تعرف على الاستخداماتٌ المذهلةٌ لضوء الشمس!
تقارير – التلغراف : هل تتوقف الاستفادة من ضوء الشمس على الطاقة فقط ؟ فرغم ان الصناعات البتروكيميائية تعد عجلةَ الدوران الأساسية للمجتمع ، ورغم أنها تواجه انتقاداتٍ لاذعةً لكونها تمثل معضلةً كبيرةً لكلٍ من البيئة والمناخ، وهذا ما دفع الكثير من الباحثين لدراسة طرقٍ صناعيةٍ أقل ضررًا بالبيئة، أو البحث عن طرقٍ طبيعيةٍ تحل محل الطرق الصناعية وتعطي مردودًا اقتصاديًا وبيئيًا مقبولًا.
وفي هذا المجال تمكن باحثون دانماركيون في جامعة كوبنهاجن من اكتشاف عمليةٍ طبيعيةٍ دعوها بـِ “التركيب الضوئي العكسي” reverse photosynthesis، وُصفت ضمن بحثهم الذي نشرته دورية Nature Communication. في هذه العملية تقوم طاقةُ أشعة الشمس بتحطيم وتفكيك المادة النباتية بدلًا من بنائها كما في عملية التركيب الضوئي العادي.
حيث يتم جمع أشعة الشمس بواسطة الكلوروفيل (اليخضور)، وهي نفس الجزيئة التي تشارك في عملية التركيب الضوئي ولكنها في حالة “التركيب الضوئي العكسي” تكون مرتبطةً بأنزيمٍ خاصٍ يقوم بتفكيك المادة النباتية وإنتاج موادَ كيميائيةٍ أو وقودٍ بدلاً من بناء الكتلة الحيوية للنبات.
ماهي عملية “التركيب الضوئي العكسي”؟
تشير الفكرة التقليدية لدينا أن أشعة الشمس هي محور العمليات الحيوية ضمن النبات، فمن خلالها يقوم النبات بعملية التركيب الضوئي وهي تلعب دورًا رئيسيًا في عملية نمو النبات.
أما الفكرة التي لم يلاحظها أحد من قبل فهي إمكانية تطبيق أشعة الشمس لتحطيم مادة النبات وإطلاق المواد الكيميائية، أي أن أشعة الشمس المباشرة توجه العمليات الكيميائية، وتكفي طاقتها الهائلة لإنجاز تلك العمليات دون الحاجة لأية مدخلاتٍ إضافيةٍ من الطاقة، وبزمنٍ لا يتجاوز 10 دقائق، في مقابل 24 ساعةً بدون وجود ضوء الشمس.
وبالتالي تعتمد عملية التركيب الضوئي العكسي على الطاقة التي يحملها الإشعاع الشمسي، والتي يجمعها اليخضور chlorophyll عادةً أثناء عملية التركيب الضوئي، حيث يضاف لها أنزيمات أحاديات الأوكسيجناز التي تقوم بتحطيم الكتلة الحيوية للنبات، مما يمكن من استخدامها كموادَ كيميائيةٍ أو وقودٍ حيويٍ أو منتجاتٍ أخرى خلال زمن أقل بكثير من الطرق الأخرى المستخدمة لإنتاج هذه المواد.
علماً أن أنزيمات أحاديات الأوكسيجناز monooxygenases هي أنزيماتٌ طبيعيةٌ، تستخدم في إنتاج الوقود الحيوي صناعيًا، وقد تبين للباحثين أثناء دراستهم أنها تُضاعف فعاليتها لدى تعرضها لأشعة الشمس، وتَستخدِمُ هذه الأنزيمات خلال علمية التركيب الضوئي العكسي الأوكسجينَ الجويَ وأشعةَ الشمس لتحطيم وتحويل روابط الكربون في النباتات بدلًا من بناء النباتات وإنتاج الأوكسجين كما في عملية التركيب الضوئي.
التركيب الضوئي العكسي… ثورةٌ هائلةٌ على طريق الإنتاج الصناعي البيئي
لا يعلم العلماءُ إلى الآن حجمَ انتشار عملية “التركيب الضوئي العكسي” باستخدام الضوء واليخضور وأنزيمات أحاديات الأوكسيجناز في الطبيعة، لكن هناك مؤشراتٌ عديدةٌ على أن الفطريات والبكتريا تستخدم هذه العملية لانتزاع السكريات والمغذيات من النباتات.
صناعياً… تتميز عملية “التركيب الضوئي العكسي” بقدرتها على كسر الروابط الكيميائية بين الكربون والهيدروجين، وهذه ميزةٌ يمكن تطويرها لتحويل غاز الميثان _الذي مصدره محطة الغاز الحيوي_ وتحت الظروف المحيطة الطبيعية إلى الميثانول وهو وقودٌ سائلٌ ومادةٌ خامٌ في غاية الأهمية، لإمكانية استخدامها في صناعة المواد البيتروكيميائية ومعالجتها إلى وقودٍ ومواد كيميائيةٍ ومواد أخرى.
يأمل العلماء باستمرار تجاربهم في زيادة سرعة التفاعل، وتقليل التلوث الناتج، ليكون لهذا الاكتشاف القدرة على إحداث ثورةٍ هائلةٍ في مجال الإنتاج الصناعي من خلال تغيير طريقة استخدامنا لمصادر أرضنا الطبيعية، وتطوير طرقٍ صناعيةٍ جديدةٍ لإنتاج الوقود والمواد الكيميائية بشكل يخفض من التلوث إلى حدٍ كبير.
ويؤكد الباحثون ضرورة إجراء المزيد من البحث والتطوير على هذا الاكتشاف لكي يعود بالفائدة المباشرة على المجتمع والبيئة، لأن إمكاناته المحتملة هي من أعظم ما شاهدوه في السنوات الأخيرة.