أزمة تشكيل الحكومة المغربية بين “صفقة جديدة” وجدلية اللجوء إلى “تحكيم ملكي”

وصلت أزمة تشكيل الحكومة المغربية إلى مستويات غير مسبوقة من التصعيد، بعد إصرار رئيس الحكومة المكلف، عبد الإله بنكيران، على رفضه إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتمسك رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، وتأكيده على ضرورة مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة القادمة لتحقيق أغلبية مريحة.

وأمام حالة الانسداد التي دخلت شهرها السادس، ظهرت سيناريوهات جديدة للخروج من هذه الأزمة السياسية، إلى حين عودة العاهل المغربي الملك محمد السادس من جولته الافريقية التي ربما ستكون حاسمة في إيجاد مخرج لهذه الأزمة.

وفي هذا السياق، كشف تقرير صادر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، أن السيناريوهات المحتملة لحل أزمة تشكيل الحكومة بالمغرب، هما اثنان، يتمثل الأول في ما سماه التقرير بـ”صفقة جديدة” تشبه تلك التي “جاءت بحكومة بنكيران الأولى بعد اندلاع احتجاجات عام 2011، وإقرار التعديلات الدستورية. يمكن من خلالها إجراء إصلاحات سياسية ودستورية في النظام المغربي لضمان انتقال ديمقراطي سلمي، لا يعرض البلد أزمة سياسية وأمنية واقتصادية خطيرة، في بلد يعرف تعددية لغوية و ثقافية وأيديولوجية كبيرة”.

اما السيناريو الثاني، حسب التقرير، فيتجلى في اختيارين: إما العودة إلى صناديق الاقتراع وتنظيم انتخابات جديدة، وهنا ستكون حظوظ حزب العدالة والتنمية كبيرة للفوز بها، قدراته التنظيمية وخبرته الانتخابية الطويلة، أو التوصل إلى اتفاق بين بنكيران والمؤسسة الملكية، ويبقى هذا الاحتمال هو المرجح، وذلك لحاجة الطرفين أحدهما إلى الآخر في هذه المرحلة على الأقل؛ إذ دشن المغرب مؤخرا مرحلة جديدة من الانفتاح على أفريقيا، والسعي لحل قضية الصحراء من خلال دبلوماسية إقليمية وقارية فاعلة.

وعن احتمالية اللجوء إلى تحكيم ملكي لتجاوز هذه الأزمة في المشاورات الحكومية، استبعد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، اللجوء إلى هذا الحل كما استبعد خيار العودة للانتخابات المبكرة.

وقال لشكر في لقاء جمعه مؤخرا بوسائل الإعلام في العاصمة الرباط، أن “الدستور يعالج كل الأمور، فلماذا سنحتاج إلى تحكيم ملكي”.

وعن خيار إعادة الانتخابات بعد تعثر رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران في تشكيل أغلبيته، أكد لشكر إنه يستبعد هذا المسار لأنه “حتى تعاد الانتخابات يجب أن يتداول فيها المجلس الوزاري”.

عبد الرحيم العلام، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، التقط هذا الجدل بالقول إن الوَضع السياسي الحالي لا يحتاج إلى تحكيم ملكي، وزاد: “ستأخذ المشاورات طريقها العادي إما بتشكيل الحكومة أو أن يبلغ بنكيران الملك، بأنه لم يوفق في مهامه بتشكيل الحكومة”، مردفا بأن “الملك يتصرف حينئذ من تلقاء نفسه كرئيس دولة، فإما أن يختار شخصا آخر من داخل حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة أو أن يكلف الحزب الثاني في الانتخابات التشريعية أو يدعو إلى انتخابات جديدة.

وتابع الباحث المغربي ذاته بأن الأحزاب السياسية المتصارعة إن لم تتفق بينها “فالمنطق أن تعود إلى حلبة الصراع، التي هي الانتخابات، وليس اللجوء إلى التحكيم الملكي”؛ فيما اعتبر أن للملك الحق في تأويل الدستور وخلق عرف دستوري أو ما يسمى بالممارسات الدستورية التي لا توجد بالنص الصريح في الوثيقة الدستورية، وزاد: “هناك بياضات في الدستور، مثل أنه لم يحدد مهلة تشكيل الحكومة أو إلى ماذا سيؤول الوضع إذا لم يتم تشكيل الحكومة”.

في سياق مختلف، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس، الدكتور أحمد مفيد، أنه اعتمادا على الفصل 42 من الدستور المغربي، فالملك له كل الصلاحيات الدستورية للتدخل، بهدف وضع حد لما وصلت إليه المشاورات المتعلقة بتشكيل الحكومة، والتي لم تسفر عن نتائج ملموسة، كما يمكن “أن يضع حدا للهدر الكبير للزمن السياسي الذي رافقه تعطيل عمل مؤسستين دستوريتين هامتين، هما الحكومة والبرلمان”، وفق تعبيره.

ويعتبر مفيد أن “التحكيم الملكي مطروح بقوة، لأن الأمر لم يعد يقتصر على صراع وتنافس بين أحزاب سياسية، وإنما نتج عنه تعطيل عمل مؤسسات دستورية، في ظل وضعية تتميز بالكثير من الرهانات والتحديات الوطنية والدولية”، على حد قوله.

ويعتبر ذات المحلل السياسي، أن الملك سيعمل على ممارسة التحكيم في إطار مقتضيات الدستور، إذ بإمكانه أن يطلب من رئيس الحكومة المكلف ورؤساء الأحزاب السياسية المعنية بالمشاورات الحكومية الرجوع للمفاوضات والخروج بصيغة متفق حولها، أو سيطلب من رئيس الحكومة المكلف في حال فشله، أن يقدم طلب إعفائه، وفي هذه الحالة يحق للملك إعادة تكليف شخصية أخرى من حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة، أو اتخاذ القرار بإجراء انتخابات تشريعية جديدة.

شكرا للتعليق على الموضوع