أحمد عطاالله يكتب : معبر رفح مرة أخرى

تثير قضية معبر رفح دائما لغطا حوله ، وحول إدارته، ومن يقف خلف إغلاقه، ويتسبب في كونه اشكالية لها اهمية كبرى بالنسبة لحياة مليوني مواطن فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، وحيث أصبح المنفذ البري نافذتهم الوحيدة نحو العالم الخارجي لقضاء مصالح عدة كل حسب حاجته.

نهاية الاسبوع الماضي أقدمت الحكومة المصرية بفتح المعبر لمدة يومين، وهو ما نكأ هذا الجرح المؤلم بالنسبة للمواطن الغزي، وعلى اثره فتحت شهية الكل الفلسطيني في غزة نحو التفاعل مع هذا العنوان الذي استحال بذاته إلى قضية إنسانية ملحة تؤرق كاهل شعب كامل يتوق إلى كل شيء يربطه بعالم ما خلف حدود سجن غزة الكبير. فلاك السياسيون الفلسطينيون من مختلف المشارب آراءهم في اشكالية المعبر، وازدان بازار الرؤى الضيقة بجملة من التصريحات في كل الجهات، فكلهم يدين كلهم، وكلهم يحمل المسؤولية على الآخر، وينحي المسؤولية عن كاهله ويرمي بالحمل نحو الغير.

فالحكومة المصرية صاحبة السلطة السياسية والأمنية على المعبر تنحي المسؤولية في إغلاقه لعدة مسوغات تراها منطقية وعادلة ومن شأنها أن تنصف الطرفين المصري والفلسطيني، بل تتعدى ذلك لتبريرها نحو المصلحة الفلسطينية الكاملة من وجهة نظر سياسية استراتيجية، متمثلة بخطورة فتح معبر رفح بالمطلق على الكينونية السياسية الفلسطينية الرسمية والشرعية، نحو اعطاء شرعية لنظام سياسي حزبي خرج عن الكل الفلسطيني وانقلب على النظام السياسي بقوة السلاح من أجل حزب وفصيل وفكر مأدلج يبتعد بضعة خطوات عن الكيانية الوطنية الفلسطينية المحضة.

كما تعيدنا الحكومة المصرية إلى الضرورة الأمنية المطلقة لها، معزية ذلك إلى خطورة فتح المعبر على أرواح الكادر الاداري والاشرافي الأمني المصري على المعبر من قبل المتطرفين في سيناء من جهة، وخطورة الوضع الامني على سلامة المسافرين الفلسطينيين من وإلى غزة عبر المنفذ من جهة أخرى.

لكن رغم ذلك فإن مصر قدمت رؤيتين مختلفتين نحو انهاء تلك المعضلة. أولها تسليم المعبر لقوات حرس الرئاسة التابع للرئيس محمود عباس وابتعاد أمن حماس عن المعبر وبقية المعابر ودمج قواتها العاملة فيها في باكورة القوة الامنية التي ستتسلم عملها في غزة وفقا لاتفاق الشاطئ ، قبلت حماس هذا من حيث المبدأ لكنها وضعت عدة اشتراطات حتى افرغ من معناه وبات بحكم المنتهي عبر الزمن والسيطرة الامنية المطلقة لحماس في غزة بمخالفة صريحة للاتفاق المذكور ولكل اتفاقات المصالحة التي سبقته ولم يكتب لها النجاح.

