شوقي العيسه يكتب : تفكير متشائل

أحيانا تختفي في سؤال بسيط كل الأجوبة. ما الذي تريده إسرائيل؟!

عندما تأسست الحركة الصهيونية حددت انها تريد انشاء وطن قومي لليهود، ووضعت الخطط والبرامج والتكتيك والأدوات لتحقيق ذلك. وحسمت النقاش حول اين تقيم ذلك الوطن في عام 1903 بانها ستقيمه في فلسطين. طبعا هكذا حركة عنصرية فاشية دموية لم يكن يهمها ولا يهمها الان أيضا لا القانون ولا الحقوق ولا الاخلاق ولا الإنسانية . واستطاعت ان تخلق الظروف المناسبة لتحقيق أهدافها من خلال تحالفات قذرة على مستوى العالم .

في عام 1947 أصبحت لديها القوة لتفرض علينا اما قرار التقسيم او النكبة ، هذا من حيث الشكل اما في المضمون فهي ارادت ونفذت النكبة لتقيم دولتها مؤقتا على الجزء الأكبر من فلسطين ، وفي الاجتماع الأول لحكومتها ناقشت احتلال باقي فلسطين ولكنها قررت ان الوقت غير ملائم ، وفي عام 1964 قررت احتلال باقي فلسطين ووضعت الخطط لذلك ونفذتها في عام 1967، وبدأت مباشرة ببناء المستوطنات لتأمين الأرضية لتوسيع دولتها على كل فلسطين.

الحركة الصهيونية حركة ديناميكية لديها القدرة على التخطيط وتجزيء التنفيذ، حسب الظروف والتطورات لتصل الى ما تريد بطول نفس مذهل .

في المقابل نحن العرب بما في ذلك الفلسطينيين إضافة الى حالة الضعف نتيجة الاستعمار المتلاحق ، نعاني من غياب الفكر السياسي والقدرة على التخطيط السليم، مما صبغ ما نقوم به بردود الفعل العاطفية . في عام 1947 اعتقدنا ان الخيار اما كل فلسطين لنا واما نصفها بينما المعطيات على الأرض وموازين القوى كانت غير ذلك، وفي عام 1967 لم نكن قد تهيأنا الى ان إسرائيل تعمل على احتلال باقي فلسطين .

المعضلة الكبرى التي واجهت الصهيونية اثناء تنفيذها لمخططاتها، ان جزأ من شعبنا بقي في وطنه عام 1948 ، وان الأغلبية الساحقة بقيت في الوطن عام 1967 ، ولاحقا سيطرة حركة فتح وباقي التنظيمات الفلسطينية على منظمة التحرير وانتزاع التمثيل الفلسطيني وحصره في المنظمة .

منذ عام 1974 حين رسخت منظمة التحرير الاعتراف بها إقليميا ودوليا وحتى الان، والحركة الصهيونية تعتبر هدفها الأساسي التخلص من هذه المنظمة بشكلها القائم وبرنامجها الطامح لتحقيق حق تقرير المصير والاستقلال . وهي تعمل على عدة جبهات في ان واحد.

ضربات متواصلة للمنظمة عسكرية وسياسية واغتيالات

محاولة خلق بديل تابع لها، بلديات او روابط قرى او ما شابه

تحويل حياة الفلسطينيين الباقين سواء داخل إسرائيل او في الأراضي التي احتلتها عام 1967 الى جحيم كي يغادروا

تهيئة ظروف مناسبة لنكبة ثانية لتهجير من بقي داخل فلسطين

لم تنجح في التهجير ولم تنجح في خلق البديل ، وجاء اندلاع الانتفاضة عام 1987 ليجبر الفكر الصهيوني على إعادة حساباته ومخططاته، ولكن دون التخلي عن هدفه الاستراتيجي.

