يوميات دينا ابو الوفا … عارفين

استيقظت حنان من نومها بعد ان أخذت ما يكفيها و يفيض من النوم و الراحه ، و التى تحرم منهما فى المعتاد بسبب عودتها متأخرة كل يوم من العمل .
ذلك العمل الشاق الذى تقضي فيه أغلب يومها تحدق فى الكمبيوتر، او تحضر اجتماعات أو تقوم بالرد على عدد لا نهائي من المكالمات التليفونيه تنذر بالمشاكل مع الرنة الاولى .
فلا يتبقى لها من بركة الْيَوْمَ سوى ساعات معدوده تأخذ فيهم حماماً دافئاً ، تعقبه بصلاة المغرب و العشاء
ثم تستلقي على فراشها منهكة القوى ، لا تشعر بشىء سوى النعاس و الرغبه الملحه فى وضع نهاية ليوم آخر شاق يرتشف منها صحتها فى بطء كما يرتشف عاشق القهوة ، قهوته …..
لكنها دوماً تقاوم ذلك الشعور، حتى تفرغ من إتمام ما يبعث بعض البهجة فى قلبها و يمدها ببعض الطاقة الإيجابية .
فتمسك بهاتفها لتكتب خاطرتها اليوميه فى صفحتها على الفيس بوك .

كان الْيَوْمَ عطلة رسميه بمناسبة المولد النبوى الشريف .
مما منحها فرصة ذهبية للاستيقاظ دون منبهاً ينطلق بجانبها كناقوس الخطر .
استيقظت و قد ملأتها راحة نفسيه و صفاء ذهنى .
ارجعت سببهم الى تلك المناسبة الطاهرة المباركة و ما أجمل من يوم مولد خاتم الأنبياء محمد صَل الله عليه و سلم ..
فقررت ان المناسبه تستدعى انتهاز فرصة ذهبية أخرى ..
و تكرس يومها للكتابة فلديها الكثير لتقوله و تدونه و تشاركه مع الآخرين ..
و ما ان افاقت و احتست قهوتها و جلست بغرفتها و اغلقت بابها عليها ، كما تفعل دائماً حين تبحث عن الهدوء الذى يضاعف تركيزها و تنساب معه كلماتها بسلاسة و تلقائيه ؛ حتى دخل عليها زوجها عمر يصرخ ” حنان الحقى الحقى ، فجروا الكاتدرائية ، ولاد الذين فجروها ، و الناس فى القداس بتصلى ، حسبى الله ، لا اله الا الله ، فى ناس ماتت يا حنان ” ..
تلقت حنان الخبر كمن يتلقى خبر وفاة فرد من عائلته رغم انها مسلمة ولكن هكذا هى ، تشعر بالام غيرها كأنها آلامها و تحتسى المرار تماماً مثلما يحتسوها ..
كما انها لم ترى يوماً عيناها صليب او هلال ..
و لم يشغلها يوماً ان كان من حولها قبطياً او مسلماً فهى لم و لن تكترث لشىء سوى الإنسان بداخله ..
و لم و لن ترى سوى مصرى مثلها يجتمع قلبهما على حب الوطن ..
انخرطت فى بكاء شديد و أسرعت تلتقط هاتفها لتطمئن على كل اصدقائها فرداً فرداً ..
” آلو منى ، ازيك طمنينىً ، انت كويسه ، اهلك و حبايبك بخير ، كلكم بأمان “..
فأتت اجابة منى فى صورة بكاء ، بكاء المنكسر الحزين ، الذى يشعر بالظلم ولا يملك من أمره شيئاً ، بكاء مغلف بغضب يجتاحها ،غضب تجاه من دبّر و غضب تجاه من نفذ و غضب تجاه كل من قصر فى حماية هؤلاء المصلين …
فلا تدرى أين و كيف تصبه !؟!؟
لم تجد حنان ما تقوله ، فبرغم لباقتها المعهودة فيها ، الا انها لم تجد ما تقول لتخفف من اوجاع صديقتها
و اكتفت بان رددت ” الله يرحمهم ، الله يرحمهم ، حسبنا الله و نعم الوكيل ” و اغلقت الخط  ..
ظلت هكذا تقوم بمكالمة تلو الاخرى لتطمئن على الجميع ..
ثم استجمعت شجاعتها لتقوم بالجزء الاصعب الا و هو مشاهدة تسجيلات الحادث المؤسف ..
لا تعرف لماذا اقدمت على ذلك و هى تدرك تمام الإدراك انها لا تحتمل رؤية مشاهد الموت و الدم و البكاء و الصراخ ، معهم ينتفض قلبها و تتعثر ضرباته و يوشك على التوقف و يضيق صدرها و تلتقط انفاسها بصعوبة و مجهود كبير و ترتعش يداها ، فتظل تربط بيد على الاخرى و تفركهما فى عصبية و توتر ..
انتهت من مشاهدة الصور و التسجيلات و انخرطت فى البكاء مرة أخرى ..
و سألت نفسها ذلك السؤال الذى يتردد فى اذهان الجميع ” لماذا ، لماذا كل هذا الدمار ، لماذا كل هذا الدم ، لماذا ذهبوا ليصلوا و يتقربوا آلى الله ، فتزهق ارواحهم بكل هذا الغدر و الدناوة ، ماذا استفادوا هؤلاء الكائنات من موت سيدات و أطفال ، كان كل غايتهم الصلاة ! لماذا تدمر بيوت الله ، أليس هذا بيتا من بيوت الله
و كان الجواب حاضر ” لأنهم ليسوا بشراً فلا تنطبق عليهم قوانينهم ، لانه لا دين لهم فلا يخافون رب العباد ، لانه لا رادع لهم فيسعون فى الارض فساداً ”
كل تلك الأحداث و الأفكار استنفذت طاقتها كما استنفذت يومها  ..
فقررت ان تنقذ ما تبقى منه و تحاول الكتابه لعلها تقتلع نفسها خارج دوامة الاحباط و الحزن
فلم تستطع….
فأحيانا لا نجد ما نقوله و تعاندنا المعاني و الكلمات ..
فلا ندرى ما السبب ؟!
هل هو عقل صار خالياً بعد ان نفينا خارج حدوده كل الخواطر والأفكار …
ام هى روح مزدحمة ، لبت فيها المشاعر المتضاربة دعوتنا العامه …..

دينا ابو الوفا
دينا ابو الوفا

اقرأ للكاتبة :

ميعرفوش اللون الرمادى

شكرا للتعليق على الموضوع