروبيين والهنود والصينيين الذين اندمجوا مع العرقية الملايوية والسكان الأصليين.
كانت (إيبوه) قرية صغيرة في سبعينيات القرن التاسع عشر عندما دخلها البريطانيون وجلبوا معهم آلات متقدمة لتعدين القصدير التي كانت تعدن بطريقة بدائية تقليدية من قبل الملايويين والسكان الأصليين في المدينة.
طفرة كبيرة في تعدين القصدير
في ثمانيات القرن التاسع عشر شهدت مدينة (إيبوه) طفرة كبيرة في تعدين القصدير، وأصبحت من أهم المدن في اتحاد ملايا (الاسم القديم لماليزيا) عام 1895، وقد جذبت هذه النهضة الصناعية التجار الصينيين أيضا للاستثمار في التعدين. ومع مرور الزمن سكنها الارستقراطيون الملايويون والمزارعون الهنود والمهندسون الأوروبيون، حتى باتت القرية مدينة انصهرت فيها ثقافات متعددة.
واستمر التعدين لأكثر من 100 عام في (إيبوه) حتى عام 1970 حين تراجعت الصناعة بشكل سريع، بسبب نفاذ رواسب القصدير وانخفاض الأسعار مع ارتفاع تكاليف الإنتاج إلى أن توقفت صناعة التعدين في المدينة تماما عام 1982.
كان تعدين القصدير سببا في النهضة العمرانية والحضارية في (إيبوه) حيث ازدهرت حركة الهجرة والتجارة في المدينة، وشيدت فيها العديد من المباني على الطرازات الأوروبية والمغاربية والكلاسيكية الحديثة والباروكية والإدواردية والبريطانية-الهندية والمغولية.
فن (أرتي ديكو) في مدينة إيبوه
الملاحظ أن معظم المباني في مدينة (إيبوه) مطلية باللون الأبيض وهو الأساس الذي يقوم عليه نمط الفنون البصرية والمعمارية المعروفة باسم (أرتي ديكو) والتي كانت شائعة في الولايات المتحدة وأوروبا خلال عشرينات وثلاثينيات القرن التاسع عشر.
لكن تم تدمير العديد من تلك المباني البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية لدى دخول الاستعمار الياباني إلى اتحاد ملايا في عام 1941، حيث كانت (إيبوه) آخر مدينة في الاتحاد أعلنت استسلامها للاستعمار الياباني.
عندما سيطر البريطانيون على المدينة مجددا أعادوا بناء وترميم بعض المباني التي لم تزل قائمة حتى الآن ويتم صيانتها بشكل مستمر، حيث باتت بعض تلك المباني وجهات سياحية تراثية في (إيبوه)، وبعضها لم تزل تستخدم كمبان حكومية وتجارية وتعليمية كما كان عليها الحال أيام الاستعمار.
أبرز المباني التاريخية
أبرز المباني في مدينة (إيبوه) محطة القطار المركزية التي شيدت في عام 1894، وهي أعجوبة معمارية في حد ذاتها، حيث بنيت على الطراز المعماري الباروكي مع عناصر كلاسيكية من العمارة البريطانية-الهندية، فيما لم تزل المحطة تعمل كمركز رئيسي لقطارات المدينة، ويضم مبناها محلات تجارية ومطاعم وفندقا.
كما يعتبر مسجد (بانغليما كيانت) أقدم مسجد في مدينة (إيبوه) بناه أحد التجار الملايويين تكريما لزوجته التي توفت في عام 1898، ويتبين من تصميم المسجد أنه مزيج من العمارات المغولية والبريطانية والكلاسيكية الحديثة.
ومن بين أبرز المباني التاريخية في (إيبوه) مبنى بلدية المدينة الذي بني في عام 1917 على طراز العمارة المغاربية والكلاسيكية الحديثة، حيث تحول المبنى حاليا إلى قاعات لعقد الاجتماعات وتقديم العروض التاريخية، وهي واحدة من أكثر المباني التي يتم تصويرها في المدينة.
مبان لم تزل على حالها
أما مبنى المحكمة العليا الذي بني في عام 1928، فيعتبر تحفة فنية في التصميم المعماري المبني على الطراز الإدواردي والباروكي، ولم يزل المبنى يستخدم حاليا كمحكمة، وإلى جواره مبنى معهد (القديس ميشيل) الذي بني عام 1912 كمؤسسة تعليمية ولم يزل يستخدم حاليا كمدرسة مسيحية أيضا.
ومن بين المباني التاريخية التي لم تزل تستخدم كما كانت في السابق، مبنى نادي (إيبوه الملكي) والذي بني في عام 1895 من قبل مجموعة من التجار الأوروبيين لممارسة أنواع الرياضات، كما يضم قاعات للاجتماعات والمناسبات الخاصة بنخبة رجال الأعمال.
وهناك مبنى مصرف (إتش إس بي سي) الذي تم بناؤه في عام 1930 على الطراز الكلاسيكي، وكان أطول مبنى في مدينة (إيبوه) لفترة طويلة، ولم يزل مقرا للمصرف البريطاني حتى الآن، ويضم محلات ومطاعم تاريخية كانت تخدم عمال المناجم في فترة التعدين، ولم تزل بعض تلك المحلات قائمة.
معلم تراثي مثير للجدل
ومن بين تلك المعالم والمباني، معلم تراثي مثير للجدل وهو برج ساعة (بريش) الذي بني في عام 1909 إحياءً لذكرى مقتل أول بريطاني في مدينة (إيبوه) عام 1875 على يد زعيم من العرقية الملايوية. ويكمن جمال هذا المعلم لتصويره تماثيل منحوتة على البرج تمثل تطور الحضارات الإنسانية، والفضائل الأربع للإدارة البريطانية وهي الولاء والعدالة والصبر والثبات.
الأولى على قائمة المواقع السياحة
تبعد مدينة (إيبوه) حوالي 200 كيلومتر عن العاصمة الماليزية كوالالمبور وهي عاصمة ولاية (بيراك)، وتقع على الساحل الغربي لشبه الجزيرة الماليزية. وتنقسم المدينة إلى منطقتين منطقة قديمة حيث المباني التراثية والمواقع التاريخية والمنطقة الحديثة ويفصلهما نهر (كينتا).
يذكر أن شبكة (سي إن إن) الأمريكية صنفت في ديسمبر العام الماضي مدينة (إيبوه) في المركز الأول على قائمة “المواقع السياحة التي لم تنال التقدير المستحق” في قارة آسيا، متفوقة على 17 مدينة أخرى في التصنيف الصادر عن قسم السياحة في الشبكة الإخبارية.
اقرأ ايضاً
(زابين) رقصة شعبية ذات أصول عربية لها دلالات عميقة في تفاصيل الحياة بماليزيا