السقوط مصير حلب في نهاية الأمر.. لكن الحرب لن تنتهي
ربما تمر أسابيع أو شهور غير أن من المرجح أن تسقط مدينة حلب العاصمة التجارية السابقة لشمال سوريا في أيدي القوات الحكومية التي تتقدم تحت غطاء جوي روسي وأشد موجات القصف عنفا في الحرب المستمرة منذ ما يقرب من ست سنوات.
وستمثل السيطرة على المدينة – مفتاح شمال غرب سوريا – نصرا للرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين كما ستمثل هزيمة موجعة للمعارضة السورية المدعومة من الولايات المتحدة والغرب.
ويبدو من الشواهد أن القصف سيدفع المعارضة للخروج من معقلها من دون تعزيزات سريعة من الداعمين الأجانب.
ومع ذلك يعتقد معظم المراقبين للأوضاع في سوريا أن ذلك لن يعني نهاية الحرب. بل من المرجح أن يفسح المجال أمام حركة مقاومة طويلة الأمد من جانب الطائفة السنية تقوم على أساليب حرب العصابات يتم فيها دفع جماعات المعارضة المعتدلة الباقية التي يدعمها الغرب وحلفاؤه في المنطقة دفعا إلى أحضان الجهاديين المتشددين.
وفي الحرب التي تدعم فيها أطراف عالمية وإقليمية كثيرة أطرافا محلية سيبقى الأسد لكنه سيصبح زعيما لدولة أصغر منكسرة ومفتتة تعيش أسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال روبرت فورد السفير الأمريكي لدى سوريا في الفترة من 2011 إلى 2014 “الروس يفعلون في حلب وسوريا ما فعلوه في جروزني.. الأمر نفسه” مشبها ما يحدث الآن بالطريقة التي دمرت بها روسيا عاصمة جمهورية الشيشان لتعويض ما منيت به من انتكاسات في القوقاز.
لكنه تنبأ بأن المعارضة في سوريا “ستتحول من الاحتفاظ بالأراضي إلى … حركة تمرد وحرب عصابات وسيستمر ذلك لفترة طويلة”.
وبدأت الحرب عام 2011 بعد انتفاضة شعبية استلهاما لثورات الربيع العربي في مختلف أنحاء العالم العربي احتجاجا على حكم أسرة الأسد المستمر منذ أكثر من أربعة عقود في سوريا.
وسقط أكثر من 300 ألف قتيل في الحرب التي وقفت فيها معارضة مستمدة في الغالب من الأغلبية السنية في سوريا في وجه حكم الأقلية المتمثلة في الطائفة العلوية وتشرد نصف سكان سوريا وتحول جانب كبير من المدن السورية إلى خرائب.
وفي بعض اللحظات بدا أن الأسد قد يسقط. ثم أرسلت روسيا طائراتها لدعم الميليشيات المدعومة من إيران قبل عام عندما خشيت موسكو وطهران أن يكون الأسد على وشك السقوط أمام هجمات المعارضة.
غير أن قصف الشطر الشرقي من حلب الآن وتقدم قوة مؤيدة للأسد على الأرض على رأسها مقاتلون متمرسون تدعمهم إيران مثل حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني يرمي إلى توجيه ضربة قاصمة للمعارضة.
*الأسد .. محظوظ مع الأصدقاء والأعداء
والرئيس الأسد محظوظ بأصدقائه وأعدائه رغم أن ساسة ومحللين غربيين كثيرا ما يرون أنه سيكون من الخاسرين في نهاية المطاف.
ولم يهتز تأييد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الزعماء الدينيين في إيران للأسد في الوقت الذي يخشى فيه داعمو حركة المعارضة المفتتة- من الولايات المتحدة إلى تركيا ودول الخليج- أن تنزلق إلى مستنقع في الشام وتخشى في الوقت نفسه أن يملأ تنظيم داعش الفراغ إذا ما انهار الأسد.
ومع ذلك ورغم ضراوة القصف لشرق حلب ربما يكون من السابق لأوانه الحديث عن هزيمة المعارضة.
