التأمّل والتمعّن …تقنيّة وفنّ في مفهوم الايزوتيريك

بيروت – تقلا ابراهيم : التأمل والتمعّن” هو الكتاب السادس والاربعون باللغة العربية ضمن سلسلة علوم الايزوتيريك بقلم الدكتور جوزيف مجدلاني (ج ب م) منشورات أصدقاء المعرفة البيضاء  – بيروت يتضمن 160 صفحة من الحجم الوسط. وسبق أن صدر هذا الكتاب باللغة الانكليزية بعنوان: MEDITATION and CONTEMPLATION   للكاتب نفسه.

     ” التأمل والتمعّن” هو الكتاب  الأول الذي يكشف التقنيات الباطنية في قسمين، يعالج موضوع التأمل في القسم الأوّل، والتمعّن في القسم الثاني، مقدماً في قسميه منهجاً للنمو الداخلي والتطور الذاتي عبر تطوير الوعي وتحليله وتفسيره. فالوعي بطبيعته ذبذبي التكوين، وهو يعمل ويتفاعل مع ذبذبات أخرى في الحياة، مستحدثاً حالة متناغمة من الادراك واليقظة على كلّ صعيد… وفقاً لتفكير المرء وغايته.

     ” التأمل والتمعّن” يقدّم دليلاً شاملاً بأسلوب المنطق العلمي مع تمارين ذاتية، شارحاً أن التأمل لا يكتمل دونما التمعّن، ولا التمعّن يجدي نفعاً من دون التأمل حيث أن التمعّن هو تحليل وتفسير ما تلقّفه المرء خلال التأمل. هذا ويكشف الكتاب تقنيات التأمل والتمعّن وارشادات الى كيفية تفتيح مقدرة إستنباط الأفكار و الاحساس المرهف نحو استلهام الصور الذبذبية عبر النبضات الكونية التي تتفاعل في كلّ انسان دونما انتباه الى ما تحمله. ولعلّ هذا ما يفسّر أن نتائج التأمل لا متناهية… كعمليّة إنقسام الخلايا! لذلك يستنتج المرء أن موضوع  التأمل أوسع من أن تحدّه صفحات  كتاب أو مجلّد. إنه يضمّ نواحٍ لا تحصى من المعاني بعضها قد يكون بعيد المنال أو قد يبدو مستحيلاً لغير المتمرّسين… مع ذلك، يحاكي الكتاب سائر المستويات العلميّة بأسلوب مبسّط يبرهن أن التأمل هدف أوّلي لمن يسعى الى التطور الذاتي، الذي يصفه الكتاب عبر البحث الداخلي عن المعرفة، أو طرق باب النفس لبلوغ ما وراء النفس… أما الغوص في درجات التأمل الأسمى فهو الابحار بإرشاد بوصلة الفكر نحو المجاهل في الكائن البشري لسبر أغوارها واكتشاف كنوزها .

يشرح الكتاب فنّ بلوغ حالة  “السكون اليقظة” التي تشكّل مدخلاً الى عالم الوعي، لأن التأمل هو البنية التحتيّة لعلوم الايزوتيريك وحجر الزاوية لأي عمل باطني.

يتميّز كتاب “التأمل والتمعّن” بأنه واسع النطاق وعميق الغور، فهو يخاطب الباحثين من مختلف التوجهات سواء يسعون الى السلام الداخلي والغذاء الروحي، أو ينشدون استلهام الايجابات عن أسألتهم من خلال التأمل، أو يبغون الإستنارة بأفكار جديدة أو التحلّي بطاقات باطنية من خلال  تكثيف الذبذبات الفكريّة، أو التوصّل الى توارد الافكار، أو البصيرة، أو المقدرات النفسانية الأخرى التي تعرف بالإدراك مافوق الحسيّ…

يقدّم الكتاب معلومات جوهريّة عن المانترات والشاكرات أي “الغدد الأثيريّة” لإرشاد الساعي على درب التأمل. كما يشرح الكتاب المراحل التحضيرية والحالات النفسيّة لدخول التأمل الصحيح، وكيفيّة عمله والأسلوب الحياتي الخاص به، مقدماً إجراءات منهجيّة للإسترشاد بها… الى جانب باقة متنوّعة من التمارين والتقنيات .

خصص قسم من الكتاب لتوضيح دور المرشد الذي يوجّه المتأمّل على الطريق الصحيح خلال استكشافه مجاهل النفس والذات. وهو يشرف على تطوره الباطني. كما يشرح ” التأمل والتمعّن” أيضاً كيف ينير المرشد طريق الساعي خلال  المراحل المتقدّمة، ليتوصّل الى توعية طاقاته الذهنيّة الهاجعة وتوجيهها للتمكّن من بثّ “الأفكار الملهمة”، ” التواصل من بعد” “الشفاء من بعد” “تقديم المساعدة غير المرئية” فضلاً عن “السفر الكوكبي”

وغير ذلك من الإنجازات الاستثنائية ذلك كله ينجز دونما أدنى تضارب أو تدخّل في شؤون العمل اليوميّة، ناهيكم عن أن ممارسة التأمل تؤدّي الى النجاح في الحياة العمليّة.

    اللافت أن الشروحات المستفيضة والأمثلة الحياتية ضمن كتاب ” التأمل والتمعّن” تستفزّ الفكر نحو ما يستطيع إنجازه المتمرّسون في التأمّل المحترف، وينقل الى الملأ المعرفة المقدسة التي قدّمها المعلّمون الروحيّون عبر الأجيال… عن “التخاطر وانتقال الأفكار”، عن ” الشفاء العجائبي”، و”كشف الحيوات السابقة”، عن قراءة الذاكرة الكونية أو ما يعرف “بالأكاشا”… عن ” التواجد في مكانين مختلفين في الوقت عينه” وعن النهل من طاقة الحياة ” برانا”!، نحو بلوغ حالة المسرّة الروحية المؤقتة (سمادي)، وبلوغ ديمومة الغبطة (نيرفانا)  وغيرها من التوصلات من خلال مراحل التأمل العليا، ذلك كلّه يجعل القارئ يستنتج، أن الكاتب قد أتقن فنّ التمييز بين الذكاء والفكر ، بين الإستقراء والتحليل، بين إنطباعات الوعي وتفسيراتها، وبين ” نبضات التأمل” وما يتأتى من أفكار عبر التمعّن فيها. مع أنه أرسى الانسجام بين تلك الإزدواجيات من خلال منهج موحّد لتطوّر الانسان ونموّه الباطني شاملاً أوجه الحياة كافة.

    إضافة الى ما تقدّم،  فإن الكتاب غنيّ بالإرشادات، وسهل الاستيعاب  لدرجة تجعل القارئ يتوق الى اعتماد علم التأمل والتمعّن الأيزوتيريكي جزءاً من مشاغله اليومية وحياته العمليّة  .

   غنيٌّ عن القول إن المنهج العلمي الحياتي الذي يقدّمه الكتاب بات موضوع بحث ودراسة لدى علماء النفس والباحثين في أسلوب التفكير ودليل الى المرشدين الروحيين ومدارس اليوغا من أجل تطوير تقنياتهم العملية في الوقت نفسه بات دليلاً متكاملاً لمن يبغي تنمية فنّ التأمّل لديه .

ننصح القارئ بربط حزام الأمان، حيث أن مجرّد قراءة ” التأمل والتمعّن” كفيل بالإرتفاع الى مراقٍ لم يعهدها من قبل …

شكرا للتعليق على الموضوع