مصطفى جودة يكتب: بايدن وترامب وهيلاري «1-2»

أ.د: مصطفي جودة

رئيس الجامعة البريطانية بالقاهرة – سابقا

يقول المثل الشعبى المصرى: «لما يقع العجل تكتر سكاكينه» وفى روايات أخرى لما يقع التور، ولما تقع البقرة، ولما يقع الجمل. هذا المثل يشخص الموقف السياسى الأمريكى المائع حاليا وحالة الفوضى التى تعتريه منذ الأداء الكارثى للرئيس بايدن فى المناظرة التى عقدت بتاريخ 27 يونيو الماضى، والذى ألقى بظلال من الشك المخيف على قدراته إذا ما تم اختياره ليكون مرشح الحزب رسميا بعد مؤتمر الحزب والذى سيعقد فى مدينة شيكاغو فى الفترة من 19-22 أغسطس القادم.

أصبح لدى الكثيرين فى الحزب الديمقراطى مخاوف حقيقية تتزايد بإطراد مخيف وتسارع غير مسبوق. كانت أمامهم فرصة سانحة قبل الانتخابات المبدئية التى عقدت بداية من شهر يناير واستمرت أشهر لاختيار مرشح الحزب الذى سيواجه المرشح الجمهورى لكنها عميت على قيادات الحزب التى لم تحس بالمصيبة التى جاءتهم والتى لم تكن على بالهم رغم وضوحها للعميان.

ليس هناك أى عذر تستطيع هذه القيادات تقديمه وهى تبدو الآن فاقدة الرؤى بعد أن وقعت الواقعة.

يقول البعض فى دفاعهم عن الرجل إنه من الوارد أن يخيب البعض أحيانا فى مناظرة ثم يفيق بعدها. هذه الحجة واهية ولن تتكرر مع المرشح بايدن الذى يضمحل بالثوانى، لأن حالته الجسدية والعقلية والنفسية وصلت إلى الحضيض وأنها غير قابلة للعكس أوالشفاء طبقا للقانون العلمى لأن الرجل أصابه الكبر، وبالتالى فإن المصرين على بقائه وعدم اختيار مرشح بديل يكررون نفس الخطأ الذى ارتكبوه أول مرة.

 كان واضحا جليا أن الرئيس بايدن يعانى كثيرا منذ أكثر من سنة ليس من أمراض الشيخوخة فقط ولكن ربما من جراء أمراض قديمة متراكمة مستعصية وهو الأمر الذى دعا البعض يوم الجمعة الماضى لأن تجرى له فحوص طبية و شاملة وتتاح نتائجها.

جميع استطلاعات الرأى التى أجريت بعد المناظرة تظهر أن شعبية المنافس ترامب فى تزايد مستمر بينما شعبية بايدن فى تدن مستمر.

ومما يزيد الطين بلة على الديمقراطيين أن المحكمة العليا الأمريكية منحت ترامب فى الأول من يوليو حصانة ضد الأحكام التى صدرت ضده حتى الآن والتى ستصدر، وهو الأمر الذى سيزيد من شعبيته وقبوله أكثر.

 لقد جعله حكم المحكمة فوق القانون رغم الاعتقاد السائد فى أمريكا أنه لا يوجد أحد فوق القانون. لقد كان هذا الحكم نصرا مبينا لترامب وحتما سيزيد من فرص عودته رئيسا للولايات المتحدة. يعجب البعض من صدور هذا الحكم من المحكمة العليا وهى المصنفة الأولى عالميا.

الإجابة تكمن فى أن المقادير شاءت أن يختار ترامب خلال فترة رئاسته الأولى ثلاثة من هؤلاء القضاة التسعة وبالتالى أصبح عدد القضاة المحافظين ستة من بين العدد الإجمالى وهو تسعة. كثيرون اتهموا المحكمة بأنها منحت ترامب هدية غالية وأنها أعادت كتابة الدستور الأمريكى بحكمها هذا.

