عالم القراءة في ايران.. جسر متأرجح لبلوغ العالم الأول

محمد أبو الجدايل – تقارير – التلغراف : “على الكتاب أن يكون الفأس التي تكسر البحر المتجمد فينا” هذه هي النصيحة التي تركها لنا كافكا وغيره العديد من الأدباء والمفكرين في عالم الادب، وفي الدين أول ما نزل من القرآن على الرسول الكريم محمد (ص) آية تأمره بالقراءة والتأكيد عليها ليدرك الانسان ان أهم رسالة في هذه الحياة هي المعرفة والعلم، فهي الطريق الذي سيعبّده الانسان أمامه للوصول الى خالقه ولإدراك حقيقة وجوده.

بعد هذه المقدمة سنلج في موضوعنا الرئيسي والذي سنتطرق فيه الى المكتبات وأهميتها في ايران وعلى وجه الخصوص بالعاصمة الجميلة طهران، فلا يكاد المرء يعبر من أحد شوارعها إلا ويلحظ فيه وجود مكتبة أو مقهى للمطالعة، حتى في باطن الارض يحتضن نفق المترو عشرات المكتبات لمن يود أن يطالع خلال رحلة الطريق على سكة القطار، وكل هذا الاهتمام الذي توليه ايران بقراءة الكتب لم يكن عن عبث وإنما تطبيقا لأوامر الله بالقراءة والمطالعة أولا وبهدف الوصول الى مصاف الدول المتقدمة ثانيا.

وخلال رحلتي الدراسية في ايران كان جليا الاهتمام الكبير الذي يوليه هذا البلد بالمطالعة والثقافة، فأينما توجهت ستلحظ اعلانا حكوميا يحفّز على مطالعة الكتب أو تطوير ثقافة المجتمع وتشجيع العائلة على زرع فكرة تصفح الأوراق في عقول أبنائها منذ نعومة أظافرهم.

فما يراه كبار المفكرين في ايران أن الدين الاسلامي بعظمته عُجن بالقراءة منذ خلقه الأول، ولهذا دعا الله رسوله في أول خطاب أنزله عليه الى القراءة ومن ثم القراءة حتى يدرك خالقه، ولهذا تعتمد ايران هذا الأمر الالهي للاقتياد به في مسيرة حياتها الاجتماعية.

وبما أن هذا العصر بات عصر قراءة الكتب والعلم والفكر بلا منازع ولم يعد تقييم الأمم مبنيا على قوتها العسكرية أو تعداد سكانها أو على مكنونها الاقتصادي فقط وإنما على المستوى الثقافي لها، كان لابد لي من إجراء جولة في أنحاء طهران لاكتشاف أغوار بحور عالم القراءة فيها، وكان أول مالفت انتباهي مكتبات الشوارع المكتظة بمختلف أنواع الكتب وبتخفيضات عالية على قيمتها لترغيب المواطنين بشرائها وقراءتها، ففي هذا الزمن على الجميع أن يقرأ “الموظف الحكومي وعامل التنظويفات وسائق التاكسي أيضا لنعيش حياة انسانية متحضرة”.

17

ولكن لابد من وجود بعض الصعوبات التي تقف بوجه التقدم الثقافي والحضاري للأمم، وهو العائق الذي تراه الطالبة الجامعية “بهار” التي تدرس الفيزياء في وطنها لاسيما وأنها تعمل ببيع الكتب في إحدى مكتبات مترو الأنفاق بطهران.

تروي بهار لدى حوارنا معها أكبر مخاوفها قائلة: في الحقيقة لقد تراجع مستوى شراء الكتب في الآونة الأخيرة رغم التخفيضات الكبيرة التي وضعناها على شرائها والذي وصل الى حدّ الـ50 بالمئة في آخر مدة، وذلك بهدف ترغيب محبي المطالعة على مواصلة مسيرتهم الثقافية.

وتعيد بهار للأذهان مستوى القراءة المتألق بايران في سنوات سابقة وتقول: لم يكن الوضع على هذه الحال خلال السنوات السابقة، فقد كانت توجد رغبة كبيرة لقراءة الكتب من قبل المواطنين وفي معظم الحالات كانوا يفضلون الروايات المحلية والأجنبية، ولكن تفاقم الأمر خلال العامين الماضيين وتراجعت على حين غرة نسبة المطالعة الى درجة كبيرة، وهو الأمر الذي يثير قلقي الى أبعد الحدود.

أشد مايُقلق هذه الطالبة الجامعية التي أفضت لنا عن مكنونات ضميرها كان التحول الكبير في توجه نسبة ليست بالقليلة من رواد القراءة بايران نحو شراء الكتب التجارية، وترى بهار أن خطورة هذا النوع من الكتب تكمن في أنه يدعو الانسان الى التفكير بالمال وبنفسه فقط حتى ولو على حساب أشخاص آخرين، الأمر الذي يعزز النزعة الفردية البرجوازية في المجتمع وفي المحصلة يتدنى المستوى الثقافي للمواطنين ويتفشى الجهل في عقولهم.

وعن عدد المكتبات في طهران تقول بهار: يوجد عدد هائل من المكتبات في العاصمة الايرانية يصل الى حوالي 160 مكتبة عمومية، والعشرات من المكتبات الخاصة والجامعية، وفي باطن الأرض أي نفق المترو يوجد حوالي 20 مكتبة، ناهيك عن العشرات من مكتبات الشوارع الثابتة منها والمتنقلة.

شكرا للتعليق على الموضوع