تحديات تواجه ذوي الإعاقات غير المرئية

تقارير – التلغراف : يتعايش الملايين من الناس مع إعاقات نادرا ما يتحدثون عنها، لكن زيادة الوعي بهذه الإعاقات يمكنها أن يساعد كلا من أصحاب العمل والموظفين، كما تقول جيسيكا هولاند.

وبحسب إيزابيلا ماكغو، التي تريد أن تعمل في مجال التمثيل: “إنها مهنة قاسية، ويتعين عليك أن تبدو قويا من الناحية البدنية، وتظهر أن لديك قوة ذهنية وجسدية وروحية”.

لكن ماكغو، التي تبلغ من العمر 23 عاما وتعيش في العاصمة البريطانية لندن، مستعدة لمواجهة هذا التحدي، رغم معاناتها من مرض الصرع، وتقول إنها تحاول أن توازن بين بروفات التمثيل وعملها في إحدى الحانات ودراستها. وتضيف: “أحاول دائما أن أعيش حياتي على أكمل وجه، وألا يفوتني أي شيء”.

وهذا هو سبب ترددها في إبلاغ الناس بأنها تصاب بنوبات صرع إذا كانت مجهدة أو لا تحصل على قدرٍ كافٍ من النوم.

وتقول: “أنا محظوظة لأنني لم أتعرض لأي نوبة صرع في العمل، لكن هناك أوقاتا اضطر فيها للاتصال بمكان العمل والحصول على إجازة مرضية للبقاء في الفراش والحصول على ما يكفي من النوم”.

لا تشعر ماكغو أن بإمكانها دائما أن تكون صريحة بشأن أسباب الحاجة لأخذ قسط من الراحة. وتقول: “في بعض الأوقات، قلت إنني أشعر بأعراض الإنفلونزا لأن لحاجة للراحة ليست عذرا كافيا للحصول على إجازة مرضية ليوم. وأشعر بالذنب لأنني أكذب في هذا الأمر”.

هذه معضلة مألوفة بالنسبة لمئات الملايين من الناس حول العالم ممن يعانون من حالات صحية جسدية أو عقلية تؤثر على حياتهم اليومية، لكنها ليست واضحة للعالم الخارجي.

ويعاني مليار شخص في شتى أنحاء العالم من شكل من أشكال الإعاقة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية. كما وجد استطلاع أميركي أن 74 في المئة من ذوي الإعاقة لا يستخدمون كرسيا متحركا أو أي شيء قد يشير بصريا إلى ضعفهم أمام العالم الخارجي.

قد يكون من السهل فهم الصعوبات التي يعاني منها الأشخاص الذين يستخدمون الكراسي المتحركة أو ضعاف البصر ومساعدتهم، أما بالنسبة لأولئك الذين يعانون من ضعف غير مرئي، مثل الاكتئاب أو الألم المزمن أو التهاب الدماغ والنخاع العضلي أو متلازمة التعب المزمن، فغالبا ما يكون الأمر مختلفا. إذ أن الزملاء قد لا يتمكنون من رؤية التحديات التي يواجهونها، وقد يجدون صعوبة في فهم شخص ما أو تصديقه إذا كانت لديه إعاقة “خفية” ويحتاج حقا إلى المساعدة.

تحدٍ صامت

هناك أيضا حواجز داخلية يتعين التغلب عليها. فقد كشفت دراسة كندية أُجريت عام 2011 أن 88 في المئة من المصابين بإعاقات غير مرئية لديهم نظرة سلبية بشأن الكشف عن إعاقتهم.

ويقول غاي تشودوار، مدير بجمعية سكوب الخيرية للمعاقين: “يشعر الناس بالقلق إزاء إطلاق الصفات عليهم. وأحد أصعب الأمور هو أن تضع ضغطا على نفسك لإنجاز أمر ما، وأن تكون خائفا من طلب المساعدة”.

ولدى جيمي إيساكس خبرة مباشرة في التأثيرات السلبية للأمراض غير المرئية، فقد تم تشخيص حالته قبل أربع سنوات بأنه مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسب (الإيدز) عندما كان يعمل لدى شركة نظارات شمسية في المملكة المتحدة.

ويقول إيساكس إنه نتيجة للكشف عن إصابته بهذا المرض، تعرض لضغوط لقبول تخفيض ساعات عمله وراتبه ومسؤولياته. ونتيجة لعدم قدرته على دفع إيجار السكن، استقال من عمله. أضاف أن الشركات كانت ترفض توظيفه عندما يعلن عن أسباب توقفه عن العمل في وظائفه السابقة.

ولا يزال الوصم والتمييز ضد المصابين بالإيدز مستمرا، ويمكن لذلك أن يؤثر على الحياة المهنية للمصابين. وتقول منظمات مكافحة الإيدز إن معدلات البطالة بين المصابين بالمرض أعلى بثلاث مرات من معدلات البطالة بين الآخرين.