 الأمور تتغير بالدقائق ويخشى إستراتيجيو الحزب حدوث فوضى لو ظل الرئيس بايدن مرشحهم المفترض، لأنه لم يتبق على الانتخابات غير أربعة أشهر، كما يخشون أن وجوده سيؤدى الى خسارة الحزب لكل من الأغلبية فى مجلس الشيوخ ومجلس النواب فى الانتخابات المقبلة والتى تقام فى نفس يوم الانتخابات الرئاسية. من أجل ذلك بدأت الأصوات تعلو من بعض أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ والإعلام بمهاجمة بايدن وحملته الانتخابية التى تحثه على الاستمرار مضحية بمصالح الوطن، وأن حجتها أن ما حدث فى المناظرة كبوة حصان وأن حسن آدائه خلال السنوات الثلاث والنصف سنة الماضية من حكمه يشفع له.

 يوم الأربعاء الماضى صرح الرئيس بايدن بأنه سيظل هو المرشح لمواجهة ترامب وأنه سيواصل المسيرة وأن سوء أدائه فى المناظرة كان بسبب مرضه المفاجئ قبلها وأن أسرته تريده أن يستمر.

لم يهدئ هذا التصريح أحدا وعلت الأصوات المعارضة أكثر لبقائه، منها توقف بعض الداعمين الماليين عن دعمهم المادى، ومقابلة أكثرحكام الولايات له والذين بدأوا يحسون بالخطر من تأثير أدائه على اختيارهم فى الانتخابات القادمة.كثير من أعضاء مجلس النواب فى تزايد فى مطالبته بألا يستمر فى سعيه.

غالبية افتتاحيات وتحليلات الصحف الكبرى والصغرى ووكالات الأنباء تطالبه بالرحيل وأن حالته العقلية والنفسية والجسدية فى تدهور وأنه لو استمر الحال على ما هو عليه فإن ترامب سيكون الفائز حتما.

الموقف الآن وحتى نهاية يوم الجمعة 5 يوليو كالآتى: الرئيس أعلن فى مقابلة تليفزيونية يوم الجمعة أنه سيستمر وكرر أن ما حدث له مجرد كبوة نتيجة مرضه وسفره للخارج قبل المناظرة. هذه الإجابة غير مرضية ومقنعة للجميع ولاتزيدهم إلا إصرارا على ضرورة رحيله. بعد كارثة المناظرة مباشر طرحت وسائل الإعلام المختلفة عددا من الشخصيات البديلة فى حالة اعتذار المرشح بايدن وأهمهم: كاميلا هاريس النائبة الحالية للرئيس بايدن، وحاكم ولاية كاليفورنيا، وحاكمة ولاية ميتشجان، وحاكم ولاية بنسلفانيا، وحاكم ولاية إلينوى وكلهم من الوجوه المقبولة والتى تتمتع بشعبية داخل ولاياتهم والى حد ما على المستوى القومى الأمريكى.

غير أن هناك شخصية ذات خبرة لا تضاهى لم تذكر حتى الآن رغم كفاءتها وخبرتها وتمتعها بالرضا التام من إسرائيل وكل جماعات الضغط. هذه الشخصية هى هيلارى كلينتون التى خاضت معركة انتخابية ضروسا ضد دونالد ترامب عام 2016، وكانت كل الأدلة تشير الى نجاحها لولا ما فعله مدير الإف. بى. آى جيمس كومى حينها وقبل الانتخابات بأسبوع وإعلانه أنه تم اكتشاف بعض الوثائق المدينة لها، وهو الأمر الذى أظهرها غير صالحة للمنصب أمام الناخبين وأدى فى النهاية إلى فقدها للانتخابات.

gate.ahram

اقرأ للكاتب

مصطفى جودة يكتب: القانون الذي لن تهرب منه إسرائيل

شكرا للتعليق على الموضوع