مصطفى جودة يكتب: أسطورة أعظم جيوش العالم أخلاقا «1-2»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

أبانت حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل عبر أكثر من عشرة شهور على غزة استهداف وتدمير كل المساجد وكل المستشفيات والجامعات وأماكن الإيواء، وأظهرت جرائم من أنواع جديدة لم تعرفها البشرية من قبل عبر تاريخ الحروب الدموية، منها الاغتصاب الجماعي للمساجين وتركهم فى العراء معصوبي الأعين مكتفى الأيدي بلا رعاية طبية رغم صراخهم وآلامهم وتحويل سجونهم الى قاعات تعذيب حتى الموت، واستخدام الأطفال والعواجيز كدروع بشرية وقتل المصلين وإطلاق النار على الذين يرفعون الرايات البيضاء، ومنها قيام بعض الجنود الإسرائيليين بعمل معارض للملابس الداخلية وملابس النوم للفلسطينيات عقب دخولهم البيوت الفلسطينية، ومنها تجريف القبور الفلسطينية وانتهاك حرمات الموتى. التاريخ يقص علينا تفرد بعض الطواغيت فى الحروب السابقة مثلما فعل جيش هولاكو بتدميره بغداد والشام، وهو الأمر الذى وصم بالوحشية الأبدية رغم أن هولاكو لم يكن يستخدم غير السيوف وأن مدة تدميره كانت قصيرة.

وفى عصرنا الحديث كان هناك النازيون والذين وصفهم التاريخ بالإجرام الأبدى لما فعلوا باليهود.

 ها نحن نرى شيئا جديدا تفعله إسرائيل على مرأى ومسمع كل العالم مع فارق كبير وهو مباركة الغرب لما تقوم به آلتها الجهنمية وإمدادها بالأسلحة المدمرة والتى لم تستخدم من قبل، والدفاع عنها مهما كانت جريمتها ولوم ضحاياها. الفرق بين ما فعله هؤلاء وما فعلته إسرائيل من وحشية غير مسبوقة، هو أن الجيش الإسرائيلى فاق الجميع فى ادعاءاته بالالتزام بالإخلاق الحميدة وبالتزكية الذاتية، وأنه أكثر جيوش العالم أخلاقا على حد وصف قادته السياسيين والعسكريين بشكل روتينى بأنه الجيش الأكثر أخلاقا فى العالم. هناك مئات وربما آلاف المقالات الصحفية التى تكرر نفس الادعاء منذ النشأة الأولى لإسرائيل.

وهناك أيضا الكثير من الكتب التى تصدر فى إسرائيل وفى الغرب، منها رسالة دكتوراه من جامعة كمبردج من تأليف جيمس استوود طبعت فى كتاب بعنوان: أكثر الجيوش أخلاقا فى العالم، نشرته جامعة كمبردج فى أكتوبر 2017، خلاصته أن كل المسئولين الإسرائيليين بداية من رئيس الوزراء والوزراء يرددونها بكل أريحية وكأنها آية منزلة من لدن عليم حكيم، كما أن غالبية الشعب العامة والخاصة من الإسرائيليين تؤمن بذلك الادعاء ولا تشك فى صحته أبدا، ربما يكون ما كرره الوفد الإسرائيلى مرارا فى محكمة العدل الدولية فى جلسة استماع الإبادة الجماعية التى عقدت بتاريخ 11-12 يناير 2024، أن إسرائيل تمتلك الجيش الأكثر أخلاقا فى العالم هو الاعتقاد الراسخ فى إسرائيل وفى الغرب الذى يناصر إسرائيل ظالمة أو مظلومة، ولا يشك فى أى نية ظاهرة وباطنة لها منذ 1948، وتحاول كل مؤسساته إقناع الجميع بهذا المبدأ وتلوم كل المشككين فيه والذين عانوا من جرائه.

