ترقبوا رواية ” سجن الفراشة ” للكاتب والاعلامي سمير فرحات

تنفرد ” التلغراف ” بنشر رواية  “سجن الفراشة” للكاتب والاعلامي سمير فرحات .

فبعد ان صدرت مؤخرا الترجمة الفرنسية لرواية “سجن الفراشة” عن Maxema production في الولايات المتحدة للكاتب والاعلامي سمير فرحات، بعد 15 سنة على صدور الطبعة العربية عن منشورات نوفل .

رواية “سجن الفراشة” رواية واقعية ، بطلتها طفلة زارت الجحيم باكراً جداً حين باعها أهلها وهي في الخامسة لتعمل خادمة في البيوت. تعرّض جسدها لإهانات عنفية وجسدية تسببت لها بإعافات دائمة، لتسكنها كوابيس غير محتملة. في ظلمة الخوف واليأس، نبع نور في دربها كأنه من يد العناية.

 قطعت المسافة كاملة بين النقيضين، لكنها ما زالت إلى اليوم نازفة بحدة. نصفها مشرق ومضيء بفعل ثورتها ويد الحب التي تحوطها، ونصفها الآخر يسكنه الرعب كل ليلة. إنها حياة لا توصف”.

" سجن الفراشة " للكاتب والاعلامي سمير فرحات
” سجن الفراشة ” للكاتب والاعلامي سمير فرحات

كتب سمير فرحات فى مقدمة الرواية وتحت عنوان “توطئـة “ لشخصيتها الحقيقية  :

التقيت حنان للمرّة الأولى في العام 1998، بدت مكسورة منذ أن وقعت عيناي عليها. ظلّت ممسكة بالباب الذي أخفت خلفه نصف جسدها ووجهها، كأنها طفلة في الخامسة طلبت منها أمها أن تتقدّم من أحد الغرباء لتصافحه. وقفتُ احتراماً، فتشجَّعت بصعوبة ولبسها خجل فاضح زاد من ارتباكها وتعثرها، ثم بدأت بالتقدّم مني.

لفتتني سريعاً صعوبة مشيتها وقدمها الملتوية قليلاً إلى الداخل وهي تسحبها سحباً فوق الأرض.

 لم أركّز نظري على هذه الإعاقة حتى لا أزيد في حرجها. وحين مددت يدي صوبها مرحّباً، اكتشفت أن إحدى يديها لا تعمل بشكل طبيعي.

تملّكني شعور قوي بأن انكسارها ونظراتها التي تخشى التحديق وتتجنّب مواجهتي، ليست إلا نتيجة هذا العطب الذي تحمله في جسدها.

 ليس الأمر بديهياً إلى هذا الحدّ، فكثيرون أعرفهم يحملون جروح أجسادهم بكبرياء شديدة وبقوّة باطنيّة تلتمع بتأثير في عيونهم.

 هذه الفتاة أمامي مختلفة.

عيناها المسمّرتان في الأرض جعلتاني أعطف عليها وأكاد أهمّ بتمسيد شعرها بحنان.

لكن كلّ ما فعلته هو أنني تبعتها إلى غرفة هادئة في أحد المراكز الاجتماعيّة للاستماع إلى قصتها.

 كنت في مهمة إعلاميّة بحتة، أنقّب عن بعض النماذج الإنسانيّة الخاصة، التي تضيء على نواحٍ من معاناة مجتمعنا.

 لم أعرف حقيقة ما كان بانتظاري في تلك الغرفة، وأيّ نوع من القصص سأستمع إليه.

 إلا أن ما سمعته فاق كلّ توقعاتي، وجعلني مخطوفاً لساعتين في غابة حنان الأسطوريّة التي تعجّ بولائم الذئاب الدمويّة، حيث الوجبة الوحيدة التي أطلقت العنان لشهوة الشرّ، طفلة بائسة زارت الجحيم باكراً، وخلّفت فيه قطعة من روحها.

في هذا اللقاء الأول، بكت حنان كطفلة مذعورة وهي تردّد: “أنا لست شيئاً، أنا لست شيئاً، لقد تألمت كثيراً ولم أعد أطيق الاحتمال”.

