عائشة سلطان تكتب : المدن المختلفة!
تتغير المدن سنة بعد أخرى، تخرج من جلدها القديم، تستبدله بآخر، جديد، ملون، وأكثر لمعاناً، المدن لا تبقى كما هي، إنها كائن حي، يتحدث، يتنفس، يحب ويكره، وينمو، كما ويقع في الغيرة، نعم تغار المدن من بعضها بشكل واضح، وإلا فلماذا يتكرر العمار ذاته في أكثر من مدينة، وتقام المشاريع نفسها، وتعثر على نفس المقاهي والمطاعم ومراكز التسوق، الغيرة بين المدن هي المعنى المرادف لمحاولة تكرار النجاح أو الاستفادة من التجارب الناجحة، ومثلما تغار مدن من زميلاتها، فإن مدناً أخرى تمنح تجاربها للأخريات كي تستنسخها غير عابئة بالنتائج.
وبالرغم من تماثل المشاريع والأمكنة، بل وتطابقها شكلياً، إلا أن مزاج المدينة يضفي على الأمكنة روحاً مغايرة تجعلك تشعر بأنك تعيش تجربة أخرى مع المكان نفسه الذي تراه وتحسه مختلفاً بشكل كلي عن ذات المكان الذي ترددت عليه في مدينة أخرى، هذا واحد من تجليات المدينة وأسرارها الغامضة، خاصة حين تكون هذه المدينة معجونة بالغموض والأسرار وأرواح أسلاف مختلفين وموزعين على حضارات وأزمنة متباينة!
للمكان سحره، وتأثيراته، وجاذبيته، وهو سحر لا يعود للبذخ والغنى والأناقة دائماً، فللطبيعة سحرها، وللبساطة جاذبيتها، وللصحراء والبحر والجبال تأثيراتها العجائبية على الناس.
فقد تسافر إلى أجمل عواصم ومدن العالم وأكثرها تطوراً ونظاماً، لكن دون أن تقع تحت تأثير سحرها، لقد جبت مدناً مثل كوبنهاغن واستوكهولم وأمستردام وواشنطن، لكن أي أثر ظل محفوراً في روحك بعد مغادرتها، لا شيء سوى ذكرى طيبة عن قوة القانون والنظافة وبذخ الفنادق والأسواق، بينما مدينة في أقاصي الهند أو قرية في جبال الألب أو منطقة تعج بأرواح ملوك مصر القدماء كالأقصر مثلاً تستحوذ عليك، بحيث لا يمكنك نسيانها أو التخلي عن رغبة زيارتها مجدداً!
بالرغم من جماليات المدن المتطورة ونظافتها وأناقتها، والتي تغريك بالتجوال، وتشعرك بالراحة، وتمنحك فرصاً لا تحصى من النزهات والتسوق والفرجة، لكنها لا تسمح لك بأن تذهب فيها أبعد من ذلك، إنها تكتفي بأن تمنحك سطحها الخارجي مع ابتسامة سياحية وينتهي الأمر!
الشرق معبأ بالأسرار والغموض والأساطير والديانات، وأرواح الفاتحين والملوك والملكات والخرافات، الشرق عميق بشكل لانهائي، وجاهز لأن يمنح زواره أسراراً بلا حدود، ربما لا تمتلك مدن الشرق جماليات مدن الحداثة، لكنها تمتلك تاريخاً وعراقة وإنساناً لا يمكن أن تعثر على مثيله في أي مكان!
البيان – الامارات
اقرأ للكاتبة :