ناصر اللحام يكتب : الكلاب تسير والقافلة تنبح

كنت في الصف الثامن حين قرأت اول كتاب سياسي عن كارتر ( الرئيس الامريكي حينها ) وحقبة كامب ديفيد ، وقال المعلمون الاوائل ان الشعوب ستنتصر ، وان الاحتلال سرعان ما يندحر ، وان الانظمة الرجعية ستسقط مثل أوراق الخريف ، وان القافلة تسير والكلاب تنبح . ولكن وبعد اربعين عاما لا أرى سوى الكلاب تسير وأن القافلة هي التي تنبح ، وأن الكلاب تكبر وتكبر وتلمع أنيابها ، ونحن الذين ننبح من أجل لقمة العيش ومن أجل الحرية ومن أجل الفيزا ومن اجل الحقوق الاساسية مثل حق التعليم وحرية الكلام وحرية التفكير والتأمين الصحي والتدفئة والخبز .

هل كان العيب في القافلة ام كان الحظ مع الكلاب ؟ ام أن قادة القافلة هم الذين تواطئوا مع الكلاب ، فتركوها تسير جذلة وتخبّ خبا وتركونا مقعدين بالمرض والجهل والتخلف واليأس والاحباط ؟ ام اننا تورطنا في تشبيه مجازي لا أساس له من الصحة ، وان الامر كله أبسط بكثير ويخلو من الكلاب ويخلو من القافلة ويخلوا من المؤامرة ويخلو من العنتريات والشوارب ، والامر كله اداري بحت ، ويتعلق بالاتجاهات .

هجرة العرب الى اوروبا بدأت منذ ثلاثين عاما وأكثر ، فقد هاجر الى عواصم الغرب المطربون والراقصات اولا ، ثم لحق بالراقصات ، العلماء والأغنياء والشعراء والامراء ومؤسسو التيارات الدينية التي تطالب بالخلافة العربية الاسلامية ، نزار قباني عاش في لندن ، ومثله مظفر النوّاب والعائلات المالكة والنجوم والفنانين ونوابغ الجامعات وزعماء المعارضة وحتى الصعاليك والفاشلين رحلوا منذ عقود الى الغرب .. فلماذا نستغرب ان الشعوب ترمي نفسها الان في عرض البحر بحثا عن فيزا وعن لجوء سياسي !

كبار السياسيين والمعارضة ، نجوم التلفزيون ، مذيعون يدعون الجماهير للثورة على الحكام ، أغنياء واغبياء ، علماء وفقهاء ، ماركسيون ودعاة البروليتاريا وحتى قادة التيارات الاسلامية يعيشون في لندن وفي الغرب ويدعون الى الثورة على الحكومات العربية من هناك . لم ينجحوا في البقاء في المدن العربية وعمل التغيير اللازم ، تركوا نساءهم حوامل بأطفال فقدوا الامل ، وتركوا اصدقاء العمر وهربوا ، وكتبوا قصائد الحب للاوطان على نهر السين ونهر الراين وجبل كوكو … بل ان بعضهم يقولها علانية : انا احمل جواز سفر غربي ولا يحق للشرطة العربية ان تعتقلني !!!! طيب ماذا بالنسبة ” للكلاب ” مثلنا والذين لا يحملون جواز سفر بريطاني او امريكي او فرنسي او ألماني .

مرجل يغلي ، نار تتقد ، فقر ينخر العظم وثورة تتراكم وكبت جنسي يحتدم . حتى فاض الرجال على النهر ، وهاج الناس على البحر وسقط الجنود والحدود والقيود والوقود ، وظل الغضب .

قالوا لنا : القافلة تسير والكلاب تنبح . ونسوا ان يخبرونا الى أين تسير القافلة ، ولماذا تسير الكلاب سعيدة ونحن مكاننا لا نسير ؟

ان التغيير الحقيقي ينبع من قباطيا والخليل ورام الله والدهيشة والعروب وعايدة وجباليا وقلنديا والجلزون وسعير والشيوخ وشعفاط ورفح وعبسان والبريج وجنين وبلاطة وعصيرة وبيت امر ، ومن يريد التغيير لا يرحل بقافلة وجواز سفر لاجئ اغاثة … بل يبقى على هذه الارض …

فليس من المعقول ان ترحل الشعوب وترمي نفسها في البحار ، وتبقى عصابات تحكم الناس بالسيف والخنجر …

بقلم : د. ناصر اللحام

اقرأ للكاتب

ناصر اللحام يكتب : أنا عايزة ورد يا ابراهيم

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *