قصة رجل أعاد بناء قرية نيبالية ضربها زلزال مدمر

بعد الزلزال المدمر الذي ضرب نيبال عام 2015، توصل أحد سكان قرية دمرتها هذه الكارثة إلى حل مبتكر لإعادة بناء قريته. وبعد عامين؛ عادت القرية لتقف على قدميها على نحو مثير للدهشة.

عندما ضرب زلزالٌ بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر نيبال في أبريل/نيسان 2015؛ بدا أن حياة الزوجين ميلا ودوا لاما قد تقوضت.

ورغم أنهما تمكنا من النجاة بحياتيهما في أخر لحظة، دُمر منزلهما، الذي كان يضم كذلك متجرا للبقالة، ونُزلا عصريا صغيرا ومنخفض التكاليف للمسافرين، على نحو يستعصي على الإصلاح.

وبدا لهما أن الحياة لن تعود أبدا إلى ما كانت عليه، لكن هذين الزوجين المثابرين توصلا إلى حل مبتكر وحاذق، أدى تطبيقه إلى أن تعود قريتهما إلى الوقوف على قدميها، على نحوٍ لافتٍ للنظر، بعد عامين فحسب من هذه الكارثة الطبيعية.

قبل وقوع الزلزال، كانت قرية “مانيكاركا” بقعة وادعة هادئة، وحافلة بالمناظر الطبيعية الخلابة، فهي تقع أعالي الجبال في منطقة “سيندو بالتشوك” النيبالية، وتقطنها نحو 60 أسرة.

ويعني اسم هذه القرية “الأرض التي تنعم بمساحات خضراء شاسعة”، وهي تغص أيضا بالأضرحة البوذية ذات القباب والأبراج، ويعرف الضريح منها باسم “ستيوبا”.

ورغم أن القرية لا تبعد سوى 65 كيلومترا تقريبا عن العاصمة كاتماندو؛ فإن الرحلة إليها تستغرق سبع ساعات على متن حافلة تسير على طريق وعر وغير مأمون.

ومثل غالبية القرى النيبالية، كان سكان “مانيكاركا” يعيشون على حد الكفاف تقريبا، ويقتاتون على ما يزرعونه من البطاطس، والذرة، وحبوب الدُّخن، التي يسميها البعض الذرة البيضاء، وهي عبارة عن حبوب دقيقة الحجم شبيهة بالسمسم. وبطبيعة الحال، ألحق الزلزال المدمر أضرارا بالغة بأسباب معيشة هؤلاء.

وبعد أقل من أسبوعين من وقوع الزلزال، كنت في طريقي جوا صوب القرية للمشاركة في عمليات الإغاثة. ولازلت أتذكر مشاعر الحزن والأسى التي اجتاحتني وأنا أنظر من الطائرة وهي تمر فوق منطقة “سيندو بالتشوك”؛ لأرى أسفل منّا عشرات القرى الصغيرة وقد سُويت تماما بالأرض.

كان من المفجع أن يرى المرء الناس وقد فقدوا كل ما كان لديهم من متاعٍ حياة قليل من الأصل؛ سواء كان ذلك فراش، أو ثياب، أو طعام أو ماشية.

ووفقا لبيانات البنك الدولي؛ فقد أدى زلزال نيبال إلى زيادة عدد من يعانون من الفقر في هذا البلد بواقع 700 ألف شخص تقريبا، لتزيد نسبة الفقراء هناك من 3.5 في المئة إلى 6 في المئة من إجمالي عدد السكان.

وقبل وقوع الزلزال، كان غالبية نزلاء ذلك النزل المملوك للزوجين “لاما”، هم من المتجولين من هواة تسلق الجبال بمنطقة “بانس بوكاري” الواقعة على ارتفاع 4100 متر فوق سطح البحر، وكذلك من سائقي الحافلات التي تقل المسافرين ذهابا وإيابا إلى كاتماندو.

وكان الزوجان يشعران بالفخر لتزويد كلٍ من هؤلاء النزلاء بفراشٍ مريح، ووجبات ساخنة، وبعض من الخمور المعدة منزليا باستخدام حبوب الدُّخن؛ لاحتسائها بعد تناول وجبة العشاء.

وبينما كانت غالبية المباني في قرية “مانيكاركا” مُشيّدة من الصخور الصغيرة التي تُلصق ببعضها البعض باستخدام الطين؛ كان نُزل الزوجين لاما ينعم ببنيانٍ أكثر قوة وتماسكا، إذ تكوّن هيكله من الأحجار والأخشاب، ودُعِّمَ بالخرسانة.

ورغم ذلك، فقد أدى الزلزال إلى انهيار السقف، وميل العديد من الجدران بشدة إلى حد جعلها على وشك الانهيار. وبعد هذه الكارثة، وُجدت بعضٌ من اللوحات البوذية مُعلقةً على بضعة جدران بقيت صامدة.

