المعركة تستعر قرب حلب والقصف الجوي يتواصل
قصفت الطائرات الحربية مخيما يحظى بأهمية استراتيجية على الأطراف الشمالية لمدينة حلب اليوم الأحد، بينما استمرت المعارك بين قوات الحكومة السورية وقوات المعارضة للسيطرة على المخيم الواقع على أرض مرتفعة في هجوم تدعمه روسيا لتصبح السياسة الأمريكية بشأن سوريا في حالة يرثى لها.
وقال سكان ومصادر في المعارضة إن الطائرات واصلت قصف مناطق سكنية من المدينة وسوت مباني بالأرض. ويعيش أكثر من 250 ألف مدني تحت الحصار في القطاع المحاصر الخاضع لسيطرة المعارضة وتتزايد المخاوف من تصاعد العنف منذ انهيار وقف لإطلاق النار أعلن عنه قبل أسبوعين فحسب.
ومن المقرر أن يجتمع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الساعة 1500 بتوقيت جرينتش لبحث القتال غير أنه يبدو أن الحملة الأخيرة التي شنها الرئيس بشار الأسد وحلفاؤه من الروس والإيرانيين لتحقيق نصر حاسم في ساحة المعركة قضت على أي أمل في نجاح الجهود الدبلوماسية.
وفي أول تقدم بري رئيسي يتحقق في الهجوم الأخير استطاع الجيش السوري والفصائل المتحالفة معه انتزاع السيطرة على مخيم حندرات الفلسطيني الواقع على مسافة بضعة كيلومترات إلى الشمال من حلب غير أن قوات المعارضة استردت المخيم في هجوم مضاد بعد بضع ساعات.
وقالت المعارضة يوم الأحد إنها استعادت السيطرة على المخيم قبل أن يبدأ القصف.
وقال قائد يدعي أبو الحسنين في غرفة عمليات المعارضة التي تضم الكتائب الرئيسية التي تقاتل لصد هجوم الجيش “استعدنا المخيم لكن النظام أحرقه بالقنابل الفوسفورية… تمكنا من حمايته لكن القصف أحرق عرباتنا”، وفق ما نقلت وكالة أنباء “رويترز”.
واعترف الجيش بأن المعارضة استعادت السيطرة على حندرات الذي كانت السيطرة عليه لفترة وجيزة يوم السبت أول تقدم بري كبير للجيش في هجوم جديد لاسترداد حلب من أيدي المعارضة.
ونقلت وسائل الإعلام عن مصدر عسكري قوله إن الجيش السوري يستهدف مواقع “الجماعات المسلحة” في مخيم حندرات.
وربما يكون الهجوم على حلب أكبر معركة في الحرب الأهلية التي سقط فيها مئات الآلاف من القتلى وشرد حوالي 11 مليون سوري.
ويقول سكان إن الضربات الجوية على شرق حلب منذ الإعلان عن الهجوم يوم الخميس الماضي كانت أشد ضراوة من أي ضربات سابقة واستخدمت فيها قنابل أشد تأثيرا. وسقط عشرات القتلى في الأيام القليلة الماضية.
وقال مسؤولون في صفوف المعارضة إن الضربات الجوية يوم السبت أصابت أربع مناطق على الأقل من شرق المدينة الخاضع لسيطرة المعارضة وإنهم يعتقدون أن الضربات تشنها طائرات حربية روسية في الغالب. وتبين مقاطع فيديو لمواقع القصف حفرا ضخمة يصل قطرها وعمقها إلى عدة أمتار.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 45 شخصا على الأقل قتلوا في شرق حلب يوم السبت بينهم عشرة أطفال.
ويقول الجيش إنه لا يستهدف سوى المتشددين.
*المساعي الدبلوماسية
ذهبت نداءات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لروسيا هذا الأسبوع من أجل وقف الضربات الجوية أدراج الرياح وذلك بعد أن توصل إلى هدنة من خلال تحركات دبلوماسية مكثفة استمرت شهورا.
وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون في مقابلة أذيعت يوم الأحد إن روسيا تسببت في إطالة أمد الحرب في سوريا وربما ارتكبت جرائم حرب باستهداف قافلة للمساعدات.
