ناصر اللحام يكتب: الأشكنازيم والسفارديم .. الخلفاء والخلعاء

ليس من باب المقارنة الشكلية، ليس بالمضمون ولا حتى بالمحتوى مع كتاب (بين الخلفاء والخلعاء في العصر العباسي) للدكتور صلاح الدين المنجد. وانما من باب الاستلهام وأخذ العبر. نجد أن الصراع بين اليهود الغربيين “اشكنازيم” وبين اليهود الشرقيين “سفارديم” أخذ مؤخرا منحى حادا، يؤثر ويقرر في تكوين اسرائيل لذاتها.

واسرائيل باعتبارها كيان مستحدث، أسسها اليهود الاشكنازيم، وحكموها، ولعبوا بها حتى الثمالة باعتبارها تجربة غريبة، كما أراد العالم الغربي بعد الحرب العالمية الثانية دعمها من باب المصلحة والفضول، وجرى استخدام اليهود الشرقيين في هذه التجربة باعتبارهم حطب لاشعال النيران، ولم يكن لهم اي قرار في هذه التجربة، وحادثة بيع اطفال يهود اليمن، وقيام الموساد خلال فترة نافون بتفجيرات القاهرة تثبت بالملوس ان اليهود الشرقيين واليهود العرب ويهود فلسطين، قد تعرّضوا للاهانة والاحتلال من جانب الحركة الصهيونية الغربية التي استخدمتهم واعتدت على عاداتهم وتقاليدهم ودينهم ومصالحهم الاقتصادية الى أبعد حد يمكن تخيله.

يهود العرب (نحو مليون يهودي) كانوا يعيشون بأفضل حال في ظلّ الدول العربية، وكان يطلق عليهم اسم خواجا (الخواجا هو صاحب مصلحة اقتصادية ويديرها بنفسه). فكانوا يمتلكون اغنى وافضل المحال التجارية في مصر وسوريا والعراق والجزائر وفلسطين، حتى جاءت الحركة الصهيونية وقامت بتهجيرهم عنوة الى فلسطين فخسروا اموالهم وملاتهم ومقاماتهم الرفيعة في تلك المجتمعات (في العراق شارك اليهود في تأسيس الجيش عام 1924) وفي مصر (شاركوا في الغناء والسينما والمسرح والتجارة). وهكذا.

الحركة الصهيوينة اعتدت على مكوّنات المجتمعات العربية، واعتدت على اليهود باعتبارهم أحد هذه المكوّنات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والفنية والسيكولوجية. امّا من الناحية الدينية فلم يسجل التاريخ المعاصر حرية دينية لليهود مثلما وفرت لهم الدولة الاسلامية.

ما يحدث اليوم في اسرائيل، صحوة متأخرة لليهود الشرقيين، لكنها محتومة. ولن يستطيع أحد منع هذا التناقض من الظهور، اذ ان الاعلام الاسرائيلي ومؤسسات الجيش والكنيست لم تستطع جميعها ان تواصل تخدير اليهود الشرقيين الى الابد.

اليهود الغربيون تركوا الحكم قبل نحو 20 عاما، واستولوا على الشركات الخاصة التي تحكم الكيان من خلف الستار. سيطروا على شركات الاعلام وعلى شركات النفط والطاقة وشركات السلاح والهاي تيك والصناعات العلمية، وأعطوا اليهود الشرقيين (من أمثال رامي ليفي) ان يبيع السلع الغذائية وصناعة الاحذية، فيما اليهود الغربيون أخذوا البورصة وشركات الدواء والصناعات الثقيلة وسمحوا للشرقيين والروس أن يعملوا سجانين في مصلحة السجون ونواطير على أبراج الحراسة في معسكرات الجيش.

اسرائيل تمزق نفسها الان بين الهوية والمال. ولا عجب ان معظم الوزراء ورؤساء الوزراء يجري التحقيق معهم بتهمة الفساد، فكبرى الشركات التي يملكها اليهود الاشكنازيم تقوم برشوة الوزراء والمدراء السفارديم لخدمة مصالحهم. وهكذا سيكون.

ليس المطلوب من أي عربي ان يتدخل في هذا الصراع، لانه صراع ذاتي مع النفس .. واليهود الشرقيون ليسوا مؤهلين لاقامة دولة، واليهود الغربيون يحتفظون بجوازات سفرهم الامريكية والاوروبية حتى الان. انه صراع الهوية، وصراع الأيام.

ان شعار القدس موحدة مجرد قشرة تخفي الدمار الداخلي في المجتمع الاسرائيلي. ونتانياهو سيكون آخر رئيس وزراء لاسرائيل موحدة، وانني أتجرأ وأقول ان الربيع العربي قد انتقل الان بشكل كامل الى داخل المجتمع الاسرائيلي.

اقرأ للكاتب : 

الرئيس قلق ولكنه متفائل .. يواصل ، ولكنه لا يريد الاستعجال

شكرا للتعليق على الموضوع