فقد حاصرت قوات الأسد جيب المعارضة في يوليو. غير أن نقص القوة البشرية جعل الجيش السوري يعجز في تحركاته على الأرض عن مجاراة الهجوم الجوي الروسي. وفي أغسطس اقتحم مقاتلو المعارضة خطوط القوات الحكومية في الاتجاه الجنوبي الغربي لحلب وفتحوا ممرا ورفعوا الحصار لفترة وجيزة.
وفيما ينذر بما قد يحدث مستقبلا قادت هجوم المعارضة المضاد جبهة النصرة وهي قوة فعالة من الجهاديين انفصلت حديثا عن تنظيم القاعدة وأطلقت على نفسها اسم جبهة فتح الشام.
وخلال التفاوض مع الولايات المتحدة على شروط وقف إطلاق النار واصلت روسيا قصف ذلك الممر جنوبي حلب وعندما انتهت فترة توقف العمليات العسكرية التي استمرت فترة قصيرة عادت روسيا بكل قوتها فاستخدمت القنابل المخصصة لاستهداف النقاط الحصينة والقنابل الحارقة لاختراق الملاجئ المقامة تحت الأرض ومستشفيات المعارضة.
ومع ذلك يقول معظم مراقبي هذه الحرب إن المعارضة ستواصل القتال بما اكتسبته من خبرات وخاصة لأن المؤسسة السورية لم تترك لها خيارا آخر.
ويقول السفير فورد “حلب ليست نقطة تحول. ليس بعد.” وينتقد فورد الذي أصبح زميلا بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن الرئيس باراك أوباما لفشله في تسليح قوى المعارضة الرئيسية.
وقال فورد لرويترز إن حلب “تظهر أن النظام يحقق الفوز في الحرب الآن لكن لا نهاية للحرب لأن المعارضة ستواصل القتال. حلب ستسقط لكن ذلك قد لا يحدث سريعا. ربما يستغرق عاما لكنها ستسقط”.
*”معزولون في جيوب”
ويقول رولف هولمبو السفير الدنماركي لدى سوريا حتى العام الماضي الذي أصبح الآن باحثا بالمعهد الكندي للشؤون العالمية إن سقوط حلب التي ظلت طوال الحرب مركزا للمعارضة السورية سيكون له أثر مدمر على الانتفاضة على الأسد.
وأضاف “سيصبح الثوار معزولين في جيوب. وسيواصل النظام مهاجمة الواحد تلو الآخر دون صعوبة”.
وتابع “إذا سقطت حلب فستكون خسارة استراتيجية للثوار. فعندها لن يمكن التحايل على ضرورة إبرام سلام مع الأسد.. وفي الأساس سيكون قد انتصر في الحرب”.
ويعتقد هولمبو بناء على معرفته العميقة بالمعركة أنه أصبح من الصعب جدا على الغرب أو تركيا الآن إعادة تزويد الثوار في حلب بالذخائر والسلاح – حتى إذا كانت تلك رغبتهما – وأن روسيا والأسد فتحا جبهة على محورين في شرق حلب.
وقال “عندك كل ما يحدث من قصف للمدنيين والبنية التحتية بهدف جعل الحياة مستحيلة ثم يقصفون كل المناطق قصفا شاملا قبل تقدم (قوات) النظام بالذخائر العنقودية والقنابل الفوسفورية وقنابل النقاط الحصينة. هذا مماثل بالضبط لما حصل في جروزني”.
وتتفق أغلبية على أن نقص السلاح ومشكلة توصيل التعزيزات ستؤدي في النهاية إلى سقوط حلب.
ومن العوامل الحاسمة لما ستسفر عنه التطورات موقف القوى الخارجية من مدى دعم الأطراف السورية وتفسير هذه القوى لمصالحها في صراع له عواقب ليست محلية فحسب بل إقليمية وعالمية.
وفي الوقت الذي تركز فيه روسيا وإيران على إنقاذ الأسد وتأكيد وجودهما كقوتين على المستويين العالمي والإقليمي على الترتيب يبدو أن الولايات المتحدة في ظل أوباما الذي سيترك منصبه في يناير كانون الثاني المقبل قصرت أهدافها على المستوى الإقليمي على إخراج تنظيم داعش من معاقله في العراق وسوريا.
