هونج كونج: جولة في أحد أفضل مقاصد رجال الأعمال في آسيا؟
يعتبر مركز هونج كونج التجاري وجهة رئيسية للمسافرين من رجال الأعمال منذ فترة طويلة، لكن هذه المدينة لا تقتصر فقط على الاجتماعات والمؤتمرات، كما يقول الصحفي كريستوفر ديوولف.
لا تحتاج هونج كونج إلى الكثير من التعريف كمركز تجاري، فالتجارة كانت دوما شريان الحياة فيها، منذ كانت ميناء حرا تحت السيطرة البريطانية، وحتى صعودها كمركز مالي عالمي.
وتستفيد هونج كونج من موقعها الاستراتيجي بين اليابان والصين وجنوب شرق آسيا، مما جعلها مركزا للسفر العالمي، إذ اجتذبت في عام 2016 ما يزيد عن 70 مليون مسافر جوا.
ولأن هونج كونج واحدة من أكثر المدن في العالم التي تتركز فيها المؤسسات المصرفية (إذ تضم 71 مصرفا من أصل 100 من أكبر مصارف العالم)، فإنها تجتذب المسافرين من رجال الأعمال من جميع أنحاء العالم.
ففي الربع الأول من عام 2016، قدم إليها حوالي 314 ألف زائر لحضور اجتماعات ومؤتمرات ومعارض تخص قطاع الأعمال.
وبينما لا يزال القطاع المصرفي يشكل جزءا كبيرا من المدينة، هناك مسافرون مختلفون من رجال الأعمال ينجذبون إلى صناعة ناشئة في هذا الإقليم، وهي صناعة الفن.
فجانب معرض بازل للفنون، ومعارض أخرى، بالإضافة إلى دور المزادات العلنية، وقائمة متزايدة من المعارض الفنية الممتازة، تستفيد هونج كونج من جزء مزدهر من سوق الأعمال الفنية في العالم، وعدد متزايد من زواره.
وبناء على قيمة مبيعاتها في المزادات، تعتبر هونج كونج ثالث أكبر سوق للفنون في العالم، بعد لندن، ونيويورك.
ويقول المستشار الإداري داريل تشان من هونج كونج: “المال سيد الموقف”، وإذا تمكن الناس في هونغ كونغ من إيجاد فرصة لإنشاء مشروعات عمل في مجال ما، فإنهم لا يفوتونها.
وتعد أسباب ازدهار الفن في هونج كونج هي نفس الأسباب التي جعلت منها مركزا تجاريا عالميا في المقام الأول.
ويضيف تشان إن تبني الناحية العملية في ممارسة الأعمال التجارية هناك هو ما يجعل الأمر سهلا.
فالضرائب منخفضة، وإجراءات تسجيل الأعمال التجارية سهلة، وتتجمع فيها المواهب العالمية، وحكم القانون فيها قوي، مما يجذب الشركات إليها، سواء كانت في مجال التجارة في بيع اللوحات الفنية، أو برامج الكمبيوتر.
الوصول إلى هونج كونج
صنفت شركة استشارات السفر الجوي “سكايتراكس” على الدوام مطار هونج كونج الدولي من بين أفضل مطارات العالم، وذلك منذ افتتاحه في عام 1998. ولا يزال ذلك المطار الذي صممه اللورد نورمان فوستر يتميز بأجواء منعشة تشعر بها بعد رحلة طويلة إليه.
وبإمكان المسافرين بشكل متكرر إلى هونج كونج التسجيل لاستخدام النظام الآلي الذي تعمل من خلاله سلطات الهجرة (ويحمل اسم إي تشانيل)، والذي يخفض الوقت الذي يقضيه المسافر في طابور مراجعة جوازات السفر إلى دقيقتين فقط.
وحال تجاوزك الجمارك، يوصلك قطار المطار السريع (إيربورت إكسبرس) إلى جزيرة هونج كونج في 24 دقيقة، مقابل 12 دولار ـ أي حوالي ثلث تكلفة سيارة الأجرة.
ولدى وصولك المدينة، يمكنك شراء بطاقة “أوكتوباس” القابلة لإضافة تكاليف السفر مسبقا، والتي تتيح لك الوصول إلى محطة مترو الأنفاق الدائم الحركة، والموثوق، وغير المكلف أيضا.
