مفيد فوزى يكتب : كلام لا يسمعه الرئيس إلا من مخلص!
لا أحد يملك المزايدة على حبى وانحيازى للرئيس السيسى، فأنا القائل دائماً «أبلع له الظلط حتى لا يقفز الأشرار على مقعد الحكم». وإذا كان فى العبارة بعض الرومانسية، فهى يقين القلب والعقل والهوى بالرشد.
وما يقال عادة للرئيس هو تقارير أمنية جافة تفتقد حيوية المشاعر، وللأمانة هناك ما لا يصل للرئيس وهو صوت الحس الشعبى الذى يصدق دائمًا على مدى الأزمات والنكبات فى كل الأزمنة. الحس الشعبى كما يفسره أساتذة الاجتماع هو خلاصة ما يتردد على المقاهى وفى وسائل المواصلات وفوق ألسنة الناس وما تتفوه به النسوة فى الأحياء الشعبية من شرفات البيوت بين الجيران.
من هذه الخلاصة أصوغ هذا المقال وما أضمره من مقصد فى القلب.
1- التصفيق ليس دائمًا يحمل «موافقة اجتماعية» لكل الطوائف. فأنا أسمع الرئيس وأستملح ما يقوله وقد لا أصفق من مقعدى لأنى أصغى بعقلى وأستحسن أفكاره المتقدمة على النسق الاجتماعى السائد. خصوصًا أن المصريين اعتادوا التصفيق دائماً للحكام على اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم. يصفقون بشكل إرادى للسلطة والمتعة.
2- اللغة موضوع الحديث للناس تحتاج لإعادة نظر، فعندما تسمع شريحة ما من الناس «اسمعوا كلامى أنا بس» لا تستطيع هذه الشريحة محدودة الفهم أن تستوعب عمق ما يريد الرئيس أن يعبّر عنه. ويتصورون أن العبارة تصدر مشاعر ديكتاتورية تختفى فى ثياب الرئيس. بيد أنها بعيدة تماماً عن هذا التصور، وإن كان الناس يصنعون الديكتاتور.
3- الإنسان الذى يشكو من نار الأسعار وضيق لقمة العيش تحكمه معاناته سيكولوجيًا وطبيًا، وتصبح «أحكامه» على الواقع المعاش قاسية ومؤلمة وصادمة، وعندما يشيد الرئيس بتحمله واحتماله يصرخ داخله «لامتى؟». ورغم أن هناك طاقة أمل عند المصريين فالخوف هو نفاد طاقة الصبر على الاحتمال وضعف شعلة الأمل.
4- الإيمان الكبير بالشباب لا يمكن أن ينكره عليك أحد يا ريس، باعتبار الشباب ركيزة المجتمعات فى الغد، ولكن الأجيال التى تجاوزت الفئة العمرية للشباب يشعرون أنهم كخيل البلدية عديم الفائدة، ولا أظن أنهم مجرد ممر للأجيال القادمة وأن هذه الأجيال هى جسر متهالك، ذلك قد يؤدى – وبصراحة منقطعة النظير- إلى التراخى والشعور بعدم جدواهم وبالتالى ضمور جذوة الحافز للعمل والعطاء والمطلوب توسيع قاعدة اعتمادك يا ريس.
5- الاهتمام بأصحاب الحالات الخاصة محمود ومحبوب ويجعلك تسعد القلوب. بيد أن البسطاء من الطبقات الدنيا يشعرون أنهم حالات خاصة تحتاج إلى مد يدك نحوهم وربما حدثت «نفسنة» من بنت الإسكندرية المكافحة بعد أن تغيرت حياتها بشقة وسيارة. فلا تندهش من وجود حالات خاصة مماثلة من الكفاح على رصيف الاتحادية تحتاج إلى أذن تسمعها فقط بدلاً من اللجوء للفضائيات.
6- الطبيعة البشرية عند أغلب الناس لا تتوقف كثيراً عند الأهداف الكبرى السامية فى حالات الضنك والاحتياج والحاجة، فـ… «كيلو السكر وزجاجة الزيت وكيس الأرز وأقراص الدواء» أهم عندهم من العاصمة الإدارية الجديدة، مع أن المشاريع الكبرى لأولادهم وأحفادهم ولكن الحس الشعبى يقول «احيينى النهارده وموتنى بكرة»، ويقول محذراً «عض قلبى ولا تعض رغيفى» إنها إشارات لأسباب السخط.