انتقل العمل الصهيوني من محاولة انهاء منظمة التحرير الى محاولة تدجينها، وهذا ما صرح به الصهيوني شمعون بيرس الى الرئيس الفرنسي بعيد توقيع اتفاقية أوسلو، وبدأت إسرائيل من خلال ما سمي اعتباطا عملية السلام، بعملية طويلة المدى تقوم خلالها بنقل منظمة التحرير الى داخل فلسطين تحت الحكم الإسرائيلي، وبالتدريج تفريغها من محتواها. وفي نفس الوقت مواصلة تغيير الواقع على الأرض وتهيئة الظروف للنكبة الثانية .

خلال ذلك استغلت إسرائيل انتقال التيار الديني الفلسطيني خلال الانتفاضة، من موقع الساكت عن الاحتلال الى خندق رفضه، لتقسيم الأراضي التي احتلت عام 1967 ومواطنيها جغرافيا وشعبيا .

في هذه المرحلة التي نعيشها تواصل إسرائيل تهيئة الظروف لتنفيذ مخططاتها ، وبدأت تعتقد ان ما يجري في دول الإقليم المحيطة والتغير الحاصل في الولايات المتحدة الامريكية وفي العالم ككل، في طريقه لتمكينها من السيطرة والتنفيذ مع بعض التغييرات غير الجوهرية ، ويبدو انهم يخططون الان الى التخلي نهائيا عن وضعنا تحت نوع من الحكم الذاتي الدائم تحت سلطتهم ، والانتقال الى ضم الجزء المسمى الضفة الغربية بالتدريج الى دولتهم، وخلق ما يمكن تسميته دولة فلسطينية في قطاع غزة ولاحقا توسيعها على جزء من سيناء ، ومواصلة تهجير الفلسطينيين من أجزاء فلسطين التي تحت السيطرة الإسرائيلية .

اذا استطاعت الصهيونية العالمية تنفيذ هذا المخطط، فاننا سنكون تحت سيطرة دولة إسرائيلية عنصرية فاشية دموية تواصل العمل على ترحيلنا بالترغيب والترهيب الى الدويلات الطائفية التي يجري خلقها في المحيط بما فيها الفلسطينية في غزة .

اذا استطاعت إسرائيل وكانت على درجة من القوة لتنفيذ مخططاتها فالخيارات ليست دولة على حدود 1967 او دولة واحدة ثنائية القومية بل الخيار هو نكبة ثانية .

في المقابل منظمة التحرير التي هي الان في ما يشبه (الكوما) الغيبوبة ، لا تستطيع بوضعها الحالي وفي ظل ما يجري في الدويلات المحيطة مواجهة هذه المخططات ، هذه المنظمة التي حين وقعت اتفاقية أوسلو وانشأت السلطة، كانت تهدف الى إقامة دولة على حدود 1967 ، عليها ان تتوقف عن لعب دور النعامة وان تخرج رأسها من الرمال ، وان تعترف بان ظروف الإقليم وموازين القوى الدولية انهت إمكانية النجاح في ذلك .

وعليه فان المسؤولية التاريخية على حركة فتح تحديدا وباقي التنظيمات ومكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، تتطلب النهوض من حالة الترهل، وعقد مجلس وطني فلسطيني يضم الجميع ويعيد منظمة التحرير الى الحياة، وينهي الانقسام ثم يتخلص من السلطة ويحلها، ويرمم العلاقات مع القوى المناصرة لقضيتنا في العالم، ويضع برنامج عمل للجميع، واعني برنامج نضالي يشارك فيه كل فلسطيني في العالم وانصار الشعب الفلسطيني لمواجهة الكارثة القادمة .

التفاؤل يبرره شعبنا بصموده الأسطوري، فرغم كل جرائم الاحتلال لم يستطع تهجير الجزء الذي بقي صامدا في داخل الدولة الصهيونية، ولم يستطع تفريغ الضفة وقطاع غزة من أبناء شعبنا . واذا كانت النخب السياسية استمرأت واسترجلت بالميزات والبذخ والمكاسب الذاتية، فان هذا الشعب قادر على قلب الطاولة بكل من وما عليها وخلق الجديد القادر على مواجهة المرحلة الكارثية القادمة كما فعل في مراحل سابقة .

اقرأ للكاتب :

حديث مع راشيل كوري

شكرا للتعليق على الموضوع