مصطفى جودة يكتب: الجبرتى والإبادة الجماعية «2 ــ 4»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.

يقول الجبرتى فى مقدمة كتابه: الحمد لله القديم الأول الذى لا يزول ملكه ولا يتحول, خالق الخلائق وعالم الذرات بالحقائق.. إنى كنت سودت أوراقا فى حوادث آخر القرن الثانى عشر الهجرى وما يليه وأوائل الثالث عشر الذى نحن فيه، جمعت فيها بعض الوقائع إجمالية وأخرى محققة تفصيلية وغالبها محن أدركناها وأمور شاهدناها.. اعلم أن التاريخ علم الغرض منه الوقوف على الأحوال الماضية من حيث هى وكيف كانت وفائدة العبرة بتلك الأحوال والتنصح بها وحصول ملكة التجارب بالوقوف على تقلبات الزمن، ليحترز العاقل عن مثل أحوال الأمم المذكورة ويستجلب خيار أفعالهم ويجتنب سوء أقوالهم.

رأيت أن أمشى على غرار أسلوب الجبرتى وطريقته في تسجيل وقائع محرقة غزة والمحن المترتبة التى يدركها العالم كله بغية تسجيلها لتكون تاريخا مهما مثلما سجل الجبرتى فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» الذى طبعته مطبعة بولاق عام 1236 هجرية.

هى محرقة وإبادة جماعية تحدث أمام أعيننا يقوم بها جيش نظامى مدجج بكل أنواع الأسلحة المدمرة التى تنتجها الترسانات الغربية وترسلها له برا وجوا وبحرا لتمنحه القدرة على التدمير الشامل لمدينة تحت احتلاله محاصرة من كل الجهات من البر والجو والبحر. تفعل ذلك إسرائيل ومناصروها مثلما كانت تفعل مع الجميع فى كل الحروب السابقة التى أوقدت نارها وأقنعت بها أنصارها بأنها الضحية وأنهم هم المعتدون الآثمون الذين يريدون القضاء على الدولة الديمقراطية الوحيدة فى منطقة متوحشة أهلها هم الأعداء الذين لا هدف لهم إلا القضاء على تلك الضحية ومحوها من الوجود. فى حرب غزة النصرة لها أكثر والرضوخ أكبر والاستجابة لها أسرع فكل الموافقات على كل الطلبات الاقتصادية والعسكرية تتم فورا وبلا مناقشة أو تأخير. إنها تفعل فى غزة ما لم يفعله أحد فى التاريخ القديم والحديث. تنفذ محرقة والغرب يريدها أن تكملها للنهاية وأن تقضى قضاء مبرما على عدوها وأنه لن تكون لها من بعد ذلك محاسبة.

 إنى أخال أنه لو كان الجبرتى على قيد الحياة لسجل وقائع تلك الحرب كالآتى:

فى يوم 7 أكتوبر أعلن الجيش الإسرائيلى أن مسلحى حماس تسللوا من جنوب إسرائيل ومن مدن أخرى وقتلوا 1400, واختطفوا أكثر من 200 آخرين. كما تم الإعلان أن سلاح الطيران الإسرائيلى بدأ فى هجومه على غزة. بعدها بساعة أعلن نيتانياهو الحرب على حماس وغزة, كما قام الرئيس بايدن بالاتصال بنيتانياهو وأبلغه الدعم الأمريكى الكامل

فى يوم 8 أكتوبر أعلنت إسرائيل رسميا الحرب على غزة بنية تدميرها وأمرت باستدعاء الاحتياط من جنودها وأعلنت أن هدف الحرب هو القضاء التام على حماس. كما تمت عملية إخلاء جميع السكان الذين يعيشون بالقرب من غزة وإجراء عملية حصار وإغلاق للضفة الغربية. فى نفس الوقت أمر وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن حاملة الطائرات جيرالد فورد أن تبحر الى شرق المتوسط وعلى متنها أسراب من طائرات إف-15 وإف-16, وإف-35.

فى يوم 9 أكتوبر أعلن وزير الدفاع يوآف جالانت الحصار الكامل على قطاع غزة كما أمر بمنع دخول أى طعام وشراب ووقود وأضاف أننا نحارب حيوانات بشرية.

فى يوم 10 أكتوبر تم قصف أكثر من 70 موقعا بقطاع غزة كما تم وصول أولى شحنات أسلحة أمريكية متقدمة عبر جسر جوى. كما قام الرئيس بايدن بتشخيص هجوم حماس بأنه شر مستطير. فى نفس اليوم قامت السلطات الإسرائيلية بإلغاء جميع تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين من غزة وألغت تصاريح العمل لكل العمال المقيمين فى غزة.

فى يوم 11 أكتوبر قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف وتدمير العديد من المبانى للجامعة الإسلامية ومن وحولها. فى نفس اليوم توقفت محطة الطاقة الوحيدة عن العمل نتيجة منع الوقود.

فى يوم 12 أكتوبر وصلت شحنات الأسلحة الأمريكية كما وصلت حاملة الطائرات الأمريكية وتمركزت فى شرق البحر الأبيض المتوسط. فى نفس اليوم كان هناك أكثر من 200 غارة إسرائيلية على قطاع غزة. أيضا أعلنت إسرائيل أن غزة ستحرم من إمدادات الماء والطعام والكهرباء حتى يتم إطلاق سراح جميع الأسرى.

فى يوم 13 أكتوبر أصدرت إسرائيل إنذارا يطلب من السكان الرحيل وبدأت عملية نزوح كبيرة لأهل غزة من شمالها تجنبا للقتل, ورغم نزوح الناس إلا أن إسرائيل قصفت شارع صلاح الدين الذى كان يسلكه الفارون من الشمال. ردا على الإنذار الإسرائيلى أصدرت حماس بيانا ناصحة سكان شمال غزة الذين يبلغ عددهم ٢٫٣ مليون بعدم ترك منازلهم.

فى يوم 14 أكتوبر أصدرت الولايات المتحدة أمرا بالرحيل لموظفى سفارتها بالقدس الذين لا يشغلون أعمالا حساسة. فى نفس اليوم قصفت إسرائيل عربات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر ومبنى بخان يونس. فى نفس اليوم أعلنت الأونروا أن مدارس الإيواء التابعة لها لم تعد آمنة وأن الماء قد نفذ بالكامل بتلك المدارس. فى نفس اليوم استدعت إسرائيل 360 ألف جندى احتياط وأعلنت أيضا أن الحرب قد تستغرق شهورا.

فى يوم 15 أكتوبر ألقت إسرائيل القبض على 50 فلسطينيا بالضفة الغربية. فى نفس اليوم وصلت شاحنات المساعدات المصرية الى معبر رفح التى ينظمها الهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية والمتطوعون. وفى نفس اليوم أعلنت الأنروا أن إمدادات مياه الشرب على وشك النفاد. فى نفس اليوم أعلنت أربعة مستشفيات بغزة توقفها عن العمل كما طلبت إسرائيل أنه يتعين على 21 مستشفى بشمال غزة القيام بعملية إخلاء. كما تم الإعلان عن مقتل 12 صحفيا إضافة الى جرح 8 آخرين.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: الجبرتى والإبادة الجماعية «1ــ 4»

شكرا للتعليق على الموضوع