وقال جونسون لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) “عندما يتعلق الأمر بأحداث مثل قصف أهداف الإغاثة في حلب فعلينا أن ننظر فيما إذا كان استهدافها قد تم مع العلم أن تلك أهداف مدنية بريئة بالكامل وهذه جريمة حرب”.
وندد بان جي مون الأمين العام للأمم المتحدة حسبما جاء على لسان متحدث باسمه يوم السبت بالتصعيد العسكري الشديد في حلب.
وقد طلبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عقد اجتماع مجلس الأمن يوم الأحد وسيعقد المجلس جلسة علنية.
وفي اجتماع عقد في بوسطن يوم السبت طالب كيري ونظراؤه في كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا روسيا باتخاذ “خطوات استثنائية لاستعادة المصداقية لجهودنا بما في ذلك وقف القصف العشوائي من جانب النظام السوري لشعبه والذي تسبب على الدوام وبشكل شنيع في هدم الجهود الرامية لإنهاء هذه الحرب”.
والحرب مستمرة منذ نحو ست سنوات وباءت الجهود الدبلوماسية بالفشل. وشردت الحرب نصف سكان سوريا واجتذبت قوى عالمية ودولا من المنطقة وسيطر تنظيم داعش -عدو جميع الأطراف الأخرى المتحاربة- على مساحات واسعة من أراضي سوريا والعراق المجاور.
وبدا في أغلب الأوقات أن القوى العالمية تتقبل فكرة أن لا الأسد ولا معارضيه من المرجح أن يحققوا نصرا حاسما على أرض المعركة.
لكن قرار روسيا فيما يبدو التخلي عن عملية السلام هذا الأسبوع قد يعكس تغييرا في هذه الحسابات ويوجد وجهة نظر تقول إن النصر لم يعد بعيد المنال على الأقل في المدن الغربية التي تقيم فيها الغالبية العظمى من السوريين.
وتحسنت فرص الأسد قبل عام عندما انضمت روسيا للحرب إلى جانبه. ومنذ ذلك الحين عملت واشنطن بجد على التفاوض على السلام مع موسكو مما أسفر عن اتفاقين لوقف القتال. لكن الاثنين لم يطل أمدهما إذ لم يبد الأسد -الذي ربما يكون قد استشعر تغيرا يقود إلى المزيد من الانتصارات في المعارك- أي ميل للحلول الوسط.
وتقول موسكو إن واشنطن لم تنفذ ما عليها في أحدث اتفاق بفصلها المعارضة التقليدية عن الإسلاميين المتشددين.
*معارك عنيفة
طرد المقاتلون المعارضون للأسد إلى المناطق الريفية خارج حلب. ومع ذلك فإنهم ما زالوا يشكلون قوة قتالية فعالة وهو ما أظهروه بتقدمهم يوم السبت.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان يوم السبت إن المعارضين ومنهم جماعة جند الأقصى المتشددة سيطروا على قريتين في محافظة حماة بشمال البلاد وهي منطقة قريبة من المعقل الساحلي للأقلية العلوية التي ينتمي لها الأسد.
وقال مصدر عسكري سوري إن الجيش يخوض “معارك ضارية” حول قريتي معان والكبارية.
وطوقت دمشق وحلفاؤها من المقاتلين الشيعة من إيران والعراق ولبنان المناطق التي يسيطر عليها المعارضون في حلب تدريجيا هذا العام محققين هدفهم الذي يتمسكون به منذ فترة طويل وهو الحصار الكامل للمنطقة هذا الصيف بدعم جوي روسي.
وقال قائد مقاتلين عراقيين موالين للحكومة في منطقة حلب لرويترز إن الهدف كان السيطرة على حلب بالكامل خلال أسبوع.
وقال دبلوماسي غربي يوم الجمعة إن السبيل الوحيد أمام الحكومة للسيطرة على المنطقة سريعا هو أن تدمرها بالكامل في عمل وحشي تظل تتردد أصداؤه على مدى أجيال.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) يوم السبت إن محطة توفر المياه لمنطقة شرق حلب المحاصرة دمرت في القصف وإن المعارضين ردوا بإغلاق محطة توفر المياه لبقية أرجاء المدينة مما ترك مليوني شخص دون ماء نقي.
وقال طارق جاسارفيتش المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية يوم السبت إن منظومة المياه تعمل في نحو 80 بالمئة من المدينة على الجانبين.