أما الطرح المصري الثاني وهو حديث العهد ، فيتمثل في تسليم إدارة المعبر لشركة خاصة غير فلسطينية ” عربية على الأغلب ” لتنأى بقضية المعبر عن لعب الاطراف الفلسطينية والبعد عن اتهام كل طرف للأخر، على ان تدير هذه الشركة المعبر بمهنية عالية أمنا وإدارة، ومن شأن هذا الطرح أن يخرج أحجية المعبر نهائيا من الاعيب حكم الأمر الواقع الذي تعيشه غزة، أيضا وافقت حماس من حيث المبدأ وصارت الى المماطلة، إلى أن تنصلت من هذه الموافقة بحجة انها طبخت بعيدا عنها ، بل أعلنت صراحة أنها في حل من أي اتفاق لا يحظى بمباركة حماس، بل كل أجزاء حماس ( حماس غزة، حماس الضفة، حماس السجون، حماس الخارج ) ولحصول ذلك نحتاج إلى معجزة من معجزات السياسة التي لن تحدث !! هذا ما يصير في العلن، لكن ما يحدث في الكواليس، والدهاليز، ربما أكثر بكثير مما باحت به التحليلات والاشارات، حتى عديد الاطراف التي تدخلت بدءا من فصائل فلسطينية أخرى ومؤسسات مدنية ومستقلة وحكومات عربية وربما غربية بل مؤسسات أممية، لكنها جميعها فشلت، وحيثيات بعض اللقاءات والمشاورات الكأداء ظهرت للعلن وجلها لم يظهر، فجميع الاطراف التي في يدها الحل والعقد لا زالت تتمترس خلف وجهات نظرها، وهذا ما يجعل الشعب الفلسطيني يشعر انه الوحيد المستهدف وانه الوحيد الذي يدفع ثمن حماقات وولدنة سياسة مراهقة، لا تؤسس لاحترام حياة وآمال شعب لا يزال يرزح تحت احتلال وعانى ويلات ثلاثة حروب بالمجان، يتوق إلى بناء وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية بعيدا عن الافكار الايدلوجية الضيقة والخاصة والتي تقدم انتمائها الاممي على المصلحة الوطنية. الكثير الآن يتندر على اتفاق 2005 الذي توصل اليه محمد دحلان بين الاسرائيليين والمصريين والاوروبيين وبين السلطة الوطنية الفلسطينية بمباركة الرئيس محمود عباس، ولعل هذا الاتفاق بصيغته التي كانت قائمة لا يمكن العودة اليه بكل تفاصيله لكنه ربما يكون أرضية خصبة لعودة فتح المعبر مرة اخرى، حماس حينذاك هاجمت الاتفاق ورفضته جملة وتفصيلا لأنها لم تكن جزءا من الطبخة وربما لم يأتي في صالحها بالمطلق مع أن آلاف العناصر والقيادات الحمساوية سافرت وانتفعت من المعبر وفق تلك الصيغة، أما اليوم فثمة الكثير من قيادات حماس تهفو قلوبها للعودة إلى مثل ذلك الاتفاق وذلك أدنى الايمان، عله يحفظ ما تبقى من ماء وجهها أمام الحنق الشعبي المتصاعد ضد الحركة وسياسة حكمها في غزة.

هذا الحنق بات يأخذ شكلا هندسيا جديدا، فبعد أن كان رأسيا موجها نحو النخب والقيادات من شتى الفصائل، أضحى ينبع من جميع المجالس والأروقة الشعبية والمؤسسية باتجاه واحد وهو حماس التي باتت لا تستجيب لما يطرأ من عذابات وآلام تحدث لجميع فئات الشعب في غزة.

وبدل الاستجابة لهذه المطالبات التي كان من أبرز علاماتها هاشتاغ ” سلمو المعبر” الذي هز عرش حماس صارت قيادات حماس إلى توجيه الاتهامات إلى كل صوب، مومئة بالتخوين والتجريح لكل المطالبين بتسليم المعبر، وأنا هنا أضم صوتي إلي صوت المطالبين بضرورة تسليم المعبر رحمة ورأفة بعشرات آلاف المرضى والطلبة الذين باتوا بين قاب قوسين أو أدنى من فقدان مقاعدهم الدراسية اضافة الى اصحاب اقامات العمل الذين اوشكوا على فقدان وظائفهم في الخارج بسبب هذه السياسة.

على أن سياسة التخوين والتهجم والتقذيع لن تضع في رصيد حماس بل ستفقدها مصداقيتها في النظام السياسي الفلسطيني وإلى الأبد بيد أنها لا زالت تتمترس خلف شعارات مؤدلجة اضحت منبوذة في الداخل وفي دول الاقليم التي تعززت رؤيته في ان الاخوان المسلمين يشتركون في لعبة تركية قطرية غير بريئة ويشتم منها رائحة الخيانة.

 بقلم : أحمد عطاالله كاتب وصحفي فلسطيني

شكرا للتعليق على الموضوع

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *