حرب جنوب السودان تختبر قدرة جيرانه على تحمل اللاجئين

قبل عام واحد كان المشهد أمام كوخ ريتشارد إينياني، وهو مدرس أوغندي، أرض قفر لم تمسسها يد بشر منذ التسعينات أيام حوادث العنف والقتل على أيدي جيش الرب للمقاومة بزعامة جوزيف كوني.

أما الآن فالمشهد مختلف: مخيمات من المشمع تضم آلاف النازحين من جنوب السودان الفارين من حرب أهلية دائرة منذ ثلاث سنوات تسببت في أكبر تدفق للاجئين عبر الحدود في أفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

ولا يزال تدفق النازحين مستمرا. ففي الأسبوع الماضي وصل أكثر من 3000 شخص إلى الحدود في نهار يوم واحد بعد ما تردد عن مذبحة ارتكبتها قوات حكومة جنوب السودان في بلدة باجوك التي يقطنها قرابة 50 ألف نسمة.

يقول اللاجئون، إن باجوك الآن خاوية على عروشها.

ويختبر طوفان النازحين هذا مدى كرم أوغندا.

ففي حين يبدي إينياني سعادة في مساعدة أقرانه الأفارقة وقت الشدة، إذ أن كثيرا من الأوغنديين بمن فيهم الرئيس يوويري يوسيفيني كانوا يوما لاجئين، فإنه ليس بنفس القدر من الحماسة إزاء رؤية أعلام الأمم المتحدة مرفوعة على مقربة.

وقال مسؤول حكومي كبير، إن نظام أوغندا لاستيعاب اللاجئين، والذي يوصف دائما بأنه من أكثر النظم تطورا في العالم، يوشك على الانهيار على نحو قد يحدث “انفجارا”.

فنظام أوغندا يسمح لأبناء القرى بالمناطق الحدودية الفقيرة التبرع بأراض للاجئين على أمل أن أموال المعونات الأجنبية التي تدعم النازحين ستساعد قراهم أيضا في شكل خدمات عامة تعود بالنفع على الجميع كالمدارس والطرق والآبار والمراكز الطبية.

المشكلة أن تدفق المعونات لا يساير تدفق البشر، إذ أن 832 ألفا على الأقل قدموا من جنوب السودان منذ تفجر القتال في يوليو/تموز من العام الماضي، والنظام يتداعى.

والقرية التي يعيش بها إينياني من بين تلك التي تبرعت بمئات الأفدنة على أمل الحصول على كثير من الاستثمارات في المقابل.

وظهر قدر من هذا العائد بالفعل مثل المركز الطبي الجديد على مشارف مستوطنة بجارينيا والذي أقامه الاتحاد اللوثري العالمي، وهو مؤسسة خيرية مسيحية، وتتكفل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بدفع تكاليفه. وقالت ممرضتان أوغنديتان تعملان فيه إنهما تتلقيان رواتبهما من جماعة (ميديكال تيمز إنترناشونال) الخيرية الأمريكية.

لكن المدرسة الجديدة في بجارينيا متكدسة بالتلاميذ، والآبار الجديدة بعيدة جدا بما لا يتيح استخدامها، وما من فرص عمل جديدة. ولأن اللاجئين قطعوا معظم أشجار المنطقة لاستخدام أخشابها في التدفئة وإقامة المأوى، تجتاح الريح السهول وتثير الأتربة.

وتتزايد عدوى التهابات الحنجرة ويقول إينياني، إن أرواح الأجداد لم تعد تنعم بالسكينة.

وقال لرويترز بينما كان يمزج الأسمنت من أجل كوخ أحد أقاربه، “توقعنا أن يحمل اللاجئون معهم شيئا إيجابيا وأن يجلبوا معهم التنمية… لكننا وجدنا مشاكل جديدة”.

وهذا الشعور لا يتملكه وحده.

وفي الأسبوع الماضي ذكرت وكالة تمازوج للأنباء بجنوب السودان، أن أربعة من أبناء جنوب السودان في مستوطنة بيدي بيدي التي تقع على مساحة 250 كيلومترا مربعا ويقطنها ما يقرب من 300 ألف لاجئ، وهي أكبر مخيم لاجئين في العالم من حيث العدد، شهدت هجوما من مسلحين بالبلط من بين “مضيفيهم” الأوغندنيين.

ونقلت الوكالة عن لاجئ مسن يدعى سايمو لادو قوله، “وفروا لنا مدرسة ابتدائية واحدة وهي تضم ما يقرب من 5000 طفل. لك أن تتخيل مدى صعوبة الوضع”.

وأضاف “بدأت المشكلة عندما دارت شائعات بأن لاجئة سممت طفلا ثم بدأ الاقتتال. لم يمت أحد لكن أربعة لاجئين أصيبوا بجروح خطيرة”.

أما روبرت بريامويسيجا المسؤول عن المخيم فقال، إنه لا يعلم شيئا عن الواقعة.