ربما تكون مقولة أحد جنود المقاتلين الإسرائيليين التى نشرها فى حسابه الخاص بخصوص الحرب الحالية هى أصدق ما يعتقده الإسرائيليون: «يجب إبادة كل العرب لكي نكون جيشا أخلاقيا».

الغرض من هاتين المقولتين هو تقديم ذلك الادعاء مثلما يحدث فى أى محاكمة ثم تقديم الأدلة على عدم صحته وإثبات باطله. إذن ما هى تلك الأدلة الدامغة المثبتة والمدينة للجيش الإسرائيلي والتى تجعله بحق عكس ما تدعى إسرائيل ومعها الغرب كله؟، والتى تجعل الجميع يقول بأعلى صوت إن الجيش الإسرائيلى هو أسوأ الجيوش أخلاقا ربما عبر التاريخ كله متفوقا على جيش هولاكو فى العصور الوسطى، وجيش النازى فى العصر الحديث. الأدلة مثبتة بحكم طبيعة عصرنا الذى لا تخفى فيه خافية صغرت أم كبرت.

الأدلة فى شرائط الأحداث فى العرض المأساوى المستمر منذ السابع من أكتوبر الماضى وما على الباحث عن الحقيقة إلا بذل مجهود بسيط ليرى بنفسه البراهين الدامغة التى لا تستطيع الآن ادعاءات إسرائيل والغرب طمسها مثلما كان الأمر عليه قبل السابع من أكتوبر.

إن السجل مدين ولا لبس فيه ولا تستطيع دفاعات الباطل أن تلغيه أو تقلل من حقيقته.

هناك تاريخان لن يمحوا من الذاكرة، الأول بتاريخ 10 أغسطس، وفى تمام الساعة الرابعة والنصف فجرا أثناء صلاة الفجر بمسجد التابعين، تم إطلاق ثلاث صواريخ ذكية على المسجد دمرت المسجد وقتلت أكثر من 120 وحولتهم الى أشلاء يصعب التعرف عليها. قتل هؤلاء وهم سجود كأنهم أصحاب إخدود جدد.

خرج بعدها متحدث الجيش الإسرائيلى ليردد الإسطوانة المشروخة أن المسجد به بعض قيادات حماس.

كانت هذه المدرسة تؤوى أكثر من ألف شخص ضاقت عليهم الأرض بما رحبت بعد أن استقبلت عشرات النازحين من بلدة بيت حانون بعد أن أمرهم الجيش الإسرائيلى بإخلاء منازلهم، وكان المبنى يستخدم كمسجد وأن الغارة تعمدت مهاجمته أثناء صلاة الفجر.

والتاريخ الثانى هو فيديوهات نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والتى تظهر قيام تسعة جنود إسرائيليين فى سجن سدى تيمان باغتصاب أسير فلسطينى مرارا وتكرارا بتاريخ 29 يوليو الماضى لدرجة إصابته بتهتك وتمزق فى أمعائه، وهو الأمر الذى أثبتت صحته التحقيقات التى أجراها الجيش الإسرائيلى ذاته، ورغم إدانة هؤلاء الجنود فإنه أطلق صراحهم يوم الثلاثاء الموافق 13 أغسطس بعد تظاهرات اليمين المتطرف التى كان يقودها الوزير بن غفير خارج السجن، وصدور فتاوى من رجال الدين الإسرائيليين أنه لا خطأ ولا جرم فى ارتكاب جريمة الاغتصاب تلك مع غير اليهود. لم تكن حادثة الاغتصاب تلك حالة فردية ولكنها حدثت مع كثير من الفلسطينيين المقبوض عليهم والذين أودعوا ذلك السجن المريع الذى بنته إسرائيل فى صحراء النقب عقب السابع من أكتوبر 2023، كأحد أماكن الاحتجاز للفلسطينيين.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: خطابات نتانياهو الأربعة «2-2»

شكرا للتعليق على الموضوع