مصطفى جودة يكتب: صلاح فى مصر كلأ مباح

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا.

أصبح الأمر وكأنه تقليد مصري وهو أنه كلما جاء صلاح الى مصر للمشاركة مع الفريق القومى، يتربص به بعض القوم حسدا من عند أنفسهم ويلومونه وحده على أداء الفريق عندما يخفق، ويتهمونه بأنه لا يلعب مثلما يلعب مع ليفربول، ويضعونه بلا ذنب تحت ميكرسكوب الغل والنقد الجارح والهدام ويستهدفونه ويحاولون بسط أيديهم وألسنتهم عليه بالسوء، ويرجع صلاح وكله جراح ويحتاج علاجا نفسيا ليشفى من آثار زيارة وطنه.

لقد أصبح نقد محمد صلاح ظاهرة مصرية خالصة وأن ما يحدث له من الجمهور المصرى يقترب من كونه مأساة من المآسى المصرية التى يجب أن تصنف مع المآسى اليونانية والشكسبيرية المعروفة. صلاح ليس حالة فريدة، ولكن سبقه غالبية النابغيين الذين ينعم الله بهم خاصة على مصر، وأشهرهم نجيب محفوظ الذى تعرض لحملات نقد شعواء وهجوم معظم حياته رغم أنه هو الشرف الرفيع الذى يجب دائما أن يحتفى به.

 نفس الشيء حدث للرئيس الأسبق محمد أنور السادات. كلاهما حصل لمصر على جائزة نوبل وخلداها من خلال ذلك للأبد وكان عاقبة أمرهما محاولات اغتيال آثمة، مما يجعلنا في مصر ننفرد بأمر لم يسبقنا به أحد من العالمين وهو اغتيال النوابغ سواء معنويا أو فعليا.

بالمقارنة نجد حسن المعاملة والاحتفاء من قبل معجبي الدول التي يوجد بها مواهب أقل بكثير من صلاح، مثلا لاعب كوريا الجنوبية سون الذى يلعب في نادى توتنهام الإنجليزى يحضر مشجعوه من كوريا الجنوبية فى طائرة أسبوعيا ليشاهدوه يلعب وينصروه.

هناك جبهات تتولى الهجوم على صلاح أولاها المعلقون بقنوات بي إن، وثانيتها وسائل التواصل الاجتماعي.

 هذه الجبهات تؤلب عليه الجماهير والتى بدورها تتفاعل مع هذه المؤثرات. الجديد فى دور بى إن هو ثورة المعلقين المصريين على صلاح: ما فعله أخيرا المعلق وائل جمعة والذى تفاعل بعنف عقب الإعلان عن سفر صلاح للعلاج فى ليفربول.

قال ناقدا بغضب: تريزيجيه هو أفضل لاعب في مصر فى آخر السنوات، نعم هو أفضل من كل اللاعبين وهو أفضل من محمد صلاح والناس تظلمه.

دخل الكابتن أحمد حسن بعدها فى حلبة النقد اللاذع لمحمد صلاح بقوله: محمد صلاح قال فى المؤتمر إن هذا المنتخب ليس منتخب صلاح، وهذه حقيقة.

كان يقول ذلك تمهيدا لرحيله من المعسكر، يقول صلاح إن اللاعبين سيقاتلون، وأقول له ولكنهم يحتاجونك لكى تقاتل معهم.

ثم جاء ميدو ليكتب تغريدة غير لائقة وساخرة من صلاح عقب نشر صلاح صوره وهو يتدرب فى ليفربول:ياه التدريبات دى .. جامدة أوى صعب تتعمل إلا فى ليفربول. إضافة الى هؤلاء يوجد برنامج جو شو تذيعه قناة العربى الجديد دائم السخرية من صلاح فى كل حلقة من حلقاته.

لهؤلاء لابد أن نقول إذا قلتم فاعدلوا فأنتم تجاوزتم المدى فى ظلمكم. صلاح ليس مجرد لاعب عظيم وأيقونة وأعظم وجه مصرى مميز فى العالم عبر التاريخ.

الإنجليز يحبونه أكثر من ملكهم. كان هناك مشجع متعصب لنادى نوتنجهام فورست يدعى بن بيرد وكان كارها للإسلام كتب يقول: لقد ألهمنى محمد صلاح لأتحول من الكراهية للإسلام وأصبح مسلما.

هناك أيضا دراسة نشرتها جامعة ستانفورد الأمريكية بتاريخ 31 مايو 2019 خلاصتها أن جرائم الكراهية ضد المسلمين والإسلاموفوبيا انخفضت فى ليفربول منذ قدوم صلاح إليها.

كتب عنه معلق رياضى اسمه كالم ألتيماس مقالا عدد فيه بعضا من الصفات الإنسانية الرفيعة الدالة على عظمته، منها فعل الأشياء الإنسانية الصغيرة التى تعجب غالبية الناس.

مثلا حدث فى ليفربول أنه كان يمون سيارته أثناء وباء الكورونا فقام بالدفع لكل الذين كانوا يمونون بالمحطة مساهمة منه فى مواجهة الأزمة.

عندما كان صغيرا قام أحد اللصوص بسرقة 30 ألف جنيه من والده، وعندما تم القبض على اللص ورغم كبر المبلغ حينها فإن صلاح أقنع والده بأن يتنازل عن القضية ثم أعطى اللص بعض النقود وقال معلقا على ذلك: أنا لا أدعم عملية السرقة ولكنى واثق أن لديه سببا وجيها جعله يقوم بالسرقة.

حدث مرة أثناء وجوده بالقرب من محطة بنزين أن وجد مجموعة من المراهقين يتحرشون بشخص متشرد فوقف ونصحهم بأن يتوقفوا وأعطى للرجل 100 جنيه إسترلينى. أما فى مصر فإن صلاح دائم العطاء لأهل بلدته والتبرع لكثير من الهيئات الوطنية.

صلاح هو الوحيد الذى تتغنى الجماهير الإنجليزية بحبه أينما ذهب. يغنون له حتى عندما لا يسجل أهدافا. هناك أغنيتان باسمه. الأولى معروفة اسمها الملك المصرى، والثانية تغنى له منذ 2018 من كلماتها: لو أنه يسجل مزيدا من الأهداف فإننى سأصبح مثله مسلما.. لو أنه عظيم فى عينيك فإنه عظيم فى عينى.

 له أقوال تنم عن حكمته: دائما أحب أن أضع نفسي تحت الضغط لأُحسن من أدائى. أحاول ذلك فى كل أوقاتى وأحاول دائما أن أكون أفضل وأن أرى عيوبى وأحاول التخلص منها. جميعنا بشر وأنا دائما أحاول أن أؤدى وظيفتى على أفضل مستوى.

ما يحدث لصلاح هو تبيان للقول المأثور «لا كرامة لنبى فى قومه» ولمقولة الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور «الناس فى بلادى طيبون لكنهم كالصقور جارحون».

هناك غبن يفوق كل المذكور أعلاه. كانت هناك وقفة أمام نقابة الصحفيين وكانت هناك هتافات ضد صلاح غير مبررة، وكأنه يرسل راتبه دعما للجيش الإسرائيلى وكأنه ضبط متلبسا بخيانة الوطن. لست أدرى لماذا لم تعتذر نقابة الصحفيين عن ذلك حتى الآن.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: إفريقيا تزأر

شكرا للتعليق على الموضوع