في ذلك الوقت، قال الزوج (51 عاما): “سيستغرق الأمر 50 عاما لإعادة بنائه (النُزل)، وربما أكثر”.

تفوه الرجل بهذه الكلمات، وهو ينظر إلى أنقاض ذلك المكان، ويتساءل في نفسه عما إذا كان سيتمكن بأي طريقة من إعادة مورد رزقه هذا إلى الحياة مرة أخرى بكل ما كان يتمتع به النزل من بهاء وتألق، نتيجة العناية به على مر السنين.

وبعد الزلزال؛ قضى الزوجان – جنبا إلى جنب مع 23 قرويا آخرين – أكثر من أسبوعين كاملين، مُتكدسين تحت سقف مأوى من القماش البلاستيكي، للاحتماء به من الأمطار الموسمية، التي تهطل بغزارة خلال الليل. وقد بددت هذه الأمطار آمال الزوجين في استرجاع أي ثياب أو مؤن غذائية من بين أنقاض منزلهما.

في تلك الفترة، كان كل ما لدى آل لاما لا يتعدى كيسا من البطاطا، اشترته الزوجة قبل ساعات من وقوع الزلزال، ووضعته قرب الباب الأمامي للمنزل.

واقتات الزوجان وأطفالهما طيلة فترة المحنة تلك على لونٍ من الطعام يُعرف باسم “آلو توركاري”، وهو نوعٌ محليٌ من “الكاري” يُحضّر باستخدام البطاطا المسلوقة، الموجودة لديهما من الأصل، ممزوجة بما اقترضاه من الجيران من خضرواتٍ وتوابل.

كانت الحياة قاتمة في القرية النيبالية المنكوبة، لكن العطف الذي أبداه السكان حيال بعضهم البعض، على نحوٍ يثلج الصدور، كان مُلهِما بالنسبة للزوجين لاما.

ومن بين البوادر النبيلة التي جرت في هذا السياق، ما أقدم عليه شابٌ كان يعمل فنيا في أحد المختبرات الطبية، باغته الزلزال وهو عائدٌ إلى “مانيكاركا” على متن حافلة من مسقط رأسه بمدينة بهاكتابور، مما أدى إلى وقوع انهيارات أرضية في المنطقة المحيطة بالحافلة.

لكن ذلك لم يدفع الشاب “سَروج كوجو” (26 عاما) إلى أن يعود أدراجه، بل سار على قدميه لعشر ساعات صاعدا المرتفعات، حتى وصل إلى القرية، وانضم على الفور إلى فريق طبي محدود العدد كان يعمل في عيادة طبية موجودة هناك. وانهمك أفراد الفريق الطبي في تقديم خدماتهم إلى المرضى، الذين كانوا يتمددون في الحقول خارج مبنى العيادة، نظرا لخوفهم من دخوله بسبب خشيتهم من الهزات الارتدادية.

وهكذا اعتمد سكان القرية على بعضهم البعض خلال تلك الأسابيع الصعبة. فقد تشاركوا في طهي الطعام وتقاسموا الوجبات كأسرةٍ واحدة. وبلغ الأمر حد تخليهم – ولو لبعض الوقت – عن عبارات التحية المعتادة عندما يلتقون بعضهم بعضا، لتصبح تحيتهم التقليدية هي: “هل تناولت طعامك؟”.

لكن في نيبال، يعتز الفقراء كثيرا ببيوتهم، بل ويعتبرونها جزءا منهم ومن هويتهم، نظرا لأنهم لا يمتلكون – على الأغلب – شيئا آخر سواها.

لذا، فعندما أدى الزلزال إلى أن يُضطر الكثيرون إلى بلوغ مرحلة النوم تحت أسقف خيامٍ مُعدة من القماش البلاستيكي، قاد ذلك إلى تزايد عدد من يعانون من مشكلات تتعلق بالصحة النفسية، في مختلف أنحاء نيبال، بما يشمل المعاناة من القلق، والاكتئاب، وكذلك حتى الإفراط في تعاطي المخدرات.

وكانت الإجابة المعتادة للكثير من القرويين في “مانيكاركا” على أي سؤال، حتى وإن كان شديد البساطة وتقليديا للغاية، تتمثل في القول “ما الذي بوسعي أن أفعله؟ لم يعد لديّ بيت الآن”.

وبعد أسبوعين من الإقامة تحت سقف الخيمة البلاستيكية؛ بدأ “ميلا لاما” في غربلة الأنقاض التي خلّفها الزلزال المدمر. وبفضل كونه نجارا مخضرما، استخلص هذا الرجل – من بين الحطام – بعض ألواح وصفائح القصدير المموج، وهيكلا لباب بجانب شبكة من الأسلاك، وهو ما مَكَّنَه من إقامة سقيفة مؤقتة له ولزوجته، باستخدام مطرقة ومسامير اقترضها من آخرين.

