بول أبي درغام يكتب: أين يقف الإنسان على سلّم التطور

ليعش الحياة بكليّتها، وليلعب دوره على أكمل وجه، على الإنسان الإحاطة بالصورة الشاملة لنظام الحياة، لدوره كفرد، ولتأثيره ضمن الجماعة على مجريات حياته وتطوره الذاتي، وعلى مجرى الحياة ككل…

أين يقف الإنسان على سلّم التطور، وما هو موقعه في نظام الحياة؟ ما هو دوره في دفع عجلة التطور، وما هو تأثير الفرد مقارنة مع تأثير الجماعة على مسار الحياة ومسيرة التطور؟

أسئلة عديدة تتمحور حول فهم الإنسان-الفرد لموقعه في معادلة التطور، في الحياة الأرضية والماورائية… أي “قطعة” أو جزء من “آلة” التطور هو، وأي دور يلعب في برنامج الحياة؟

يؤكد علم الإيزوتيريك في مؤلفاته للدكتور جوزيف ب. مجدلاني (ج ب م)، أنّ الإنسان محور الخلق، وهو أسمى المخلوقات التي تتبع مسار تطورها في النظام الشمسي وعلى كوكب الأرض…

ما تقدّم يدعو إلى التفكّر في مدى وعي إنسان الحاضر لهذا الدور، وفي مفهوم التراتبية على مسار التطور العام على كوكب الأرض وفي النظام الشمسي…

هذا، ومن منطلق ما يشرحه منهج علم الإيزوتيريك حول كون الخلق “وحدة في مجموعة أجزاء”، فإنّ مبدأ التراتبية قائم ضمن الوحدة وبين أجزائها… وذلك في سبيل هدف موحد هو هدف هذه الوحدة… ولكن، هل تعي الأجزاء هذا الهدف؟! هدف وحدتها؟

لتقريب المفهوم، لنحلل واقع خلية من خلايا الجسد، من منظار واقع وجودها والقيام بدورها ووعيها لهذا الدور… ما هي حال الخلية نسبة إلى وعي الجسد والكيان ككل؟ هل تَفكّر المرء يومًا إذا ما كانت خلايا جسده تدرك وجوده ككل؟ إنّها جزء منه، جزء لا يتجزأ عنه… هو يدرك حقيقة تكوينه من خلايا لامتناهية العدد، لكنه لا يشعر بوجود كل منها، بل يشعر بكلية كيانه كوحدة متكاملة.

حال الإنسان الفرد في المجتمع البشري هو كحال الخلية في الجسد. إنّه خلية في جسد أكبر إنّما، وبعكس الخلية في الجسد، يجب أن يعي تمامًا حقيقة وجوده في كنف هذا الجسد الأكبر، أن يعي أنّه يشكل عبره كينونة أسمى في بعد أرقى…

الوعي الإنساني كهدف لوجود الإنسان على الأرض، وكخلاصة للتجربة البشرية، هو وجه من أوجه التراتبية الكونية، من منطلق أن العوالم والمخلوقات خلايا في جسد الكون، يتعاونون على إنجاز مهمة كبيرة يستحيل على الجزء الإحاطة بأبعادها منفردًا. فالوعي هو تحقيق الروابط بين الفرد والإنسانية ككل، ثم بين الفرد والطبيعة والكون. تعكس هذه الروابط تراتبية كونية توضح علاقة الجزء بالكل في معادلة “الوحدة مجموعة أجزاء”. هذا التشابه في عمل المكونات في أبعادها الوجودية، لهو تجسيد لشبكة وعي كوني تشكل وحدة تفاعل وجودي، من الذرة إلى المجرة، من الخلية إلى الإنسان، ومن الإنسان إلى مُوجِد الإنسان…

إنّ هذه الشبكة الخفية التي تربط الأرض بالسماء والنجوم بالمجرات هي تجسيد لنظام الوجود. فالترابط بين الأبعاد هو منطق النظام السامي، إنّه الوعي بتدرجاته كافة، الذي لولا وجوده لما تواصلت الأبعاد وتكاملت العوالم واكتملت الأجزاء في وحدتها…

هذا الترابط أشبه بلغة التواصل في الكون، وخطوط الاتصال بين مكوناته. فوعي الخلية في الجسد لا يقل شأنًا، أو لنقل أهمية، عن وعي الفرد في المجتمع، ووعي البشرية في بعد الذات الإنسانية… الكل متكافل في خدمة هدف واحد، وأي خلل له تأثيره على بلوغ هذا الهدف.

في مفهومها السامي تعتبر هذه التراتبية “تراتبية تكاملية”، حيث المعايير منبثقة من مبدأ تكامل الأجزاء وليس المفاضلة بينها… فإسقاط المفاضلة على التراتبية نابع من تفاعل الأنا في النفس البشرية… وعقدة المفاضلة هي نزعة نفسية تحركها الأنا بفعل تنامي مشاعر الأنانية وحب النفس، وبفعل قصور في رؤية الصورة الشاملة لدور الإنسان وهدفه في الحياة. فكلما ارتقى المرء وعيًا وتوضحت له الصورة الشاملة، فهم أنّ التراتبية هي تدرّج وعي وترابط ذبذبي، يجمع قاعدة الهرم بقمّته… ويجمع المادة بالروح…

لكل جزء من أجزاء الوحدة دوره وموقعه الفريد في نظام الحياة ومسيرة التطور. كل جزء يقوم بدوره في تراتبية متناهية الدقة والتنظيم… لكن، ومن منظار الوعي، لجميع الأجزاء المكانة والمرتبة نفسها، إنّها مرتبة القدسية… لأنّ كل ما في الوجود يتوق إلى الوعي، وما الوعي سوى الهدف الأسمى للوجود برمته…

إنّ تعبير سلم التطور يجسد المفهوم الارتقائي لعملية التطور البشري في حياة المرء على الأرض وفي الماوراء.

 كلما تطور في فهم الحياة، ارتقى درجة على هذا السلم العملاق الذي تتسلقه “مخلوقات النظام الشمسي، والإنسان أسماها”.

سلم التطور ومسار الحياة تشبيهان مجازيان لامتداد وعي كوني من الأرض إلى السماء. امتداد وعي يرسم مسار عكسي ودرب عودة للفيض الأول من السماء إلى الأرض… وما التراتبية سوى محطات على هذا المسار، تعبرها أفواج الكائنات المختلفة في ترحالها الدائم على دروب الوعي في نظامنا الشمسي… ثم خارجه…

ويبقى توق الجزء إلى وحدته عبر التفاعل الواعي مع مكونات الحياة كافة الدليل الأصدق نحو المساهمة الفاعلة في مخطط الخلق.

اقرأ للكاتب

بول أبي درغام يكتب: معرفة الباطن الإنساني “نافذة على الحقائق الإنسانية”

شكرا للتعليق على الموضوع