7- من الطبيعى والمعلوم والمعقول فى أدبيات «الشأن العام» أن تتلازم مشاكل الدولة وأحلام الأمة مع مسيرة حياة الناس اليومية. إنها معادلة صعبة ولكن ثق يا ريس أن الشعب معك صفاً واحداً يتحدى أعداء الشر ولكن قواه قد تخذله أمام الأسعار وهموم الحياة الضاغطة.
8- الرقابة الإدارية «عين مصر على الفساد» هذا شعور كل مواطن. ولكن هذا الجهاز الكبير – محل ثقتك – لم يدخل بعد عش الدبابير المسمى بالتجار الجشعين الذين يجلدون الناس كل ساعات النهار. فهل يصلك صراخ الغلابة؟.
9- هناك مقولة تقول إن «الإفراط فى التفاؤل خطر على الأمة بنفس مقدار الإفراط فى التشاؤم»، وكان أستاذ الفلسفة د. عاطف العراقى يقول لطلابه «إن صاحب المنهج غالباً ما يكون متشائماً»، فالرؤية المتوازية التى تزرعها – يا ريس – فى المجتمع يتحتم عليك أن تكون متوازنة فلا إفراط فى تفاؤل ولا إفراط فى تشاؤم. فإذا كنا نبنى لبكرة وهذا جيد فعلينا أن نراعى الحاضر حتى لا تتحول مسألة البناء للغد عبئاً على المواطنين. إنه العذاب والشكوى فوق شفاه تبتسم.
10- تمجيدك الدائم صلابة هذا الشعب فى تحمل أعباء المرحلة شديد الاحترام، ولكن لهذه الصلابة سقف. ليتك تقترب بعقلك وقلبك له فتنزع فتيل الاحتجاجات.
11- هذا الشعب – حقاً – افتقد من يعطف عليه ويتعاطف معه، ولكنه – ويا للغرابة – لا يريد هذه «النغمة» طويلاً. فقد تعود على الجدية والعين الحمرا ولهجة الأب حين ينهر ابنه. يفتقد لحظة الغضب. إنه شعب له سمات رصدها علماء الاجتماع.
12- مازلت أقف عند مقولة «أبوغزالة»: ذهب السلطان وسيفه، فالسيف للمخطئ، كناية عن العقاب. وذهب السلطان مكافأة كناية عن احترام العطاء، وكم من مخطئ أفلت ووطنى عبره التقدير، ولست أنت بسلطان فى يمينه الذهب ويسراه فيها سيف المعز، ولكنه تشبيه للعقاب والثواب، أحلم أن تدخل أدبياتك فى الرؤية فتصبح العدالة الاجتماعية أعمق من شعار.
13- أنت- عفواً – تحتاج إلى «إعلام» يفسر للبسطاء جدوى ما تفعل وتخطط له. تحتاج إلى عقول تشرح للطبقة المتوسطة عمق ما تطمح إليه. تحتاج إلى «رجال دين»، مسلمين وأقباطا، يتولون تبسيط رؤاك المستقبلية لهذا البلد. أنت تحتاج إلى «كتيبة» من الحكماء برتبة مخلص تثق فيها جموع الشعب تعاونك وتؤازرك وتجعل من أفراد المجتمع أوركسترا يعزف بلا نشاز.
14- سأجرؤ على الحديث فى نقطة ولا أظن أنها ستذهب بى وراء أسوار المعتقل وهى «شعبية الرئيس»، ولست أقيسها ببعض المشككين فيها بالاجتهاد الشخصى ولا بالنسب العشوائية، فليس لدينا حتى الآن
علمية تقيس هذه الشعبية ولكن دعنى أستثمر«المواطنة» والقول فى الشارع إن سقف الأحلام والطموحات عندما صار عالياً وقابلت عموم الناس الواقع، فأصابها إحباط، هؤلاء المحبطون ربما كانوا من الضيق- وهذا منطقى- تحت وطأة الشعور بأن ما كانوا يحلمون به من انبساط كف الرزق لم يعد ميسوراً فاختنقوا بالصمت الثرثار.
15- أخرجت ما فى صدرى وأعتذر عن «مقصود لم يُفهم» أو «فهم لم يُقصد»!.
اونا