ولدى إيساكس أصدقاء مصابون بالإيدز يعملون في مجال التمويل، ويشعرون بأنهم غير قادرين على إبلاغ أصحاب العمل بإصابتهم بالمرض. ورغم المحنة التي أصابت إيساكس، فإنه يشجع أولئك الذين يعانون من أمراض خفية على الكشف عن حالاتهم في وقت مبكر متى كان ذلك ممكنا.

ويعمل إيساكس الآن كمدير متجر في شركة تدعى “رولنغ لاغيدج”، وهي الشركة التي يصفها بأنها كانت “رائعة” فيما يتعلق بمرضه لدرجة أنها أعطته إجازة للذهاب في جولة للتحدث عن مرضه في إطار حملة يطلق عليها اسم “الشباب يكافحون الإيدز”.

ويعد الإيدز والصرع حالتان يمكن أن يكون لهما مستويات مختلفة من التأثير على الحياة اليومية للمصاب، لكن بلدان عدة تتعامل معهما على أنهما إعاقة. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، يغطي الحالتين قانون المساواة لعام 2010، الذي يكفل مختلف أشكال الحماية، ويطلب من أرباب العمل إجراء “تعديلات معقولة” بهدف إزالة الحواجز التي تحول دون العمل.

وقد يعني هذا تغيير ساعات العمل كي يتمكن الموظفون من تفادي ساعات الذروة، أو السماح بإجازات لتمكينهم من متابعة المواعيد الطبية. كما أنه يحق لغير المؤهلين من الناحية القانونية للتعامل معهم على أنهم من ذوي الإعاقة الحصول على أجر مرضي وطلب ساعات عمل مرنة.

حتى بالنسبة لأولئك المؤهلين قانونيا لاعتبارهم معاقين، فإن مصطلح معاق ينطوي على دلالات سلبية. فالعديد من ذوي الاحتياجات الخاصة يشعرون أن ذلك المصطلح لا ينطبق عليهم حقا، خاصة إذا كانت حالتهم غير مرئية للغرباء.

تعاني إميلين ماي، التي تعمل مديرة في إحدى السلطات المحلية في لندن، من عدة أمراض مزمنة، بما في ذلك القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة ومتلازمة فرط الحركة التي تسبب آلام المفاصل والعضلات.

وتقول: “لقد عملت في إحدى الشركات لبضعة أشهر وكاد ذلك العمل أن يدمرني”. وبدلا من دعمها، شعرت ماي كما لو كان عليها أن تثبت أن أمراضها حقيقية. وعندما تقدمت بطلب للحصول على وظيفة جديدة، كانت “منفتحة جدا” بشأن ظروفها الصحية، وقدمت لها الشركة لوحة مفاتيح وكرسيا خاصين، إضافة إلى مدة إجازة إضافية للعلاج. ولا تزال ماي تعمل بهذه الشركة حتى الآن منذ تسع سنوات.

تقول ماي إن أصحاب العمل “متفهمون جدا عندما أقول لهم إنني بحاجة إلى العودة إلى المنزل اليوم، أو العمل ساعات مختلفة هذا الأسبوع. لكنني أعمل بجد، لقد أمضيت وقتا طويلا هناك واكتسبت قدرا كبيرا من الثقة”.

توظيف المواهب

ينبغي على أصحاب العمل الأذكياء أن يكونوا دقيقي الملاحظة، وفقا لغاي تشودوار من جمعية سكوب. ومن المرجح أن تكون نسبة البطالة لدى المعاقين أربعة أضعاف نسبة البطالة بين الآخرين في المملكة المتحدة.

ومن شأن مساعدة الناس على القيام بعملهم بشكل أفضل أن يعزز ولاءهم لعملهم. يقول تشودوار: “بالتأكيد هناك تحرك تجاه المرونة، سواء بسبب رعاية الأطفال أو الإعاقة أو التوازن بين العمل والحياة”. لكنه يحذر من أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لرفع مستوى الوعي، خاصة في المجالات التنافسية.

يقول داني كلارك، مدير العمليات في مجموعة إيلاس التي تقدم التدريب للشركات في مجال الصحة المهنية وقانون العمل، إنه يتعين على الشركات أن تعمل على تطوير ثقافة الموظفين إزاء الثقة بأرباب العمل وشعورهم بالأمان .

ويوصي بأن يكون لديهم سياسة للصحة العقلية والرفاهية حتى يعلم الموظفون كيفية الحصول على الدعم. ويضيف: “أفضل نصيحة يمكن أن نقدمها لأولئك الذين يعانون من إعاقات غير مرئية هي ألا يعانوا في صمت”.

وتقول إيزابيلا ماكغو إنها لا تريد “امتيازات خاصة” وهي تسعى لتحقيق أحلامها في التمثيل، لكن الفهم الأوسع نطاقا للأمراض غير المرئية قد يساعدها.

شكرا للتعليق على الموضوع