*ديناميات متغيرة
صرفت الحرب في اليمن على الحوثيين المتحالفين مع إيران أنظار الدول العربية الخليجية التي تمثل مصادر دعم رئيسية بالسلاح والأموال للمعارضة السورية.
ويقول فورد إن القوى الإقليمية ربما يكون لها نفوذ أكبر لكنها لم تعد تملك همة الحسم.
ويقول إن الأردن – الذي قدم مع الولايات المتحدة والدعم الخليجي إمدادات ودعما لما أطلق عليه الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر – قد أوقف تلك الإمدادات تقريبا.
أما تركيا التي أيدت المعارضة في الحرب فقد أصبح شغلها الشاغل هو وقف تقدم الأكراد السوريين قرب حدودها حتى أنها حولت قوى معارضة تدعمها عن حلب من أجل مقاتلة ميليشيات كردية عبرت نهر الفرات عند مدينة جرابلس في اتجاه الغرب.
وأبدى بعض المعارضين انتقادهم لتركيا لتحويلها موارد عسكرية عن حلب إلى جبهة ذات أهمية ثانوية.
وقال فورد “عدة آلاف من المقاتلين توجهوا من حلب عبر تركيا إلى جرابلس. وقد صدمت فعلا عندما نقلهم الأتراك من حلب… واندهشت لموافقة المقاتلين على الذهاب”.
ويقول مراقبو الأوضاع في سوريا إن روسيا وإيران والأسد يستفيدون من انشغال الولايات المتحدة بحملة الانتخابات الرئاسية وتركيز الرئيس أوباما على أن تتضمن قائمة إنجازاته تحرير الموصل والرقة من تنظيم داعش.
غير أن تركيا على سبيل المثال ليست مضطرة فقط للتوفيق بين ولائها التقليدي لحلفائها في حلف شمال الأطلسي مثل الولايات المتحدة والتواؤم الاقليمي المؤقت الذي حققته مع روسيا بل إن عليها تحقيق التوازن بين مصالح متعارضة.
فهي عازمة على وقف الأكراد وتخوض حربا أيضًا مع جماعة إسلامية منافسة تعتقد أنها وراء الانقلاب الفاشل الذي وقع في منتصف يوليو تموز وأصبحت هدفا للعمليات الانتحارية التي يشنها تنظيم داعش.
ومع ذلك ففي الوقت الذي تراجع فيه دعم تركيا للحرب على الأسد في قائمة الأولويات الهائلة يقول هولمبو إن “الأتراك لن يسمحوا بهزيمة الثوار لأن ذلك سيعني أن مليون شخص آخر سيندفعون إلى تركيا” للانضمام إلى ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ سوري يعيشون على أرضها.
ويتوقع هولمبو أن يصبح الثوار “معزولين في جيوب مختلفة” مع سيطرة الأسد على “كل المدن الكبرى وكل البنية التحتية الاقتصادية والفعلية وهو ما يعني أنه سيتمكن من إملاء الحل السلمي بشروطه”.
ويقول فورد “ربما يستغرق الأمر خمس سنوات وربما يستغرق عشر سنوات” لكن الأسد “سيصبح زعيما لدولة مفتتة”.
وتنبأ المعلق العربي البارز سركيس نعوم بطول أمد الصراع وتقسيم البلاد.
وقال “دول الخليج غير مرتاحة وغير مسرورة من كل ما يجري والكل يتذكر أفغانستان وماذا يجب أن يفعلوا ليكرروا تجربة أفغانستان.. هذه معركة العصر. بدأت بقوة كبيرة ولن تخلص”.
وأضاف “التقسيم الواقعي سيبقى إلى أن تصبح الأجواء في المنطقة مهيأة للفيدرالية وبالنسبة إلى العالم المتخلف في هذه المنطقة سيكون بمثابة تقسيم واقعي لان كل واحد في منطقته سيستغرق عشر سنوات حتى يتمكن من التوجه إلى المنطقة الثانية ويعامل مثله مثل الباقين”.