وفي غضون أيام قليلة، كان بوسع “ميلا لاما” أن يوفر لزوجته وأطفاله الثلاثة الصغار مكانا يحتمون به من غوائل الطبيعة كالأمطار والبرد والفيضانات.

وعلى مدار الشهرين التاليين، قاد الزوج – السعيد بالإنجاز الذي حققه في إقامة السقيفة لأسرته – عددا محدودا من أقرانه القرويين لتكرار تلك العملية من أجل تمكين عشرات العائلات الأخرى المشردة من أن تكون لكل منها سقيفة مماثلة.

كانت مبادرته في هذا الصدد بسيطة للغاية K مفادها أن يكون هناك سقف تحتمي به كل أسرة في “مانيكاركا”. وأدت هذه المبادرة إلى منح تلك القرية النيبالية المنكوبة فرصة للشعور بالأمل والسعادة، بعدما مرت بظروف الزلزال القاسية.

وبحلول يونيو/حزيران 2015، باتت عدة قطع من الأرض – كانت تُستخدم من قبل في الزراعة – عامرة بنحو 40 مأوى مؤقتا شيّدها “ميلا” وفريقه. وقد بدا ذلك مذهلا على نحو استثنائي، نظرا لأن الحكومة النيبالية لم تُشيّد بعد مرور عام كامل على الزلزال ولو منزل واحد للمنكوبين في البلاد.

عدتُ إلى قرية “مانيكاركا” في الذكرى السنوية الأولى لوقوع زلزال نيبال، لأجد آثار ما أحدثه من انهيارات أرضية لا تزال ترتسم على الجبال الموجودة هناك، في صورة صدوعٍ وشروخ.

ورغم ضآلة المساعدات الحكومية التي تلقتها القرية، فقد كانت الحياة فيها تمضي ببطء وبشكل تدريجي صوب العودة إلى حالتها الطبيعية. وعلى مدار الشهور القليلة الماضية، شيّد آل “لاما” – وعلى نحوٍ مطرد – عددا من المآوي المؤقتة، التي باتت تشكل مجتمعةً بديلا عن بيوتهم القديمة.

وكان أول نُزل في هذه الأماكن يضم سريريّن. وعندما وصلت إلى المنطقة، كان الزوجان قد تمكنا من استعادة كامل الطاقة الاستيعابية للنُزل القديم، الذي كان يضم 12 سريرا. وسعيا مني لأن أخوض بنفسي تجربة الحياة في سقيفة أُعِدت من مواد انتُشِلت من بين الأنقاض؛ حجزت غرفة في أحد أماكن الإيواء تلك.

بطبيعة الحال لم يكن الأمر يتسم بالترف أو الفخامة، فصفائح القصدير المموجة الموجودة في السقف، كانت تُضخِمُ صوت أي قطرة مطر تسقط عليها، خاصة خلال الليل. أما الجدران، فكانت عبارة عن ألواحٍ رقيقة من الخشب الرقيق، أو من صفائح القصدير المموج أيضا.

وكان للمكان نافذةٌ واحدة عبارة عن شبكة من الأسلاك، تنسدل عليها ستارةٌ خفيفة. رغم ذلك، فقد كان كل هذا كافيا لجعلي أشعر بالأمان والامتنان كذلك.

ورغم مرور قرابة عامين على وقوع الزلزال، لا يزال غالبية سكان قرية “مانيكاركا” يعيشون في مآوٍ “مؤقتة”، كان يُفترض ألا تتجاوز فترة إقامتهم فيها ستة أو ثمانية أشهر.

مع ذلك، فلدى السكان الآن الكثير ليفتخروا به، فقد أعادت مدرسة القرية فتح أبوابها. كما أن الطاقم الطبي العامل في العيادة الموجودة هناك يواصل تقديم خدماته للمرضى بشكل يومي، حتى لمن لا يستطيعون دفع مقابلٍ لهذه الخدمات.

كذلك بات لدى الرحالة والمتجولين وسائقي الحافلات مكانٌ يمكنهم نيل قسط من الراحة فيه. كل ذلك يعني أن الحياة في “مانيكاركا” تمضي وتستمر.

أما زوجة ميلا لاما؛ فتقول إنها وزوجها نجحا – منذ اقترنا ببعضهما قبل 27 عاما – في مواجهة العديد من التحديات، والبقاء على قيد الحياة بالرغم من ذلك. وشددت على أنهما سيواصلان بذل كل ما في وسعهما لإعادة بناء قريتهما.

بي بي سي

شكرا للتعليق على الموضوع