*”نقطة انهيار”

وفقا لقانون أقرته أوغندا عام 2006، يتمتع اللاجئون بحرية الحركة والحق في العمل والعلاج بالمستشفيات العامة والتعليم بالمدارس الحكومية.

وتحصل كل أسرة على قطعة أرض مساحتها 30 مترا في 30 مترا تقيم عليها كوخا وقطعة أكبر مساحتها 100 متر في 100 متر لزرع محاصيل بحيث تكتفي ذاتيا في أسرع وقت ممكن.

وجعل هذا النظام أوغندا ملاذا متكررا للفارين من صراعات كثيرة اجتاحت منطقة البحيرات العظمى الأفريقية خلال العقود الثلاثة الماضية.

وقال رئيس الوزراء روهاكانا روجوندا لرويترز، “مؤازرة الجار ومد يد المساعدة للمحتاج جزء لا يتجزأ من تقاليدنا وتاريخنا وثقافتنا”.

لكن إن غاب المال، انهار النظام.

تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إنها لم تتمكن من توفير سوى عشرة في المئة من المبلغ المطلوب للاجئي جنوب السودان في أوغندا هذا العام وهو 300 مليون دولار، مما يجعلها غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للاجئين أو المواطنين.

وقال فيليبو جراندي المفوض السامي لشؤون اللاجئين، “نحن عند نقطة انهيار. أوغندا لا يمكنها التعامل وحدها مع أكبر أزمة لاجئين في أفريقيا”.

وقال مسؤولون بمفوضية اللاجئين، إن أزمة أوغندا تتزامن أيضًا مع كوارث إنسانية أخرى في أفريقيا أبرزها الجفاف في الصومال ونقص الغذاء في شمال شرق نيجيريا جراء التمرد الذي بدأته جماعة بوكو حرام الجهادية منذ ست سنوات.

وقال مسؤول كبير بالحكومة الأوغندية، “هناك تدفق مستمر ولا موارد تسايره من قبل المجتمع الدولي”.

وتابع “إن لم نتلق دعما، أعتقد أن الموقف سيصل مستويات يمكن أن تحدث انفجارا”.

*”الأرض أرضنا”

قال المسؤول، إن أوغندا تجري محادثات مع البنك الدولي للحصول على قرض قيمته 50 مليون دولار ومدته خمس سنوات للمساعدة في استضافة اللاجئين. في الوقت ذاته بدأت مظاهر الكرم تتقلص.

وذكر عشرات اللاجئين الذين التقت بهم رويترز، أنهم أو أصدقاء لهم لم يحصلوا في الآونة على الحصة الشهرية من الغذاء وهي 12 كيلوجراما من الذرة وأربعة كيلوجرامات من البقوليات.

بالإضافة إلى ذلك لم يقل أي من اللاجئين الذين التقت بهم رويترز، وبعضهم يعيش في أوغندا منذ 2014، إنه استلم قطعة أرض أخرى غير تلك الصغيرة المخصصة لإقامة مأوى عليها.

وقال مارك مانيون وهو شاب من جنوب السودان يبلغ من العمر 26 عاما ويعيش في أوغندا منذ نحو ثلاث سنوات، “الأمور تزداد صعوبة… وعليك أن تأكل مرة واحدة فقط في اليوم”.

ومع عدم توافر الأرض الخصبة الصالحة للزراعة، إذ أن تربة بجارينيا حجرية وقفر، سيبقى اللاجئون يعولون على المنح المقدمة بالتنسيق مع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

ويقر المسؤولون الأوغنديون بوجود أوجه قصور لكنهم يقولون، إنهم سيخصصون الأرض الزراعية فور انقضاء الأزمة.

وقال جودفري بياروهانجا المسؤول عن مخيم بالورينيا الواقع على بعد 40 كيلومترا والذي يؤوي 148 ألفا من أبناء جنوب السودان، وهو عدد يزيد عن عدد السكان الأوغنديين في المنطقة التي يقع فيها، “في حالات الطوارئ ينصب التفكير على إنقاذ الحياة والباقي يأتي لاحقًا”.

غير أن الحرب الأهلية في جنوب السودان تأتي كل أسبوع بتقارير عن أعمال وحشية عرقية بما لا يدع مجالا لتوقع انتهاء “حالة الطوارئ” في أي وقت قريب.

وتسبب القتال في نزوح أكثر من ثلاثة ملايين من أبناء جنوب السودان ومن المرجح ألا يجد 5.5 مليون نسمة، أي حوالي نصف عدد السكان، مصدر غذاء يعولون عليه بحلول يوليو/تموز حسب بيانات الأمم المتحدة.

وما من شك في أن بعضهم سينتهي به المطاف في تلك المنطقة التي يعيش فيها إينياني.

وقال إينياني، “لا نريد مالا. نريد فقط أشياء صغيرة: آبارا، مدارس، طرقا، تنمية”.

ثم قال “نملك القدرة على إيقاف هذا. هذه أرضنا. ويوما ما سنتحرك. سنوقف مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. الأرض أرضنا”.

رويترز

شكرا للتعليق على الموضوع