كذلك فإن تكلفة سيارات الأجرة معقولة، ويبدأ عداد الرحلة فيها بمبلغ 2.80 دولار، قبل أن تزيد الأجرة بشكل تصاعدي.
الاعتبارات الثقافية
قبل أن تطأ قدماك هونج كونج، تذكر أنك ذاهب إلى منطقة إدارية خاصة تابعة للصين، وليس إلى البر الرئيسي للصين نفسه.
فقد ترك الإرث الاستعماري البريطاني لهونج كونج لغة وعملة وأنظمة قانونية وثقافة مختلفة عن تلك الموجودة في بر الصين الرئيسي. وبينما لغة عالم الأعمال السائدة في هونج كونج هي الانجليزية، ويزداد أيضا شيوع لغة الماندرين، فإن الكانتونيز هي اللغة المشتركة فيها.
وربما كانت كلمة “إنغويي” أكثر كلمة مفيدة بإمكانك تعلمها: ويمكن أن تعني “من فضلك”، و”عفوا”، و”شكرا” في سياقات مختلفة.
وبينما تعتبر هونج كونج جزيرة متميزة ومستقلة، هناك الكثير من التداخل الثقافي بينها وبين الأراضي الصينية الرئيسية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمفهوم حفظ ماء الوجه.
وأسوأ ما يمكن أن تفعله هو أن تجعل شريكك أو عميلك يشعر بأنك تقلل من شأنه. فالتنازلات، حتى لو كانت رمزية، ضرورية للحفاظ على علاقة جيدة تحفظ ماء الوجه للجميع.
أما الطعام فهو موضع آخر يمكن أن يقع فيه الزوار الأجانب في عثرات. فمع أن عشاء العمل في المطاعم الصينية عادة ما يتضمن أطباقا مشتركة، تعد المجاملة أمرا بالغ الأهمية، لذا عليك أن تتأكد من ملء أكواب رفاقك على العشاء بالشاي، أو الماء، قبل ملء كوبك أنت، ولا تتناول القطعة الأخيرة من الطعام في الطبق.
ولا تثبت أبدا عيدان الأكل بشكل قائم في وعاء الأرز، لأن هذا يشبه طريقة استخدام عيدان البخور في الجنازة.
الأمور المالية
لقد جعل سوق العقارات الذي تتزايد قيمته باستمرار هونغ كونغ واحدة من أغلى المدن في العالم، لذا إذا بقيت في المناطق التجارية الرئيسية، توقع أسعارا خيالية لكل شيء، بداية من فنجان القهوة إلى شريحة لحم صغيرة على العشاء.
ويقدر تقرير شركة “إكسبرت ماركت” المعني بخدمات الأعمال التجارية أن معدل التكلفة اليومية لرحلة عمل في هونج كونج يصل إلى 523 دولار، مقابل 478 دولار في سنغافورة، و442 دولار في نيويورك.
وتقبل العديد من الأماكن بطاقات الفيزا، والماستركارد، ولكن لا تقبل في كثير من الأحيان بطاقة أميركان إكسبرس، والعديد من الشركات الصغيرة لا تقبل الدفع إلا نقدا.
وتوجد العديد من ماكينات الصرف الآلي في جميع أنحاء المدينة، بما فيها تلك التابعة لمؤسسات مصرفية دولية كبرى مثل “إتش إس بي سي”، و”سيتي بانك”.
البقشيش ليس معتادا، رغم أن العديد من الرواد يترك بقشيشا رمزيا في المطاعم الراقية. وفي العديد من المطاعم والحانات، تضاف نسبة 10 في المئة تلقائيا كرسوم خدمة إلى الفاتورة.
أين تقيم؟
كانت تسيطر على قطاع الفنادق في هونج كونج في السابق علامات تجارية كبيرة ذات تصاميم داخلية فاخرة، لكنها مملة بعض الشيء. لكن صناعة الفنادق اضطربت في السنوات القليلة الماضية، واستحدثت عروض فنادق صغيرة جديدة، وأكثر حيوية.
ويقول المهندس المعماري جي جي أكونا، مدير التصميم في شركة “جي جي إي بيسبوك آركيتكتشر”: “تعمل الفنادق الشهيرة القديمة على تحديث تصاميمها الداخلية وعروضها بصورة شاملة، لأن لاعبين مستقلين جدد في المدينة يتنافسون على الأموال التي تجلبها السياحة”.
