رامي فرج الله يكتب : زيارة كيري وحقيبته الملأى
يعتزم جون كيري، وزير الخارجية الأميركية، زيارة المنطقة مرة ثانية بعد مرور اثنين وخمسين يوماً على هبة القدس، لكن زيارته هذه المرة تحمل في طياتها الكثير من المفاجأت التي يمكن أن تستغلها القيادة الفلسطينية لصالح الدولة المرتقب إقامتها في غضون عام 2017.
كيري لم يأتي منرأسه على الإطلاق، وإنما بإيعاز من نتانياهو، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، وقد قدم الأخير مقترحات من أجل إنهاء الصدام والمواجهات مع الفلسطينيين، فقد كشف تقرير صحفي نشر على واشنطن بوست، ترجم إلى العربية ونقلته وكالة أمد الإخبارية قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في اذار/ مارس المنصرم، أن نتانياهو يريد التنازل عن القدس الشرقية والسماح بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، بيد أن ما يعانيه نتانياهو بعد الانتخابات وفوز المستعمرين بغالبية في الحكومة، الأمر الذي يقيد رئيس وزراء الاحتلال من التنازل عن القدس.
لقد دفع نتانياهو بالفلسطينيين إلى المواجهة مع قواته وقطعان المستعمرين، باستباح هؤلاء القطعان باحات المسجد الأقصى، قبل شهرين من الان، لتهب الضفة بشيوخها ونسائها وشبابها وأطفالها نصرة للقدس والأقصى، فبدأت عمليات الطعن بالسكاكين في خواصر المستعمرين، رافضين تبني الفصائل الفلسطينية لأي شهيد يفدي نفسه الأقصى، فجاء ذلك متناغماً مع ما يريده نتانياهو للتخلص من حكم المستعمرين ( المستوطنين)، معتبراً الرئيس الفلسطيني محمود عباس محرضاً على المقاومة الشعبية ضد إسرائيل، ولو لم يكن مراده التخلص من المستعمرين، لتخلص نتانياهو من عباس بتسميمه، كما تخلص شارون من عرفات.
نتانياهو يتفهم أن الفلسطينيين بحاجة إلى دولة كاملة السيادة، يعيشون فيها بأمان وسلام ، وحرية و استقلال، لكنه يخشى من اغتياله داخل إسرائيل كما حدث مع سابقه رابين، كما أن الرئيس عباس رأى الشارع الفلسطيني في الضفة في حالة غليان، حيث لم تقدم المفاوضات حتى الان أي شئ، فانسجمت القيادة الشرعية مع متطلبات الشارع ونبضه بالحصول على الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
هبة القدس تهدأ وتتصاعد وتيرتها بين الفينة والأخرى، وما تتسم به الهبة الشعبية أنها غير عسكرية، فقد شكلت خطراً كبيراً على حياة الاحتلال، وقضت مضاجعه، لأن العمليات الفدائية التي يقوم بها الفلسطينيون هي فردية ، وأتت أكلها باستقطاب تجاوب الغرب وأميركا بالأخص مع عنفوانها ونتائجها.
أضف إلى ذلك ، نتانياهو سيقدم تنازلات ربما تنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من المفروض أن تقدم في مفاوضات الوضع النهائي، تتمثل في التنازل عن مناطق ( ب ) أمنياً لصالح السلطة الفلسطينية ، إضافة إلى تنازل إسرائيل عن مناطق (ج) لتخضع بالكامل تحت السيطرة الفلسطينية، وكذلك القدس الشرقية، و تسليم الحدود والمعابر كاملة والأمن الخارجي للفلسطينيين، و انسحاب الاحتلال من الضفة ، الأمر الذي يبشر بقرب استكمال المشروع الوطني في تحقيق حلم الدولة .
إن دهاء الرئيس عباس سيخضع إسرائيل تحت ركبتيه، فهاهو يسحب البساط تدريجياً من تحت قدمي نتانياهو، ما اعتبره الأخير أن عباس أخطر رجل على إسرائيل ، و باشر العمل العسكري الثوري، ولكن بثوب سياسي دبلوماسي، وفي الوقت ذاته ، لن يسمح نتانياهو بأن يخرج مهزوماً مرتين، الأولى أخرجته المقاومة الفلسطينية مهزوما في عدوانه الأخير على غزة، والثانية سيخرجه ذكاء القيادة والرئيس عباس و الضفة الغربية مهزوماً في هبة القدس، فسيلجأ إلى شن عدوان جديد على قطاع غزة أشد ضراوة من عدوان تموز عام 2014، ليقول للعالم والفلسطينيين أنه خرج من هذا الصراع المرير بشرف وكرامة، وأنه قدم هذه النتازلات بمحض إرادته، وليس ضغطاً من الفلسطينيين.
بقلم الصحفي : رامي فرج الله
كاتب ومحلل سياسي – فلسطين