خدش الرونق … جريمة من العالم الهلامى
لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ، مبدأ قانونى تنص عليه اغلب الدساتير فى العالم المتحضر وغير المتحضر .
فبعد الحملة من الانتقادات والسخرية التى شُنت على مواقع التواصل الاجتماعي بعدما وجهت نيابة أمن الدولة العليا تهمة “خدش رونق المجلس الأعلى للقضاء” للصحفي طارق حافظ بعد نشره تحقيقا صحفيا عن تعيينات أبناء المستشارين والقيادات الأمنية بالنيابة العامة ، وهو ما وصفه خبير قانوني بأنه مبالغة غير معتادة واتفق معه خبير سياسي في أن التعدى الحقيقي على القضاة حدث في إقرار قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية بالمخالفة للدستور ولم يتصدوا له.
وترجع أحداث الواقعة إلى الأربعاء الماضي، بعدما استدعت نيابة أمن الدولة عن طريق نقابة الصحفيين طارق حافظ ، وجهت له ثلاث اتهامات غريبة وهلامية – بحسب وصفه – وهي خدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء بقصد النيل من اعتباره، وهي الجملة التي رآها مطاطية وليست محددة، إضافة إلى تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالسلطة القضائية عن طريق نشر أخبار كاذبة، وتعمد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات.
حافظ قال ، إنه يعمل عشر سنين بالملف القضائي ولم يسمع عن هذه التهمة من قبل ، وعقب إخلاء سبيله تواصل مع أساتذة قانون ورئيس مجلس الدولة الأسبق المستشار محمد حامد الجمل وأعربوا عن دهشتهم من هذه التهمة، مضيفا: “المحامي نفسه استغرب وسألهم في مادة إيه في القانون ومحدش رد عليه”.
ولفت إلى أن هناك تهم غريبة بدأت تظهر في الفترة الأخيرة غير منصوص عليها بقانون العقوبات، بالرغم من أن هناك قاعدة راسخة بمحكمة النقض بأنه لاحكم ولا إدانة إلا بنص قانوني صريح، مشيرا إلى أن هذه التهم أخذت في الظهور لأن التهم القديمة أصبحت مستهلكة ، متسائلا: “ما هو الرونق العام؟”.
يصف الدكتور فؤاد عبد النبي أستاذ القانون بجامعة المنوفية هذه التهم بأنها مبالغ فيها مشيرا إلى أنها مخالفة لنص المادتين 302 و 304 من قانون العقوبات كما أنها جديدة ولم توجه ﻷحد قبل ذلك.
ويقول ، إن نشر أخبار عن مخالفات في قضية تعينات النيابة طالما قائمة على مستندات ومعلومات موثقة لا تندرج ضمن السب والقذف بحكم القانون.
وتنص المادة 302 من قانون العقوبات على أنه “يعد قاذفا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه”.
وبحسب عبدالنبي فإن بقية المادة تقول “ومع ذلك فالطعن في أعمال موظف عام أو شخص ذى صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة لا يدخل تحت حكم الفقرة السابقة إذا حصل بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة وبشرط أن يثبت مرتكب الجريمة حقيقة كل فعل أسند إليه ولا يغنى عن ذلك اعتقاده صحة هذا الفعل، ولا يقبل من القاذف إقامة الدليل لإثبات ما قذف به إلا في الحالة المبينة في الفقرة السابقة”.
ويكمل أستاذ القانون عرضه لمواد قانون العقوبات المتعلقة بقضايا السب والقذف قائلا إن “المادة 304 تقول: لا يحكم بهذا العقاب على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله”.
ويشير إلى أن ما نشره الصحفي كان قائم على وثائق ومستندات ومع ذلك تم توجيه التهمة إليه في الوقت الذي تجاهل مجلس القضاء الأعلى التعديلات على قانون رؤساء الهيئات القضائية ولم يتحركوا لوقف القانون بإجراءات قانونية شبيهة.
وفي السياق ذاته تساءل الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية عن صمت القضاء على إقرار قانون تعيين قياداتهم بالمخالفة لرؤيتهم قائلا: ” ألم يخدش رونق القضاه عندما أقر رئيس الجمهورية قانون مخالف للدستور متعلق بهم؟”.
وأضاف أن القانون سابق الذكر تعدى مرحلة خدش الرونق بل استبيح فيه القضاء وجعل من رئيس الجمهورية الخصم والحكم ومع ذلك لم يتحرك القضاة كما تحركوا ضد الصحفي .
وقال ، إن من حق الصحفيين والإعلاميين مناقشة قضية تعيينات النيابة العامة لما يقع فيها من مخالفات مشيرا إلى أن سيادة فكرة عدم الاقتراب من القضاة حتى لو وقعوا في مخالفات غير مقبولة.
وأوضح أن هذه التهم فيها مبالغة كبيرة وتصيد ﻷن تعيينات النيابة العامة قضية مهمة وصمت الصحفيين عن كشف المخالفات فيها خيانة لمهنتهم، ﻷن الواقع يقول إن البعض يحرمون من حقوقهم ويستولي عليها بعض أبناء القضاة بفعل المحسوبية والوساطات.
وتابع أن مشاكل مصر لم تحل إلا بحصول كل صاحب حق على حقه، فكيف سيكون المعين الجديد وكيل نيابة أو قاضي وهو غير مؤهل لهذا المنصب.
مصر العربية