ويلزم معظم المسافرين من رجال الأعمال المناطق التجارية الرئيسية في أحياء “سنترال ووان تشاي”، حيث تتنافس فنادق فاخرة من فئة الخمس نجوم مثل ماندارين، أورينتال، وفور سيزونز، وغراند حياة، مع فنادق جديدة ذات تصاميم أنيقة، مثل أبر هاوس، وميرا مون.
وأدت الإيجارات العالية في هونج كونج إلى انتقال كثير من الشركات بصورة متزايدة إلى مناطق أبعد، مما يعني أن أحياء جديدة كاملة باتت تجتذب المسافرين من رجال الأعمال الآن.
ففي حي “كواري بي”، يقع فندق هوتيل إيست بالقرب من أبراج مكاتب “تايكو بالاس″، وحي الأعمال التجاري المتوقع له النجاح في كولون إيست. بينما يعتبر فندقا ريتز كارلتون، ودبليو هوتيل الواقعان فوق محطة قطار “إيربورت إكسبرس ” خيارين مناسبين للوصول إلى كل من مركز التجارة العالمي، ومنطقة وسط المدينة.
تناول الطعام
لطالما كانت هونج كونج جنة لمحبي الطعام، بسبب وجود مطاعم مشهود لها بأسعارها المناسبة.
ويتضمن دليل “ميشلان” الشهير للعام الحالي 61 مطعما متألقا، من بينها أحد مطاعم سلسلة “ديم سوم” الشهيرة، ويحمل اسم “تيم هو وان”، حيث تكلف الوجبة الدسمة لشخص واحد في ذلك المطعم ما لا يزيد عن 13 دولار.
ويبلغ متوسط مساحة الشقة العادية في هونغ كونغ 40 مترا مربعا فقط، لذا فالمطاعم مكتظة كل ليلة بمجموعات من الأصدقاء، أو أشخاص منفردين على على حد سواء.
وهناك وفرة في مطاعم الوجبات السريعة والعادية (غير الرسمية) في أحياء المدينة، والتي تقدم أطباقا بكميات كافية تتضمن أطباقا من اللحم المشوي، والأرز بأقل من 7 دولارات.
وشهدت هونج كونج في السنوات الأخيرة طفرة في المطاعم غير الرسمية، ولكنها مطاعم راقية أيضا، يقودها طهاة طموحون.
ففي مطعم “فيش سكول”، يقدم ديفيد لاي ـ الذي تدرب على يد الطاهي الفرنسي الشهير ألان دوكاس ـ أطباقا حديثة مصنوعة من المأكولات البحرية المحلية، بينما يقدم مطعم “ماي تشاو” الواعد مأكولات عالمية بنكهات من شانغهاي.
خارج ساعات العمل
كثيرا ما كان المسافرون إلى هونج كونج من رجال الأعمال في حيرة أمام الخيارات المتوفرة عندما يتعلق الأمر بنشاطاتهم بعد ساعات العمل.
وكان ذلك يعني الذهاب إلى الشاطئ، أو تناول المشروب في إحدى الحانات في مناطق عدة في المدينة، أو الذهاب إلى أحد المتنزهات المحمية، أو مزيجا من تلك الأنشطة.
لكن ازدهار الثقافة في هونج كونج أضاف المزيد من وسائل التسلية إلى ذلك المزيج.
إذ أن المتاحف الدولية هناك، مثل متحف “وايت كيوب”، ومتحف “غاغوزيان”، ومتحف “بن براون” للفنون الجميلة، تستضيف فنانين ذوي أسماء كبيرة بانتظام، بينما تعتبر المؤسسات المحلية غير الربحية مثل “بارا سايت”، و”سبرنغ ووركشوب” ملاذا للمعارض التي تحث على التفكير.
وسينضم إلي تلك المتاحف الفنية قريبا بعض اللاعبين الكبار، إذ سيفتتح في وقت لاحق من هذا العام مركز “تاي كوون”، وهو مركز للفن المعاصر يقع داخل مجمع قديم للسجون، يعود إلى القرن التاسع عشر.
وستبلغ المساحة المخصصة للمعارض في ذلك المركز نحو 15 ألف متر مربع، مقسمة بشكل فني إلى صناديق سوداء تعبر عن حالة من الغموض، صممها المهندسان المعماريان السويسريان هرتزوغ، ودي ميرون.
بي بي سي