أسود دانتيل ل “حرية سليمان”

صدرت رواية أسود دانتيل عن دار نون للنشر والتوزيع بالقاهرة للكاتبة”حرية سليمان”

تطل علينا الروائية العربية حرية سليمان بتحفتها الجديدة التي أطلقت عليها عنوان ( اسود دانتيل ) ووضعتها في خانة الرواية، ولها الحق فيها رواية من الطراز الثقيل متكاملة  العناصر في البناء الدرامي والسرد الفني والدهشة تتخذ فيها سليمان دور السارد، وهي بنت صغيرة  اسمها جورية  تعيش في حارة ويدخل فيها الماضي كعنصر فعال فيه حياتها ومستقبلها  كصحفية ويكون هنا الصراع بين المستقبل والإحداث الماضية المحور، ونتقل الإحداث التي تجري معها بتسلسل جميل تشد القارئ، والرواية من الحجم الكبير وكثيرة الأحداث لكن السرد الفني يغلب فيها على الحوار أي أنها شاعرية او قصيدة شعر طويلة أشبه بالملاحم التي كان يكتبها مبدعين الإغريق مثل الشاعرة العظيمة سافو.  أسود داتنيل العنوان الذي لم تحدد هوية الكاتبة في حالة منها لجعل المتلقي الذي ينتهي إليه الخطاب يحرك ذهنيته للبحث والاكتشاف عن المضمون الذي جعلها توظف هذا عنوان الغريب الذي يخلق تسأل؛ فكما هو معروف أن العنوان مفتاح العمل أو العتبة الأولى لدخول لعوالم النص

إن تقمصها لكل شخصية وتوضيح انفعالاتها وعلى صناعة الفرد وتقمص شخصيته يدل على سعة الخيال، والخيال كما نعرفه يظهر أبعادها النفسية والفنية، والخيال كما عرفه ايلمان كراسنو في كتاب الحداثة “الجزء الثاني” حيث يقول إن الانشغال التام بالخيال الإبداعي هو احد السمات المميزة للأدب  المحدث، و يرجع اهتمام الفلاسفة بالخيال الإبداعي إلى القرن الثامن عشر وقد اهتم الكثير من المبدعين في شتى المجالات الإبداعية  بصناعة الخيال ويكاد لا يخلو نص إبداعي منه، أياً كان هذا الخيال، بل أصبح الخيال أحد مقاييس الإبداع تقول الروائية في جزء ثاني من العمل .

“في الصباح تواجهنا بانتظار إفطار لم نمسسه، مذيع يردد كلامأ عن اغتيال بذكرى النصر، ظل الراديو كما التلفاز يبثان آيات من الذكر الحكيم وصورأ ومشاهد مكررة. التفتت إلي وكان الضوء ينعكس على وجهها عبر النافذة الكبيرة.. بدأت تعد خليط السكر والشاي الجاف في قعر الكوب، صبت الماء الساخن من البراد النحاسي الذي انطفأت لمعته, تناولت معلقة صغيرة وبدأت في التقليب, تأملت خطوط وجهها الذي بت لا اعرفه” .

مشهد صامت تصف فيه الروائية جلسة صباحية بين اثنين وتتناول به أدق التفاصيل ولا تترك أي حيز دون أن تشغله فهي تصور الزمان والمكان ثم توضح تواجدهم في أي بقعة وكل شيء موجود اذا كانوا في غرفة او حديقة وتحلل حركاتهم في نسق مع الحوار الذي يدور ضمن المشهد ورد الفعل وهذا الأسلوب كان يشتغل به الروائي الفرنسي الكبير “اميل زولا” رائد الواقعية الانطباعية وهو تيار ثقافي ظهر في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر عقب اضمحلال اتجاهات الرومانسية. ظهر مصطلح الواقعية للمرة الأولى مرتبطاً بالرسم عام 1850، إلا أنه توسع بعد ذلك ليشمل جميع الفنون. وفي الأدب انعكس جليًا وبشكل كبير في الرواية ويعد زولا أشهر ممثليه وفي اسود دانتيل نجد الانطباعية تشكل حضور كبير حيث وصف  حتى أصغر الأشياء وليس المكان والزمان فقط بل حتى حركات الأشخاص داخل العمل من مما يجلك وأنت طالعه تشعر أنك تعيش مع المنتج الإبداعي والبراعة الحقيقية في التنقلات التي تجعلك تشعر انك مع حدث يومي او مسلسل متواصل لا يمكنك أن تضيع حلقة منه وهذا يجعل الرواية تفاعلية وبني علاقة بينها وبين الملتقي الشريك الثاني .

تسرد الروائية لحطة تجمعها بأحد إبطال العمل في مكان ما وتصف داخل القطعة السردية ارتباكها ومشاعر تدل على وجود الحب، نستدل هذا من اهتمامها بنفسها وارتباكها لكن اللافت في الموضوع تنبهها إلى فرق الطول وقد حددته بعشرين سنتيمترا، وملاحظتها للميدالية على صدره وشعر صدره. أنها تحاول وضعنا في الداخل الحدث بالشرح الوافي ونتقل ما تحس به في محاولة منها لجعلنا نشاركها الإحساس، إن الخطاب الروائي في دانتيل يعتمد على ايصال الفكرة كاملة موجزة حيث نجد الكاتبة تنقل حركاتها حين تقول (فانحنيت سريعا أتحسس الأرض فيه ) بعد ان شرحت ارتباكها هي تضع الصورة حية فلا نجد استعارات خيالية لكن جوانب جمالية ترقي الموضوع، أي أشبه بالواقعية السحرية وهي  تقنية روائية غلبت على كثير من الأعمال الروائية في الأدب الألماني منذ مطلع الخمسينيات و أدب أمريكا اللاتينية؛ كما إن البناء في النص الروائي ذو علاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنى يمكن ان تكون موحدة في الطرح ولا عجب ان تجد في ( اسود دانتيل ) كل هذه العناصر كالواقعية الانطباعية والسحرية والبناء والسرد الفني والسبب حجم الرواية الذي تصل عدد صفحتها الى 581 صفحة

في خلاصة هذه الرحلة القصيرة في رواية ( اسود دانتيل ) نخرج نتيجة إن هذا العمل العربي شكل حضور في الذهنية عند المطالع العربي من حيث هو متكامل من كل الجوانب، ومع اني وضعت التركيز على الواقعية الفنية تاركا للمتلقي الاشتباك مع الرواية وفك شفرها والوصول لماهية الإبداع .

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *