نانسى فتوح تكتب : تعددت الأسباب والموت واحد !!
نهرب من واقع أليم لواقع أكثر ألماً .. ويبحث الشباب عن مخرج لأزمات حياته فلم يجد غير السفر والهجرة سواء كانت شرعية أو غير شرعية فالأسباب واحدة ..
فبعد أن كانت الهجرة هي الوسيلة الوحيدة الذي يحلم به كل مصري للهروب من الواقع الأليم الذي يعيشه في بلاده من زيادة الأعباء المعيشية، وفقدان الأمل في تحسن اوضاع الحياة، أصبحت الهجرة أيضاً تهدد حياة كل من يتطلع لإيجاد مستقبل أفضل خارج بلاده.
فيدفع المئات من المصريين كل يوم مبالغ طائلة من المال للمهربين لكي يساعدوهم على الهروب والانطلاق في رحلة غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر، مسافرين على متن قوارب لا تصلح لركوب أمواج البحر، قاصدين البر الأوروبي.
فلا يصل البعض من هؤلاء المهاجرين إلى حيث يقصدون الوصول، إذ ينتهي بهم الأمر في غياهب البحر، وذلك لأن القوارب المتهالكة المكتظة براكبيها، إما أن تكون قد انقلبت بهم في عرض البحر، أو تكون قد غرقت في قاعه في ظل طقس رديء.
يكاد لا يمر عام إلا وتسلط وسائل الإعلام الضوء على حادثة مروعة يتعرض لها فوج من الشباب المصري الحالم بالسفر إلى “شاطئ الثراء” ، حيث تعود جثث هؤلاء إلى ذويهم ليواروها الثرى بعد أن غرق مركبهم وضاعت أموالهم وتلاشت أحلامهم.
فلم يكن حادث غرق مركب الهجرة الغير شرعية الذي كان على متنه أكثر من 300 فرد الذي انطلق من شاطئ محافظة كفر الشيخ هو الأول من نوعه ، ففي سبتمبر 2014 شهد غرق مركب حمل أكثر من 400 من المهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط، من جنسيات مصرية وفلسطينية وسودانية، بينهم حوالى 66 مصريًا وغيرها الكثير من ضحايا حوادث هذا النوع ..
فالموت أصبح يطارد المصريين أرضاً وبحراً وجواً، فمن حوادث القطارات والسيارات نتيجة الإهمال وعدم المسؤولية مروراً بالطائرات، وإنتهاء بالغرق في مراكب الهجرة غير الشرعية أصبح المصريون وكأنهم يفرون من الموت للموت الذي يلاحقهم في كل مكان حتى وصل بنا الأمر والاستهتار إلى الإستهانة بجثثهم بعدم توفير أدنى الحقوق بعدم توفير أكياس تكفي حتى لحفظ الجثث!
ومع ذلك، وعلى الرغم من الأخطار المحدقة بهم، لا يبدو أن الناس يتراجعون عما يقدمون عليه أو يميلون إلى إرجاء خططهم بالهجرة.
وذلك بسبب ما آلت بهم حال بلادهم من الظلم الحاصل في سوق العمل إلى اقتصار الوظائف للأغنياء، أو لأقارب الأشخاص الهامين والمسؤولين ورجال الأعمال، وبالتالي ارتفاع نسب البطالة وتدني مستويات الدخل، إلى جانب انعدام حرية الرأي، والقوانين المجحفة التي تميز بين الشباب بسبب الانتماءات الأسرية والطبقات الاجتماعية، وعدم توفير الوظائف المناسبة للمؤهلات العلمية مما يدفع الشباب إلى فقدان الأمل لتحقيق أحلامهم في ظل هذه الظروف الموجودة في بلادهم للسعي لإيجاد حياة أفضل في الخارج.
فالشاب هنا لايجد في بلده ذلك الحضن الدافيء الذي يحتويه ويقدم له حقه ويوفر له حياة كريمة.
فالبيئة العربية في وضعها الراهن طاردة للعقول؛ إذ ليس فيها أي تشجيع أو دعم للشباب على أن يطوروا ويبتكروا حياة معيشية كريمة، فالدولة لو وفرت فرص عمل ملائمة لهم وراتب عادل يهيّء لهم سبل العيش في ظل غليان الأسعار فضلاً عن زيادة القيمة المضافة التي عدمت أي رؤيا وأمل للحياة، لتلاشت فكرة الهجرة لديهم.
ولكن كما صرحت “سوزي ناشد” عضو مجلس النواب أن الشباب أصبحوا لا يهتمون بمخاطر الهجرة غير الشرعية، لأنهم يؤمنون بأن الموت قائم لا محالة، إذا بقوا بلا عمل فهو موت بطىء، وإذا هاجروا إلى الخارج فهو موت أو حياة كريمة تتحقق إذا استطاعوا النجاة من مخاطر الهجرة غير الشرعية، فهو بين خيارين كلاهما صعب ومميت.
ولكن مايثير الدهشة والاستفزاز عندما خرج المتحدث العسكري بتصريح مستفزاً للشعب المصري تحدث فيه عن الحادث وكأنه إنجازا للقوات المسلحة وليس كارثة تستوجب العقاب!!
حيث قال: أن قوات حرس الحدود نجحت في إحباط محاولة للهجرة غير الشرعية نتج عنها إنقاذ 163 شخصا وإنتشال 42 جثة!!
والأكثر استفزازاً عندما حمّل عضو حقوق الانسان بالبرلمان”إلهامي عجينة” المسؤولية على أهالي ضحايا حادث الغرق وطالب بضرورة معاقبة أهالي المهاجرين بطرق غير شرعية ومحاكمتهم!!!
ألهذه الدرجة وصلنا إلى اللاّمبالاة وعدم الإنسانية والتجرّد من المشاعر؟!
ولكن للأسف نجد الجميع أهمل المشكلة الحقيقية التي دفعت الشباب للتضحية بأرواحهم ،ووسائل الإعلام تناولت القضية من منظور جعل هؤلاء الشباب في نظر الرأي العام مجرمين كما تم تصويرهم على إنهم حفنه من الشباب الكسول الذي يجرى وراء سراب والمكاسب السهلة بدلاً من بذل مجهود في وطنهم.
فهذه ليست ظاهرة عابرة بل إنها خطر يداهم شبابنا ومستقبلنا ، وإن أردنا القضاء على مثل هذه الظاهرة فعلينا إيجاد بديل حقيقي جاد للشباب بدلاً من تركهم في يد سماسرة البشر ، الذين يلقون بهم في براثن الموت .
إضافةً إلى ضرورة إيجاد الحكومة بديل شرعي للشباب كتوفير فرص عمل للخريجين ومحاولة تقليل الفجوة بين عددهم وفرص العمل المتاحة والتي تعد أيضاً أبسط حقوقهم في الحياة، ووقف نزيف ضياع مستقبل آلاف الشباب باعتبارهم ثروة بشرية .
وكذلك القطاع الخاص عليه دور رئيسي بتوسيع الاستثمار داخل مصر بدلا من الاستثمار خارجها.
أيها المسؤولين .. الشباب ثورة بشرية هائلة والدول المتقدمة تستغل هذه الثروة بالاستفادة الكاملة فلا تفقدوهم فتنعدم الدولة ويضيع الوطن بدونهم.
حافظوا على أبناء وطنكم وارعوهم ينصلح حالكم وحال الوطن .. فلا قيمة للوطن بلا شباب .
ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء.
تصبحون على واقع أفضل.