كم وددت أن أضمّها وأريح جراحها بعباراتي الدافئة، لكنني أحجمت، ووبّخت نفسي.

 فكلّ الرجال الذين مرّوا قبلي في حياتها، لم يروا فيها إلا قطعة لحم شهيّة لا تصلح إلا لإشباع الشهوات السقيمة.

 فلا شكّ في أن حذرها فائق وانطواءها بلا حدود.

 ثم هل يعقل أن تصلح كلمات ضئيلة ما أفسدته سنوات القهر والمغامرة في وادي الوحشة الذي دفعت إليه دفعاً؟

انتهى اللقاء على وعدٍ مني بلقاء آخر أرادت حنان أن تحوّله إلى كرسي للاعتراف.

ساعات وأياماً متتالية أمضيتها بقربها وأنا أستمع إلى تفاصيل تكاد تشبه جنون هذا العالم وواقعه المسمّر فوق صلبان تتوزّع كبواته المظلمة.

سجّلت كلّ كلامها وأنفاسها التعبة فوق أشرطة صوتيّة.

ظننت أن الأمر سينتهي في حدود مشروعي الصحفي، لم أكن أعرف أن تفاصيلها ستسكنني طويلاً وترغمني على فعل شيء ما قد يعيد بعض الألق إلى روح هذه الطفلة الكبيرة التي باتت اليوم في الخامسة والعشرين.

حين عرفت حنان أنني كاتب ، أوحت إليَّ بالقول: “أحبّ أن تكتب قصتي يوماً، فهي غريبة عجيبة لا بد من أن تستمطر بعض الشفقة على الطفولة النازفة ، في قلوب الناس المشغولين بذواتهم إلى حدّ مقرف”.

 ضَحِكَتْ بسخرية من قولها هذا، لكن ما أوحت به إليَّ بات مشروعي الجديد، فوُلدت بعد أشهر رواية “سجن الفراشة”.

أبدلتُ أسماء الشخصيات في الرواية، وحرّفتُ بعض التفاصيل حفاظاً على قدسيّة وجع حنان، وإيماناً مني بأن الحكم النهائي على جلاديها الذين لعبوا هذا الدور بوعي منهم أو بمجرد تجاهلهم لنبض الألم ، لا يعود إليَّ.

 أنا لا أقرع هنا أجراس دينونة لا أملك الحقّ بقرعها، لكنني أعيد فتح جرح فتاة وثـقت بي ، وكلّفتها هذه الثـقة زمناً من الانهيار العصبي لأنني ولجت عميقاً في جروحها.

كنت أعرف مدى الألم الذي أسبّبه وأنا أشلّع أبواب قبور الماضي، لكن حنان لم تكن تريد أن تتوقّف.

 أرادت أن تقدّم شهادة حيّة عن معاناة الضحية، وخصوصاً إذا كانت الضحية طفلة في الخامسة من عمرها.

حنان.

حتى لا يظلّ صراخ طفولتك مكبوتاً في الضمائر اليابسة.

وحتى لا ينساب نزفك في أقنية اللامبالاة، تماماً كأيّ إهمال آخر في هذا الكون.

وحتى يصبح لحياتك معنى مضيء هو فرح الشهيدة التي ترى الخير منتصراً.

وحتى أنقل شكرك لليد البيضاء التي انتشلتك.

وحتى أشعر ببعض الراحة من خلال تحقيق أمنية غالية على قلبك، هي الصراخ من أجل إنقاذ أطفال العالم.

أهديك “سجن الفراشة”، وأصلي كي لا تظلّ روحك سجينة في أقبية الماضي.

علّ الحياة تصبح أرضاً للرحمة في يومٍ من الأيام.

علّ الأمور تتغيّر.

وعلّنا ندرك ملكوتاً ما وُعدنا به طويلاً ونرجو تحقيقه عند كلّ شروق جديد.

الكاتب والاديب سمير فرحات
الكاتب والاديب سمير فرحات

قريبا ” سجن الفراشة “

شكرا للتعليق على الموضوع