الغضب يجتاح المغرب بعد “سحق” بائع السمك

أثار موت بائع سمك بطريقة مأساوية سحقا، داخل شاحنة لجمع النفايات في شمال المغرب، موجة كبيرة من الحزن والغضب، في مناطق مغربية عدة، فيما أكدت السلطات عزمها على “معاقبة” المسؤولين.

وقضى محسن فكري بائع السمك البالغ نحو 30 عاما، مساء الجمعة الماضي، في الحسيمة، عندما علق في مطحنة شاحنة لنقل النفايات بينما كان يحاول على ما يبدو اعتراض عناصر شرطة في المدينة، سعوا إلى مصادرة بضاعته وإتلافها.

وأثارت الظروف الفظيعة لموته الذي صور بهاتف محمول، وانتشر على الإنترنت صدمة بين السكان. وتناقلت شبكات التواصل الاجتماعي صورة لجثة فكري وهي عالقة داخل مطحنة الشاحنة. ووجهت دعوات مختلفة للتظاهر في مناطق مختلفة في البلاد.

وسارت مساء أمس في وسط مدينة الحسيمة، مسيرة احتجاجية ضخمة شارك فيها الآلاف، بحسب ما أفاد صحفي في وكالة “فرانس برس”.

وبدأ التجمع السادسة مساء في ساحة الشهداء، حول منصة اعتلاها عدد من النشطاء والحقوقيين المحليين، الذين ألقوا كلمات قبل أن ينطلقوا في التظاهرة.

وقال الناشط الحقوقي وممثل فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فيصل أوسار، لوكالة “فرانس برس″، إن المتظاهرين يريدون التنديد بما وقع لهذا التاجر البسيط، الذي دافع عن حقه ورزقه وأهين في كرامته. مضيفا: “نطالب بفتح تحقيق نزيه ومحاكمة الجناة”.

وجابت المسيرة بعض الشوارع، وتوقفت أمام مخفر للشرطة، حيث رفع المحتجون شعار “قتلة مجرمون” في وجه رجال الشرطة الذين لم يتحركوا من مكانهم.

ورفع بعض الشباب شعاري “الريف لا يهان” و”نحن أمازيغ”، فيما شكل البعض الآخر سلسلة حول مخفر الشرطة، وطالبوا المتظاهرين بالاستمرار في المسيرة. وكان بين المتظاهرين العديد من الشباب إضافة إلى نساء ورجال.

وقالت لطيفة وهبي بحسرة: “هذه جريمة مع سبق الإصرار والترصد”، مضيفة: “كيف لا يمكننا اليوم أن نندد بهذه الجريمة الشنعاء والبشعة؟ كيف يعقل أن شابا بائعا للسمك يبحث عن رزقه، يخرج لطلب العيش، فيطحن في شاحنة للأزبال. إن هذا عار. أين كرامة المواطن؟”.

– روح “الأمير” و20 فبراير-

ورفع المتظاهرون العلم الأمازيغي بالألوان الأزرق والأخضر والأصفر وعلم “جمهورية الريف” الأحمر. وطالب المنظمون باستحضار “روح الأمير” وتاريخه، في إشارة إلى عبدالكريم الخطابي الملقب بـ”الأمير” أو “أسد الريف” الذي أسس الجمهورية الريفية، وخاض حرب عصابات ضد المستعمر الإسباني.

كما رفع شعار “كرامة، حرية، عدالة اجتماعية” الذي كان الشعار المركزي لحركة 20 فبراير الاحتجاجية سنة 2011 التي تزامنت مع “الربيع العربي”.

وكان آلاف المشيعين ساروا نهارا خلف جثمان فكري الذي نقلته سيارة إسعاف صفراء اجتازت مدينة الحسيمة الى بلدة إمزورن المجاورة الواقعة على بعد 15 كيلومترا حيث دفن.

وهتف بعض المشيعين “مجرمون، قتلة، ارهابيون!”، وسط نحيب النساء. وصرخ أحدهم: “سكان الريف متضامنون مع الشهيد محسن، نريد أن نعلم ما حدث وملاحقة المذنب أو المذنبين”.

وسارت تظاهرات أخرى صغيرة مساء في مناطق ريفية أخرى، وكذلك في الدار البيضاء ومراكش والرباط، حيث هتف نحو ألف شخص: “كلنا محسن”.

وسارع العاهل المغربي الملك محمد السادس الموجود في زنجبار بتنزانيا، حيث يختتم جولة دبلوماسية واسعة في شرق إفريقيا، إلى إيفاد وزير الداخلية محمد حصاد إلى الحسيمة لـ”تقديم التعازي” إلى عائلة محسن فكري.

وأعطى الملك تعليمات “لإجراء بحث دقيق ومعمق ومتابعة كل من ثبتت مسؤوليته في هذا الحادث، مع التطبيق الصارم للقانون في حق الجميع، ليكونوا عبرة لكل من يخل أو يقصر في مهامه ومسؤولياته”، بحسب بيان لوزارة الداخلية التي سبق وأعلنت فتح تحقيق مشترك مع النيابة العامة المحلية غداة المأساة.

وما زالت الظروف الدقيقة لمقتل محسن فكري ملتبسة. وقال أوسار إن السلطات أجبرته على التخلص من صناديق عدة من سمك أبوسيف الذي يمنع صيده في المغرب.

وأوضح أن “البضاعة كانت مرتفعة القيمة، ورمى البائع نفسه لاستعادة الأسماك لكنه سحق في الآلة”.

وشكلت الحسيمة الساحلية التي تعد نحو 55 ألف نسمة، قلب الثورة ضد المستعمرين الإسبان في العشرينات. كما أنها كانت مركز الاحتجاجات في أثناء حركة 20 فبراير.

وأكد وزير الداخلية محمد حصاد لوكالة “فرانس برس″، عزمه على تحديد ملابسات مقتل فكري، وعلى “معاقبة المسؤولين عن هذه المأساة”.

وقال حصاد: “لم يكن يحق لأحد معاملته بهذه الطريقة”، مضيفا: “لا يمكن أن نقبل أن يتصرف مسؤولون على عجل وبغضب، أو في ظروف تنتهك حقوق الناس”.

شكرا للتعليق على الموضوع